الشيخ امحمد لوطاطي أنموذجا…
من فيض الغنيمة الأدبية المحسوبة لتراث الذاكرة المحلية لمدينة أوطاط الحاج، الضاربة بجذورها في عمق تراب المملكة، ما أصبتُ حظوظه البارحة،ومن مصادر أخالها موثوقة جدّا، ولا يمكن الطعن في مصداقيتها ، بمعية الجميل والطيب الأستاذ قدور لمغاري.
هذا النّزر من درر صوت لم تزل تطرب له الأجيال، على تعاقبها، متناقلة سيرته ،شفهية وبلا تحريف .
هو ذاك ،الزّجال الراحل والذي لم تدون،مع كامل الأسف أقواله الحكيمة، على هيأة الغائبين المسافرة بهم عوالم “جذبة” الحرف ، وإدمان نبتة ” الكيف” أو الحشيشة.
فارس زجل المناسبات بامتياز، وهو ينسج خيوط سردياته الزجلية في تشابكها مع ديدن اللعنة، أو راهن تدخين مثل هذه النبتة ،إذ تجود عليه بمنح الارتقاءات الهذيانة،دون قصّ لأجنحة خيال التحليق أبعد وأقصى ما يكون ،عن مستنقع الوجع، لكن … في انجذاب تام، وحبل سرّي أبدي يصله بالمنبت، ويشي بنضج فلسفة الانتماء إلى المكان الذّبيح بالانتهاكات،والضاج بأحداثه الطريفة والناذرة.
شخصية استثنائية، من غير المنصف ،تجاهل نصوصه التي خانتها الطباعة بما يكفي،لترشق بمفارقة الغائب في حضوره،بتوقيعات ما مكث متشامخا في وعينا من آثار وظلال هذا الصاحب في متاهاته ،تلك والمؤثلة بمجد انغرس في سجلات الخلود ،بما استطاع نقشه،في قلوب،عشاقه ومريديه.
صاحبنا المخمور زجلا،،تاما،كما كانت تحلو له التسمية هو،ومثلما تناقلته ألسنة ساكنة قرى وضواحي هذه المدينة العريقة: الشيخ امحمد حموزي في قبيلة أوطاط الحاج:
[ أَدْجَاجَهْضَرْبِي عْلَى رَاسَكْ
حَتَّى نْتِ دَافْعٍي بالزَّنْقَابْ(1)
إِيلاَ مَفَقْتِشِي بْرَاسَكْ
رَ لَحْدِيَهْ دَّاتْ لَكْ جُوجْ رْقَابْ].
محاولا تصوير موقفه من الخنوع ومثلب الاستسلام، خاصة ونحن نعي تمام الوعي ،ماضي الصراعات القبلية، وما يمكن لذاكرة المبدع الزجال أو الشاعر أن تختزله بهذا الشأن.
كون هذا الجارح الغازي في مشهد انقضاضه على الصيصان،أشبه بالطغاة في اشتعال شهوتهم إلى الفتك، وتعطّشهم للدم، هؤلاء الذين يخترقون سيادة القرى المتاخمة لحدود مضاربهم ،بغية بسط النفوذ والظفر بالغنائم وسبي النساء،وما إلى ذلك نعرات الجاهلية المرفوضة دينيا وأخلاقيا وإنسانيا.
ويقول في مناسبة أخرى تعكس قيمة السفر ،وتترجم مدى تأثيراته بالإيجاب ــــ طبعا ـــ على التجربة الإبداعية والدفع بها نحو آفاق الخصوبة والثراء لغة وصورا وإيقاعا ورؤى.
يقول بعد أن يدخل “السلهام” في حوار مباشر معه، نزوعا نحو أنسنة معتابة ،من هذا العنصر الحميم الأقرب إلى جسم القروي والإنسان المغربي ،في فترة امتدّت إلى ما بعد جلاء المستعمر الفرنسي.
يقول مصوّرا عتاب برنسه له :
[ آشِّيخْ مْحَمَّدْ قُولْ لِي بَاشْ سْهِيتْدَرْتْنِي فَلُّوطُو وَكْذَبْتْ عَلْ دَّنْيا
هَدِيكْ اللِّيلَهْ بَاشْ تْغَطِّيتْ
أَمَضْرَا الجلاّبه كَمَسَقْسَاتْشْ عْلِيَا ](2)
وكأن ” السلهام” يريد تأكيد حقيقة، أن الجلباب، بأخذه ،أو اشتماله على معاني الأنوثة ،في المعجم الدارج المغربي،يضلّ أهلا للإخلاص الوفاء و” الحميمية” لبقية ما يمتدّ عنه، ويكمّله من عناصر، لها منزلتها الممجّدة في المخزون الشعبي وذاكرة الموروث، حسب التاريخانية تبدأ بعهد ما قبل الاستعمار وتمتدّ إلى ثمانينيات الألفية المنصرمة.
خلافا للإنسان المجبول على الخيانة ونكران الجميل ،وقس على ذلك من أضرب المكر ،التي تغذّي حربائية،مع تقلّب أوراق الزمن.
تستمد التجربة الزجلية لدى الشيخ امحمد، بعدها الجمالي من تقنية أنسنة العنصر الطبيعي ،وكذلك حجم التمكن من خيوط اللعبة الحوارية العاكسة لمخزون طاقي هائل متيح لترجمة صريحة ،أو تصريف عار وجدّ مكشوف، لهواجس الارتباط بالمكان، والمكون الطبيعي في شموليته، على نحو تفرضه السليقة والعفوية، بدلا من مزالق المجانية،و الانجذاب إلى دائرة التأثر بآليات الصنعة والتكلّف.
وهنا يحضر وبقوة واد “شق الأرض” الذي يشطر المدينة نصفين، في مروره بقرى معدودة جدا،قبل أن يصبّ في ملوية.
بحيث تبقى لهذا النهر خصوصيته وقيمته لدى الساكنة، كونه المصدر الرئيسي ، لسقي مجال فلاحتهم المعتمدة بشكل كبير على أشجار الزيتون،هذا العنصر المتكيّف مع التقلبات التي يمليها مناخ شبه صحراوي، تعاني معه الساكنة في كامل أشهر فصل الحرّ، الشيء الذي يضع مخيال المبدع ،بدرجة أولى ،تماما كما هو الحاصل مع شيخنا الزّجال، في مواجهة حقيقة الطبيعة الممعنة في تحدياتها للكائن، باعتبار الماء: وفرته أو أزمته ، إحدى تجلياتها.
يرسم لنا الشيخ امحمد،لوحة بديعة ههنا، يحاول أن يتمثل فيها هذا الاستشكال جملة وتفصيلا،فيقول:
[مَهَمّتْنِي غَابْنِي حَيُّونْمَــــ أَوْلاَدْ سْعِيدْ يَعلَمْ اللّه كيف تْكونْ
جَابْها داك المجنونْ
منْ وْلادْ عْلي مرميهْ
بْقا فيا غير احمد النّضيرْ
ردّاتْ ليهْ لبْحيره غْدير
دّاتْ ليه بتّيخْ كبيرْ
أوماطيشه روميهْ
دازتْ على دارْ المداني
أو قلبو ما هوَ هاني
دارتْ رايْ الشيطان
أو بْقاتْ فْلحْيوطْ رِيَّابَه.].
من هنا تلقي بظلالها ،مثل هذا المفارقات ،والتي تبدي في زجليات الشيخ امحمد، صورا لهذا الوادي المذكور ،إبداعيا، بحيث تبرزها ما بين حقيقتين: صفة الرّحيم الذي ليس يحيى الزرع ويترع الضرع ،بعيدا عن معادلاته،وهو المجنون ،مثلما كنّاه شيخنا، نظرا لطبيعته المزاجية ، إذا شئنا، ووسوم المغضوب عليه، أيضا، حسب ما يخلّفه من خسائر مادية في كثير من الأحيان، وبشرية نادرا.
وهي أنسنة وتقاطعات في الوظيفة الطبيعية لهذا النهر المعشوق، تذوب من خلالها نرجسية الزّجال في بوثقة هموم العامة المعدمة التي تجني قوتها من الكدّ والجهود الخاصة التي يسيل لها نبيذ الجلود.
تنتقل الذات المبدعة من محيط هلاميتها ،ومنظومة ما يمنحها الارتفاع فوق المشترك المحلي، إلى مراتب المأساة ،إذ تصبغ بمرارتها خارطة الكائن القصي المهمش المتروك وحيدا وبلا دعم أو مؤازرة داخل حدود مسرح أقداره وشحّ الجغرافية التي أنجبته.
كما يجب أن ننبه إلى كون زجليات شيخنا، تأخذ صبغة أو نبرة كوميدية،تجسّد النواة الأساس في سرد مشاهد الجحيمية وبسط تفاصيل قوة الطبيعة ،داخل نظم علاقة الإنسان ببيئته ،ومسّ شخصيته بتركيبية تخوّل له الانخراط في حياة ناهضة على الفوضى والهدم والعبثية، بحيث تفرض ما يشبه ثقافة هجينة، تملي خطاب السخط واللعنة تارة، والتفهّم والتصالح والتسليم بمعطيات قد تقتضيها كهذه مباغتات يجرها العنصر الطبيعي في أعتى فلتات الغضب والشذوذ.
تعرف هذه الظاهرة ب” الحملة” وتظل مثقلة مفاهيميا بسائر ما يشرع على توقيعات الغيب في رزمة احتمالات ،تجاور أعمق معاني الاضطراب المولّد مع كل غضبة يدشنها هذا الواد المجنون،وهي بالتالي دوال تفيد الضعف البشري إزاء الطبيعة في جدلية الإفساد والجود المتبلورة في ذهنية تراكمية قد لا يعي حقيقتها غير هؤلاء المعنيين بنظير هذا الغضب المشدود إلى مرجعيات أكثر توغلا في ذاكرة الأجيال المتعاقبة ، ما تنفكّ تنزف برؤية لصاح الكائن وأخرى مضادة لمعاني وجوده.
وفي سياق متصل بتدويل خطاب الارتقاء بالزجل إلى المستوى الجمالي الكفيل بانتشال الذات من تقوقعها وتمسّكها بمركزيتها إلى خوصصة تزهر معها الحالة ويورق بها الموقف وينشط نبضه، ضمن تمريرات الأيديولوجي، على نحو مخملي مخاتل، هارب وملهم ومدغدغ بعبوره ، يقول شيخنا:
[بومدين مَبْقاشْ يْبَانلْعُقْبى لمْوشي ديان
بومدين توفّا
لعقبى لخلافا]. إذ لا شكّ أن هذه من تلك، طاعنة بلذاذة التعثر بفخاخ الفني، داخل فسيفساء تتذبذب خطوطها وتسطع تلاوينها ، أفقيا وعموديا، تزايديا وتناقصيا، ما بين مركزية الذات وباقي مفردات معجم الالتحام بإرهاصات فصول الغيرية والعالم.
في جميع الأحوال، لا يمكن تصور تجربة إبداعية ما، في غياب تام ،لما قد تؤثثه الأنثى كمعشوقة أو كمُلهمة، بل إنّ نكهة ما تجود به القرائح، على مرّ التاريخ، التزاما بما هو عادل محتف بهذا الجنس في تعدد وظائفه وحيويتها،تتجسّد بشكل أو بآخر، في حجم أو منسوب الحضور الذي يدشّنه هذا الطرف الآخر أو المقابل ، أو الموازي بالأحرى، كضرورة راجحة بميزان النوعين، من حيث مكوّن الأنثوي، امتدادا وتكاملية، لا تملك الذات المبدعة سوى التعاطي معها، سياقات ومتونا ، في حدود مقبولة وحسب الحاجة ،وتبعا لاعتبارات معينة.
يقرّبنا الشيخ امحمد من هذا المفهوم ، بحيث يسند للمرأة وظيفة جوهرية ، تعكس عمق وعيه بالوجود الأنثوي وحتميته، وهو يحاول أن يسقط عنها،أي عن المرأة ،إجمالا، جملة من الاتهامات ، التي قد تخندقها كينونة وكيانا، في قفص الجسدنة والشهوانية، فنجده يرتقي بها آفاق الرمزية ،ويوغل بها في عالم المثل ،نافيا عنها كلّ هذه الرؤى الضيّقة المدنّسة لهويتها كآخر، يحوز من الطاقات والطباع والمواصفات ،ما لا يتوفّر في غريه، مبدّدا بشكل عرضي، الصوت الذكوري ، في هيمنته وساديته ،وبخاصة في مناخ مجتمعي ،بالكاد راح يسحب قدمه من مستنقعات الصراعات القلبية الهمجية،كي يضعها في حيّز أنتجته العقلية الدخيلة، مثلما وسمته بثقافة أجنبية هجينة و مرفوضة بالكامل،فرضتها بدايات الحملات الاستعمارية.
في هذه الومضة المستقاة من نص زجلي طويل، لهذا الشيخ، نستشفّ فلسفة المناولة المنكفئة على استنطاق الأنثوي،على نحو يخرجه وينتشله من نعوت السلبية التي لصقته أجيالا ،وطالت صفحاته الأكثر إشراقا، وهو بالتالي، مساس في تلكم القدسية التي قد تفتي بها تجليات الأنثوي، ومن هناك كان ميلاد هذا الكم من التمثلات ،المدغدغ بها شعر الشيخ محمد، في نهوضها على ثقافة تمجيد المرأة، والانتصاف لها والنضال من أجلها حياتيا وإبداعيا.
يقول:
[ سَلْهَامِي مَن خْنَاقُو مَعْرُوفْنَجَّاهْ الزّهْرة ومْعاها رقية
دارتْ لُو شلّه صوف
ومنْلَحْريرْ شحالْ منْ أوقية].
وهكذا تبلور هذه الرؤية العميقة جدا والتي تعنى بالأنثى كزوجة في هذه الحالة، وهي تبدع في ما يحتاجه الخلّ،ضمن سياق عام، أثرته ومنحته جمالية مضاعفة ، هذه الصور المغرقة في خطاب التثنية، أو المعية التي تصنعها الزوجة الأولى ” الزهراء” في سلم أبعد ما يكون عن المفاضلات، وإن كان يومئ إلى تراتبية وأولوية ما، وهذا يخص الذات المبدعة، ووروده إنما جاء لحاجة في نفس يعقوب، كما يقال، وكذلك شرف الإضافة الذي حظيت به الحليلة الثانية” رقية” ،كون هذا يصبّ في معنى بقيمة مضاعفة كذلك، لهذا العنصر والذي هو” السلهام” أو البرنس،وقد أكسبته حقبة تاريخية معينة، رمزية خاصة.
ونورد له هذه الشذرة أيضا:
[جِيبْ الصُّوفْ و الحلْفةنَخْدمْهُمْ بالخفّة
صنعه علموها لي والديا
أنتِ كيفك كلخرين
كلكم رهّاطين
يقطعكم فمرّه].
دائما ثمة ما يرتقي بالأنثى، في زجل هذا الشيخ، ويسمو بها إلى مراتب القداسة التي هي لها أهل، ولو أنه ذيل هذه اللوحة، بعد أن اقتضب رسالة تفيد أفضال السلف ،وتستعرض طقوس التصالح مع الموروث ،بوصفه أكثر من مجرد بصمة لهؤلاء، وهم يعلنون عبورهم، وتخطي كل ذلك، إلى ما يمكن أن نشبّهه ببوصلة لا غنى عنها للخلف، في إتمام ما بدأه الأجداد. قلت بأن الشيخ ذيل صورته هذه بتأفف،وأعتبره تأديبيا للمرأة،وعتابا ناعما، تنتعش له روح حواء، وتتفاعل معه على شاكلة ،تجعلها تسلّم بالتوجيهات الذكورية التي هي لصالح هذه التكاملية والامتداد والتوليفة القادر على صياغتها الفهم الحقيقي المتداول ما بين النوعين.
ونحن نستأنف بحثنا حول أحد رواد الزجل المحلي، داخل حدود هذه المنطقة القصية،الموغلة في تراب المملكة،المبدع الشيخ امحمد، المتألق بقصائده المناسباتية، أو ما يمكن أن يطلق عليه شعر الموقف، والذي يتطلب طاقة رهيبة وقدرة نادرة على الارتجال المقبول الرافل في حريرية ومخملية وحدته العضوية المحمولة على إيقاع كلي مسترسل مبرز لتمساك الخيوط الناظمة للنّص الزجلي،نستكشف الكثير ،ونطالع المزيد مما يربك، في شعرية هذا الزجال الرائد،الذي ما ينفك يخلط بين أوراق الأحجية المضمّخة بعذابات البؤساء والمعدمين بني الغبراء،ونضالهم الحياتي المثخن بجراحات تتكالب على روح كائن الهامش والأوساط النائية المنقطعة بالخصوص،نتيجة لما قد يفرضه سياط العيش ،بحيث لا يمكن مجابهته بسوى اختلاق الحيل أو المكر المنجد من نوبات بهذه الحدة والغضاضة والمرارة، مثلما تستقبلها ذات المبدع، في بيئة تهيمن عليها الأمية، وتتقاذفها طلاسم نكران الذات، انتصافا لجزئيات دقيقة وبسيطة للغاية، ربما لا تستحق حتّى، مثل هذه التضحيات الكلامية المعبّرة والنافذة في وعي شمولي يتخطى برؤاه المحلية ، كي يحلّق في أجواء أبعد وأرحب تتسع لبلورة الحس العروبي الثائر، انطلاقا من مصالحات تامة مع تفاصيل ومكونات راهن معيشي والج في سياق تاريخي يتأرجح ما بين رواسب ومخلفات استعمارية و جملة ما تفتي به ذاكرة الصراعات القبلية المريرة والتي أتت على الأخضر واليابس في حقبة قبلية ،يبدو أنها أفرزت من ضمن ما أفرزت، ثقافة هجينة ،أقل ما يقال عن زجل ذلك الزمن ، أنه ينتمي إلى ما يشده على الدوام ، إلى الجذور الأولى لتلكم الفلتة المسماة ” شعر المشيخة” أو ظاهرة ” الشيوخ” ، علما أن الصوت النسوي، “خربوشة” وغيرها، مثّل ويمثل قوة ضاربة يصطبغ بها مثل هذا الخطاب الشعبي، في تشبّعه بتقاطعات مخزون الذاكرة وتأويلات اللحظي العابر.
يقول في قصيدة أنثى صغير الماعز، أو السّخلة بلغة الضاد ،حين ضاعت منه، أضاعها راع مأجور، في ذلك الوقت:
[يا الجَّدْعة لالّة الجّدعاتكيف طرا لك فهاد الآفات
عْنيْقي و خْويتي لمْبات
الدّايم اللّه ياااااا التّومية
لالّـــــــــــــــــــــة لعنيّق الحمرا
ما عرفنا اللي دّاك مْنين
من الجبل ولاّ لعروبية
ما عرفنا راكي فحبل قدّيد
ولاّ راكي فطنجية].
ويحاول الترويح عن ذاته، وقد استسلم كليا لوخز الضمير، رادا أسباب مصابه في سخلته ، لذاتيته غير المدبّرة هو، والعاجزة.
يصوغ هذا البيت في ثلاثيته المقفاة، والذي يفيد توبيخا رمزيا ترشقه به أطياف “السخلة” المفقودة:
[يا الشيخ امحمد نْتا اللي غدّارلو كان لي خلّتني فدّار
معا خويا ناكل لخضار].
وسرعان ما يهتدي إلى كون الراعي هو المسؤول الأول عمّا حصل له بخصوص مسألة هي في حسبان زجّال محكوم بالرّقة الحس المرهف والروح القابلة للانكسار، حتى لأتفه الأسباب، سنوْنوي الطبع والطينة هذا، يعزي مصابه إلى تقاعس وتهاون وتكاسل ولا مبالاة الراعي، فيتوجه إليه بخطاب القدح اللاذع:
[ يا ولد علي الله يهديكقل لي فين كانوا عينيك
مال الذيب ديما محكّر عليك
شوف لودن جيبها ليا].
ثم يضفي على الإشكال طابعا عاما بعد ذلك فيقول مستاء، مرسّخا لحكمة بليغة، تماما، مثلما هو معهود عليه في مجمل أشعاره المؤنسنة للعنصر الطبيعي والكائن غير العاقل على حدّ سواء،ضمن سياقات عمق وصدق الصلة بهما والتواصل معهما :
[ لو كان رقبتوا علّولادأمهم عمات بالتغراد
كيندير يا لخّوت نصبر عاد
عنيْقي كردة من لكباد
خلات عليّ رُحْت بيديا].
*قصيدة “لَعْناقْ” أو السّخلة، أنثى صغير الماعز، للزجال الشيخ امحمد، عن الأستاذ لحسيني محمد بن موحى بن قدور بن علال بن قدور بن حمو بن محمد بن عبد القادر(الولي الصالح الذي يرقد بقرية تاسوانت السفلى الضاحية الغربية لمدينة أوطاط الحاج).
إحالة:
(1) لفظة ” الزنقاب ” مشتقّة من النقب ويعدلها في الفصحى مفرد المنقار.
(2)السلهام هو البرنس،وهو لباس معروف في شمال إفريقيا في عموم ما ينبني على المزج بين ثقافتين :العربية و الأمازيغية.