لعل أبرز إحالات هذا الدّال ، تتجسد في أفق معنى التجديد والابتكار ،فهو مرتبط بالطقوسي ومنتسبا إلى فضاءاته ، أكثر من ارتباطه أو انتسابه إلى المشهدية .
ذلك أنه يعنى بالعمق ،ويحاول اختزال ما هو باطني ،ويُترجم نبضه ، خلافا للأشكال التعبيرية التي قد تحفل بما هو طاف وسطحي ، دون أن تحقق ثقافة الإستكناه أو استنطاق خبايا الذات ،كمركز لسائر ما يحيط بها من عناصر طبيعية وأشياء .
من هنا ، وجب التنبيه إلى ركائز أو دعامات ثلاث ترقى بالممارسة والفعل الابداعي داخل حدود هذه المدرسة الوليدة ، في ترجمتها للضمير الجمعي ،وعنايتها بروح المجموعة ، دون المساس بالهوية الفردية والفردانية التي تطبعها جهود تحقيق الذات وإثبات تفوقها ، وهذه خلفية تعتقد ب ” الأنا ” الجمعي ، أي الخطاب القادر على صهر ما ينتجه الفرد ،في إطار جماعي يراعي المشترك الإنساني ويذود على المنظومة القيمية التي تبّسط أبعاد تفشيه ،وتسهم في تراكماته .
إن المبدع الفشاري ، يؤمن بحريته واستقلاليته ، ويحترم مثل هذه الجغرافيا الثقافية الممتدة في اللانهائي و ،اللامحدود ، وكيف أنها تحظى بميزة تخطي القواعد والقيود الألسنية والإيديولوجية والعقدية والعرقية ، إلى غير ذلك من المثبّطات التي قد تصنعها الأصوليات الفكرية والثقافية ، بما في ذلك تلكم النزعة الحداثية المتقنعة بالخطاب الرجعي ، وقد باتت مكشوفة ،ومجرّدة إلاّ مما تحسب عليه من هرطقات وتهويلات قائلة ، أو بالأحرى ،متشدقة برهانات البعث والنيوكلاسيكيات العقيمة ، والتي تضر من حيث أنها تخال المنفعة ، وتفتك بالعقل العربي ،فتكبله بالتالي ، بشتى أغلال الفكر الريعي وحيل التحفظ ، بدل أن تفسح له مجالات التحرر و الانطلاق .
نعود إلى ركائز المدرسة الفشارية ، والتي نجردها تباعا كالتالي ، وعلى نحو غاية في الدقة والاقتضاب :
ـــ فلسفة البياض
إنه ومهما حاولنا محاصرة هذا العنصر ،فإننا من دون شك سنهتدي إلى قدسية هذا اللون ، وكيف أنه سيكولوجيا يبعث على التوازنات النفسية ، ويمهد للتصالحات الذاتية التي تفرز لنا كائنا سويا معتدلا وإيجابيا يسعى إلى ما فيه خلاص الغيرية والعالم .
ـــ الفتق
ولهذا المعطى ، كذلك إيحاءاته التي تتناغم وهوية الكائن المبدع الهش ، وتشد ،سواء ثقافيا أو عقائديا أو إيديولوجيا أو علميا إلى الأصول والبدايات ، ومراحل الفوضى من أجل الترتيب ،والهدم من أجل البناء ، إلخ…
ـــ الإيجابية
بين الرأسمالية الملطخة بإملاءات الأنانية وتعاليمها المدمرة ، والاشتراكية المتوحشة ، يقع هذا التوجه الحديث إذا شئنا ، مع التأكيد على أنه ليس يلتقي مع الخطاب الفلسفي إلا في نقاط تعرية الحقائق والكشف عن تيماتها ، كما أنه ليس ضربا من سفسطة للمراوغات الكلامية والتعتيمات والجدل العقيم .
بيد أنه أقرب إلى الفكر الصوفي ، ولكن برؤى أكثر موسوعية وإنتاجا لمعاني وجود وهوية وثقافة وحضور الكائن الخاضع لصيرورة وتطور سرمديين.
بذلك ، نعتبر في المدرسة الفشارية ، هذا العنصر بالذات ، أي الايجابية ، لبّ الثقافة الإنسانية ، والخلفية التي يرتكز عليها مثل هذا التمذهب ، في رسم آفاق خطاب مغاير يحترم الفردانية الراعية للغة ” النحن ” ، ضمن الحدود المذكورة سلفا ، ولسوف يكون لنا في المقبل من صفحات ، الاستفاضة أكثر في مدلولات وعمق هذا المفهوم الذي ينبثق من آليات وميكانيزمات أخرى ،يجدر بنا مقاربتها وطرحها في الساحة للتداول والنقاش الجاد والمثمر .