لوحة على الحائط

ما هذه اللوحة الغريبة المعلقة فى وسط الحائط؟ عندما قمت بشراء هذا البيت الجديد، لم أر هذه اللوحة من قبل، لم وضعت هنا؟ ، وما المقصود منها؟ إنها لوحة لطفلين في سن العاشرة تقريباً، أحدهما يقف بظهره، ويرتدي قميصا وبنطالا قصيرا كشف عن ساقيه، إحداهما سليمة والأخرى مبتورة، ويستند بكلتا يديه على عكازين حديدين، والطفل الآخر يرتدي جلبابا أبيض و يجلس القرفصاء، فكشفا عن مسمارين قد دقا بعناية في لوح خشبي قديم، الاثنان يقفان على رصيف إحدى محطات القطارات، إن منظر القطار يذكرني بما حدث منذ زمن بعيد، ترى صاحب البيت يعلم أنني أخبئ داخل البنطال ساقا صناعية؟!

أيسخر مني هذا الكائن؟ إني أرى ضحكته الساخرة مني في هذا الطفل الجالس القرفصاء، ولم أيضاً يضع يديه على الساق الباقية لدى الطفل الآخر؟ أتراه يود أن يودي بها هى الأخرى بفعل صبياني؟!، أتكون زوجتي؟، أقصد من كانت زوجتي، هى من وضعتها لتعيرني بها، الكل يهزأ بي ويسخر مني، أنا أفضل منهم جميعاً، حققت ما لم يستطع أحدًُ أن يحققه، عندي أرصدة في البنوك بمختلف أنواع العملات،سيارة فارهة، منزل صيفي وآخر شتوي، وهذا البيت كذلك، ولكن لا.. لن أسكن فيه، سأرده على صاحبه وأسترد مالي، ربما وضعت بطريق الصدفة، ربما نظرة هذا الطفل وبسمته حانية، ربما نظرته كنظرة زوجتي لي وأنا أسأت فهمها، دائماً ما كانت تنظر لي بعين لا أعلم معناها،هل هى شفقة؟ حب؟ أم حزن علي؟، كنت دوماً ما أنهرها وأقول لها :

_ لا تنظر لي هكذا، لا تساعديني ؛ لا أحتاجك بل أنت من يحتاج لي ولأموالي تتركني وتدخل غرفتها وتغلق الباب عليها، وأسمع نحيبها وهى تبكي حظها العثر، إلا أنها كانت دائماً ما تثير حنقي عليها بكثرة حديثها عن مشاكلها اليومية التافهة؛ إنها مملة بينما أنا شخص مثير وجذاب وأستحق من هى أفضل منها بكثير، ولكني الآن أشعر بالوحدة، يجثم على صدري ما لا أتحمله من هموم.

أتراها سعيدة الآن بفراقي لها؟ سمعت أن خاطب ود جاءها هل ستقبله؟ ، لم أنا مشغول بها؟ هل ما زلت أحبها؟ أرغبها وأشتاق إليها؟

إنها السبب فيما وصلت إليه من عجز، كان لابد أن أعاقبها وتدفع الثمن، كان لابد أن أجلدها بسياط الندم على ما فعلت بي، ولكن بكاءها كان يهز كياني. كانت عادة ما تقول أنها تحبني، هل كانت صادقة؟ ربما، هل أذهب إليها وأعتذر منها؟ لا. . لن أفعل، لقد مر أكثر من أربعة أشهر على فراقنا، وكل يوم أتطلع إلى هاتفي، أنتظر مكالمة أو رسالة ولا تفعل، ولكن كيف وأنا من أهنتها؟! وأعتديت عليها، ولم أترك سبيل للإيذاء إلا وفعلته بها، كان صراخها يشعرني بالنصر والزهو، وكلما زاد صبرها زاد معه إصراري وعنادي، على أن دموعها كانت ما تمحو هذا النصر بلحظة واحدة، علي أن أتحمل نتيجة أفعالي، أن أنظر إلى هذه اللوحة كل يوم، وأجتر أحزاني ووحشة لا منتهى لها.

الآن علي أن أتجرع نفس الكأس بإرادتي؛ لعل ذلك يشفي بعض جراحها. وبينما أنا مستغرق في التفكير، إذ بطرقات غاشمة متلاحقة على الباب، فتوجهت لأفتحه، ومن شدة ارتباكي تعرقلت إحدى قدماي في منضدة قد وضعت في منتصف بهو هذا لمكان اللعين، حتى أني كدت أن أسقط على رضية المكان، لولا أن تمالكت نفسي واستندت إحدى يداي على الحائط، وبمنتهى الغضب قمت بفتح الباب مع سيل من السباب، فإذا بشخص ذي ملامح خشنة، كأنه أتى من ليل حالك السواد، يرتجف أمامي لوقع سبابي عليه، ا أعلم من فينا الخائف من الآخر ، أمعنت النظر به لعلي أتذكر هل رأيت هذه الملامح من قبل؟

وبصوت أجش قال لي :

_ أي خدمات أخرى يا باشا

_ من أنت؟

_ أنا حارس العقار يا باشا، وقد وضعت لك حقائبك، وقد قامت زوجتي بترتيب المكان، وتزيينه بما أحضرت سعادتك من تحف وأنتيكات، هل أعجبك ما قامت به زوجتي يا باشا.

وظل واقفا أمامي، وأنا شارد الذهن كمن غاب ن وعيه للحظات معدودة، وهو يردد نفس كلماته الخرقاء، التي جعلتني أفق على ما لم أكن أتوقع حدوثه، وأعطيت له ثمن انتظاره وأكثر، مع ما تفضل لساني به من لعنات تصحبه هو وزوجه، وأغلقت الباب وعاودت النظر لى اللوحة من جديد، يبدو أنني سأقف أمامها طويلاً.

لكن ما لفت انتباهي أكثر مكالمة جاءتني من صديق قديم قال لي :

_ عندي لك خبر سار، قد فازت لوحة طفولتنا القديمة بالجائزة الأولى، رغم أنك كنت وقتها لم تركب الساق ال .. آسف.

بقلم صفاء كروش| مصر

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

الهوية والتحول في رواية “قناع بلون السماء”

حسن لمين| المغرب     ولد باسم محمد صالح أديب خندقجي، في الثاني والعشرين من كانون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات