“نُزُولاً إِلَى قِمَّةِ الجَبَلِ ” أحمد الحجام / المغرب

فِي مَدْخَلِ المَدِينَةِ

جَوْقَةُ الرِّيحِ تَدُقُّ دُفُوفَهَا

وَ فوْقَ الأرْصفَةِ والأَسْوَاِر

تَرْسمُ الخَطَاطِيفُ لَوْحَاتٍ رَاقِصَةٍ

بِأَجْنِحَةٍ فِي الأَرْضِ وَ أُخْرَى فِي السَّمَاءِ

مُرَحِّبَةً بِأَفْوَاجِ الغُرَبَاءِ

عَلَى جَنَبَاتِ الطَّرِيقِ تَتَمَايَلُ هَامَاتُ النَّخِيلِ

كَالدَّرَاوِيشِ الهَائِمِينَ فِي حَضْرَةِ الزَّوْبَعَةِ

وَ فَوْقَ المَدَارِ القَرِيبِ

يَقِفُ النُّصْبُ المُتَعَجْرِفُ ثاَبِتًا بِقَلْبٍ مِنْ حَدِيدٍ

لا يُحَرِّكْهُ عُنْفُوَانُ الأَنَاشِيدِ..

مُجَنْدَلاً نَزَلْتُ بِسَاحَةِ ” المِشْوَرِ “

أَنْزِفُ بِالصّمْتِ وَ التَّعَبِ

وَ وَحْدَهَا الرِّيَاحُ

مَنْ تَمَنَّتْ لِي المَقَامَ السَّعِيدَ

تَشُدُّ تَلاَبِيبِي مِنْ حَفَاوَتِهَا

إِلَى قَلْعَةٍ هِيَ أَبْعَدُ مِنْ “صَحْرَاءِ التَّتَرِ ” (*)

قِيلَ الصُّعُودُ إِلَيْهَا تََرَفُ المُبْعَدِينَ

هُنَاكَ حَيْثُ يَصُوغُ الآلُ مِنَ الفِضَّةِ سَبَائِكَهُ

لِلْعُرَاةِ اليَائِسِينَ

وَ تُثَرْثِرُ أَبَارِيقُ الشَّايِ عَلَى المَجَامِرِ

بِالكَلاَمِ المُبَاحِ

هُنَاكَ حَيْثُ يُسْلَخُ جِلْدُ السَّنَاجِبِ

عَلَى مَوَائِدِ العَشَاءِ

وَلِيمَةً لِجَحَافِلِ الجَائعين

حَيْثُ يَنْتَحِرُ العُقْرُبَانُ وَحِيدًا فِي جُحْرِهِ

لأَنَّ جَلِيدَ الغُرْبَةِ أَقْسَى مِنَ النِّيرَانِ

هُنَاكَ .. حَيْثُ وَ .. حَيْثُ ..

وَ يَسْتَعِرُ الضَّجَرُ

عَلَى طَاوِلاتِ المقاهي وَ الفَنَادِقِ الرَّخِيصَةِ

وَ تَسْتَمِرُّ الرِّحْلَةُ فِي جُنْحِ الصَّبَاحِ …

لَكِنْ مَهْلاً أَيُّهَا الزَّيْتُونُ وَ الحَجَر..

يَا شُجَيْرَاتِ ” الأَرْكَانِ ” المُهَرْوِلَةِ

إِلَى قِمَمِ الجِبَالِ

مَهْلاً قَدْ يَضِيقُ الطَّرِيقُ تَحْتَ قَدَمَيَّ

وَ أَنَا مَا زِلْتُ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ

لَمْ أَتَخَفَّفْ بَعْدُ مِنْ صُرَّةِ أَثْقَالِي

وَ لَمْ أَمْسَحْ غَيْمَاتٍ بَعْثَرَهَا الأَرَقُ

بَيْنَ حَاجِبَيَّ

مَهْلاً .. كَيْ أَرَى بِأُمِّ العَيْنِ

كَيْفَ تُفْرِشُ الأَرْضُ أَشْوَاكَهَا مِهَادَا

وَ مِنْ أَيِّ جُرْحٍ نَازِفٍ تَتَفَجَّرُ

زَهْرَةُ الصَبَّارِ

مَهْلاً .. لأَرَى مَا لَمْ تُصَوِّرْهُ

عَلَى بِطَاقَاتِ البَرِيدِ عَيْنٌ مُنَافِقَةٌ

لأَنَّ هَذَا المَدَى سَيَكُونُ لِي مَلاَذَا

مِنْ رَكَاكَةِ اللُّغَةِ وَ عُقْمِ المِخْيَالِ

بِمَحْضِ الصُّدْفَةِ هَهُنَا سَأَحُطُّ الرِّحَالَ

قُرْبَ وَادِي” الدَّغْمُوسِ “(*) سَأَبْنِي خَيْمَةً

بَعِيدًا عَنْ خَلاَيَا النَّحْلِ أَوْ بُيُوتِ العَنْكَبُوتِ

أَصْنَعُ مِنْ لَسَعَاتِ الوَحْدَةِ عَلْقَمًا

هُوَ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ

وَ مِنْ خُيُوطِ الجُنُونِ مَتَاهَاتٍ أَوْ صَحَارَى

هُنَا أَوْ هُنَاكَ

سَيَمُدُّ لِيَ الجَبَلُ

أذرُعًا مَدِيدَةً لِلنُّهُوضِ

أوْ رُبّما سَيُرْخِي مِنْ أَخَادِيدِهِ سُلّمًا

هُوَ أطْوَلُ مِن هَاوِيَة.

(*) نبتة شوكية من جنس الصبار واسعة الانتشار بجبال الأطلس الصغير

(*)إشارة إلى قلعة ” باستياني ” في رواية ” صحراء التتر ” للكاتب الإيطالي دينوبوتزاتي

مكناس في 14/01/2018

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات