“شعرية الأمل في مجموعة { سْفينة لشْواق}” أحمد الشيخاوي/المغرب

تعودّنا أن نعيش بمعية  الشاعر المغربي اصغيري مصطفى ، الطقس الإبداعي بروية وعلى مهل ، من خلال لغة صافية هادئة ، تغذي الأذهان بمعانيها ، وتشبع الذائقة بألوانها الباردة.

بعد مجموعته الباكورة ، أصداء مجاورة الموتى ، المنذورة عوالمها لاستنطاقات غيبية ، تترع كؤوس المغيّب في روح الكائن المضطهد والمستلب ، المطعون في هويته ،وسائر معطيات وجوده ، ها نحن نستقبل للمرة الثانية ، جودا مُرسلا من نبع خطابات الحكمة ، تسري مع فلك نابض بإشراقات التصوف ، والانتصار للعميق والروحي فينا.

بعد مطالعة هذه المجموعة الثانية والتي انتقى لها صاحبها وسوم ” سْفينة لشواق” ، خلصت إلى العديد من التأويلات ، وكيف أن شاعرنا طوّر تجربته على نحو مُبهر ، واستطاع أن يضيف إلى منجزه الباكورة ، ما ظل مفقودا ، ضمن حدود تمرد إبداعي مسترسل يصبو إلى الكمال ، مثلما يرنو إلى معانقة آفاق بعث نثار الذاكرة ، والمباهاة بأمجاد الجذر.

“سفينة لشواق ” عمل جدير بالمتابعة ، يعكس روح الإصرار ونضج الحسّ الإبداعي والمراهنة على منطق الإيجابية ، بغية تحقيق الأفضل.

يقول شاعرنا في إحدى شذراته:

[لبحر لي كان هايج

ولويدان والشعاب لي حملات

منّ الله بلفرج

سماه تفاجات

طلعت الشمس وشرقات

لطف الله بخلقو

هذي وحدة من الكرامات

نسينا الماضي وفتحنا الصفحات

حليب عسل شهدات

الدنيا حلات

أيام الخير بدات}[1].

بمثل هذه الاستعارات ، المتمحورة على نبرة ذكية ، نجزم أن اصغيري استطاع أن ينتشل العالم من عنق الزجاجة ، كونه أبدع ضد تيارات الترويجات الانهزامية ،وناهض لغة الإحباط والقنوط واليأس ، برغم راهن الأوبئة والاكراهات والاضطهاد والأنانيات الإيديولوجية الخ… كي يجعل من شعره فراديس ، تزرع في الشفاه البسمة ،وفي القلوب البهجة ، وتقود إلى ما ينبغي أن تقود إليه ، الحقيقة التاريخية والإنسانية الثابتة والمتجذرة، المفتية بأنما خلاصنا في سفينة الأشواق .

عتبة المجموعة تنبّهنا إلى مكمن نجاتنا ، في غمرة هذه التطاحنات والفوضوية والجنائزية والدمار.

يقول كذلك :

{ لبحر يشكي بسرارو لمواج زمان

تاه فــ الظلام

القلب اتحرق

فعماقو نسج لحلام

كثرة لشواق

تحلّف فسما

لزهار رجعت ما

تونّس ليام

تغرس الصبر فالنهر

بالإيمان والشك

زرع غصن حزين

الدنيا بلسم

الشمس تشرق

لا تبقى فلحزان غارق

يجي يوم يتشافى جرح القلب لمّزق}[2].

من هنا ، نلفي السياقات الخطابية للشاعر المغربي المبدع اصغيري مصطفى ، مدعاة إلى الإغراق في الحياتية على تعدد صنوفها ، مهما يك حجم تكبدنا للهزائم والانكسارات والعذابات.

نجدها هتافا يحتفي بالبياض في أقصى دوال طفولته وبراءته ، والتي هي جزء من طفولة وبراءة الكائن ، وأن تنويمها وتعطيلها هو سبب ما أل إليه العالم وجناه فيه الإنسان على نفسه من انتكاسات واغتراب وتمزق وجلد عاطفي رهيب.

في كتابات أخرى وربما تكون معدودة ، قد نجد كهذا خطابا نفتقده في العديد من الإبداعات ، يتبنّى أو يذود عن قيمة إنسانية ، أو بلسما بمعنى أدق ، نحن دائما في أمس الحاجة إليه ، لاستئناف حروبنا الحياتية ومقامراتنا المجتمعية وصيرورتنا الإنسانية حتى النهاية . الأمل ، والذي نجده ،مع شاعرنا بجرعات زائدة ، وفي محطات مختلفة.

نطالع له أيضا ، القول التالي:

{ لاتصحب حتى تجرب

كون حيط مزرب

خاف من سم العقرب

لكلام الساقط حرب

جمع العدة ودّرب

تلقى الناس بالضحكة

قلبك نفاق وحسد

جنيتي اليأس الاكتئاب

يا فرخ الذياب

مطولك بلسان }[3].

بذلك ، يركز اصغيري في منجزه على التجربة ، يطعّم أسلوبيته بخلفية الصحبة الصحية والسليمة ، وكيف أن من يحسنها يستطيع أن يتنفس الأمل حتّى في أحطّ وأقبح وأدمى محطات حياته ، بل ويعيش قرينا لهذا الأمل ، تقترحه سطوره وينثره حرفه شهدا ينفّس ويفرّج على المغمومين والمكلومين والبؤساء والانتحاريين.

ختاما ، أيمكننا القول أننا إزاء شاعر الأمل ،وهو يحاول أن يحاصر برؤاه التنويرية ،المحلقة في سماوات إحياء ذاكرة الحكم ، وتغذية هذا الأمل الذي فيه خلاص الكائن والعالم ، على حدّ سواء ، من ركام الموروث المُترب والمتوقف على مقاربات جديدة..؟

بلا شك، هي شعرية الأمل ،تلوّن صفحات عالم يتجاوزنا بشتى عناوين الانتحار الوجداني، تعكس كيف أن شاعرا من طراز اصغيري مصطفى ، يُسقط من عوالم هذه التيمة المفقودة والنافرة والزئبقية ، على راهن اغتيالات الإنساني فينا ،جاذبا بسحر التفاصيل تبعا لفصول التوازي والمحاكاة.

هامش:

[1] مقتطف من نص” قداح لفرحة “.

[2] مقتطف من نص ” دموع القنديل”.

[3] مقتطف من نص ” الغصن الحزين “.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات