أحمد مصطفى سعيد: عذوبة السرد في مجموعة” كأنني حي” للقاص محسن عبد العزيز

القصة بوصفها فنا لا تزيد على جمع هذه الأخبار التي يتحدث عنها الناس بعضهم إلى بعض بها، واختيار طائفة من بينها، وخلق صورة حية منها تمثل عالما خاصا ل مميزاتة وأشخاصه وما وقع لهؤلاء الأشخاص من خير وشر، وما أثروا في البيئة المحيطة بهم وما تأثروا بهذه البيئة.
“كأنّني حيّ”: سرد لا تملّ منه قدرتك على نقل التّفاصيل حتّى تجد نفسك أمام مشهد ناطق ومرئيّ، رغم وجع النّصّ الأوّل بالفقد(وأمشى في جنازة أمي ، طفلا أمشى ، فكم من الحزن يكفى ليقول الناس: “إني حزين” وهم ينظرون إلى بعيون تملؤها الشفقة) والموت هناك أوجاع أصعب، شتات روح المحبّ
وفقده، ففي قصة الحلمان معا يقول (لماذا لم يسلني أحد عن زوجتي التي تجلس الآن في البيت توسع الأولاد ضربا ،بسبب عدم المذاكرة ،وتحريقهم بألفاظها ، تلك التي جعلتني أكره البيت وأبحث عن روح مع هذه الفتاة الشقية أو تلك السيدة الحنون).
وعشقان في آن واحد.
والفتاة التي يسكنها الطّهر رغم تأجّج المشهد بين الثّور والبقرة في قصة عجل الطلوقة(مبروك ثم سحبت “عجل الطلوقة” خلفها ،وكان ثقلا متعبا ،بينما هي عفيفة واثقة ،لها شفاه فاترة وعيون تخجل كل رجال البلد).
ودرة المجموعة (نسيان ) هي دفقة شعريّة رغم السّرد ولكن سرد الضّرورة (ومن نسى نظارة القراءة ومن نسى مصروف منزلة، ومن نسى يقبل أطفاله ،الجميع الآن أصبحوا سعداء ، لكن واحدا – مثلى تماما- في آخر العربة كان حزينا جدا، لأنه فقد أو نسى روحه، وللآسف لم يجدها). )
ومفارقة الحجاب الذي تؤمن أنّه علامة العفاف(والأيدي تعبث في كل مكان بالجسد الفتان ،بشرط ألا تقترب أبدا من الحجاب على شعرها).
ونقل سرّ الرّوح، محسن عبدالعزيز يعكس روحه وخطاه، دون أن يدرك. هو يأتمر للصّدق والبوح لروحه ساعة الكتابة ،فتنت عليه حروفه فهو أيضا الحالم باليوتوبيا، والطّهر الإنسانيّ وحالة تخبطه مع ماسحة الأحذية في قصة قسوة (أنا الذى أملك من القسوة ما يجعلني أضع حذائي في وجه امرأة شريفة لتلمعه وأمنحها نقودا كثيرة كصدقة ،٠٠٠٠ وبعد ذلك أدعى أنني رجل شريف)مجموعة قصصية تجبرك أن تكملها في جلسة واحدة
وتسأل لماذا يضنّ هذا المبدع على ذاته وحرفه وآثر عمله الصّحفيّ، الصّور الشّعريّة طازجة وتؤكّد تفاصيل المشهد بلا مبالغة، كأنّه تعمّد أن تكون مناسبة لبيئة القصص، وأيضا أثق بأنّه يعلم التّعالي والتّقّعر في المفردة لا يضيف بل يجعل القارئ يسخر من المؤلف، استخدم السّهل الممتنع، حتى يظن مبتدأ يا سلام (طب أنا أقدر أكتب كده).
ولكن تناسى
السّر في صدق وبراح الرّوح
كأنّني حيّ رغم شجنها تضيف للقارئ متعة القراءة بفرح
ومغافلة دمع.
والفن القصصي إلى جانب ذلك فضل إلهام غيرة من الفنون الجميلة، فهو أسبق من الشعر ومن التصوير ومن الحفر ، بل من الموسيقى نفسها، وإلى التقاط صور حياة الجماعة التي يعيش فيها  ويحاول إثباتها على الورق .*

هامش:

صفحات1،2،69، ثورة الأدب لمحمد حسين هيكل.


عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات