لا يتطلب الأمر اعتذارا ، وأن العمل الشريف هو المبدأ الذي تظهر علاماته في اليدين اتساخا ،وفي الجسد تعبا ،وفي البيت بسمة نقية تتجلى في عيون الصغار”. هكذا قال حين دخل أحدهم إلى محله وفي يده المغطاة ببقع سوداء،هاتف من النوع الجيد ،متطور وشاشته جميلة. وواقع الأمر كان الهاتف من نوع نوكيا1110 ،الهاتف الصغير ذو الشاشة البيضاء التي أضحت ميزة على سابقه من نوكيا/1100.لكن الجهاز الجديد جاء بمفاجأة محزنة وبصورة عطل، كانت الشاشة البيضاء تومض بشكل مستمر ،ولا يمكن للمتصل أن يجري به أية مكالمة.قال الزبون : ” لا أخفيك ، عائلتي قد حزنت كثيرا لتعلقها بهذا الجهاز الجديد ، لكنه خيب آمالهم بعطل لم يكن في البال. طفلتي الصغيرة ذات العامين تفتقد نغمة محببة فيه “.
أما مصلح الهواتف ، الذي يدري بأن زبونه ملمع أحذية في نهاية السوق ، وان بعضا من طموحه قد تحقق بامتلاك هاتف لم يكن فيه سوى ثلاثة أرقام ، رقم زوجته التي لم تكن تدري بأن الاتصال بالجهاز يكلف فلوسا ، ولم تكن تقتنع بأن بطاقة الشحن التي فيها أرقام التعبئة هي من يسمح لها بالاتصال , فكانت تضع من عندها أرقاما بعدد أرقام بطاقات لشحن ، وحصل مرة أن تمت التعبئة بنجاح ، لكن تلك المرة كانت الأخيرة طبعا رغم محاولاتها الكثيرة التي انتهت بحجز الشريحة من شركة الجوال لمدة يومين .
أما الرقم الثاني فقد كان لأخيه الذي يحب إن يستمع نغمة جهازه ، فاتفق مع أخيه بالإكثار من الاتصال به لا من أجل المحادثة المكلفة , إنما من أجل ما أخبره به ، والرقم الثالث كان لصديق له في المهنة ، كان مجرد رقم لا أكثر ، لأنهما كانا يلتقيان مع بعض طيلة النهار في مكان عملهما .
كان الهاتف متسخا أيضا ، وعليه بقع من يد صاحبه الذي اعتذر عن ذلك . وما فاجأ صاحب المحل ، أن الزبون قد جلس على الأرض بالرغم من وجود أربعة كراسي معدة للزبائن ، وظن بأن سبب ذلك هو ألا يتسخ كرسي منها بعد جلوسه عليه .
إلا أن الزبون قد علل ذلك باعتياده الجلوس منخفضا عن الناس ، وأن رأسه قد اعتاد على النظر إلى كل شيء مرتفع عنه بحكم مهنته ،كل شيء ، وأي شخص.
بعد ذلك , حصل على موعد إلى الغد , والذي سيتسلم فيه هاتفه وقد عادت إليه عافيته ، أعاد فعلته وحاول أن يجلس على الأرض ، إلا أن المصلح منعه وقال له : أنا وأنت , والجميع , حينما جئنا في اليوم الأول لهذا العالم، كنا ضعفاء ، وبلا مهنة أو مال.
وسنتساوى أيضا في اليوم الأخير أيضا ، حينما نودع هذا العالم ونكون تحته بنفس الضعف ، بلا مهنة أو مال .
وعلى طول خط الحياة ، ما بين اليوم الأول واليوم الأخير ، تناصفُنا الحياة على أننا نتساوى في الوجود ، إلا إذا كنا لا نريد ذلك ، فمنهم من يريد النزول إلى القاع ، ومنهم من يحب أن يراه أولئك، كما لو أنه فعلا عند علوٍ ما.