عَمَّان-
تتلمس الشاعرة العمانية رُقيَّة بنت عليّ الحارثيّة، في ديوانها “آنستُ ظـلًّا” الصادر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن، خُطى روحها، فتمزج بين روح الحب والصوفية في محيط علاقاتها مع الذات ومع العالم الخارجي، سواء الأهل أو الحبيب الذي لا يخلو من الرمز.
وتبدأ الحارثيّة ديوانها الواقع في 142 صفحة، بخطاب إلى ذاتها في تصالح مع الذات وحميمية شديدة، مع الاعتراف بالطفلة التي تسكنها ما زالت:
“إلى رُقيَّة
الذاكِرة المُصابَة بالحَنينْ
روزنة الأحلام
الطِّفلة التي ملأتْ قَفيرَ فَرْحتها منْ حاراتِ القابلِ ذاتَ قَيْظ”.
وتأتي مفردة الحب في الديوان ذات دلالات متعددة، ففي نص بعنوان “تقلُّص” تقول:
“وكُنَّا نرى في الحُبِّ خُوذَةَ فارِسٍ
بِهِ نتَّقي الخِذْلانَ
جُرْحًا مُنقَّبا!”.
وفي نص “صلاة” تقول:
“وهذا الحُبُّ
مَسْجِدُنا جَميعًا
بهِ ذُقْنا إلى اللهِ الوصولا!”.
وفي نص آخر بعنوان “سحَّارة” تقول:
“محشوَّةٌ بالحُبِّ
لمْ يُغْرزْ بِها
رغمَ الشظايا رعْشَةُ الخَيباتِ
لا شيءَ يحتَطِبُ الشُّعورَ
تواتَرَتْ لُغةُ الصَّفاءِ العذبِ كالآياتِ
سَحَّارةُ الحُبِّ المُزيَّنِ بالعَطا
قلبٌ يمدُّ الحَقْلَ في الحُجُراتِ”.
وتتنوَّع أشكال الرمز في الديوان بين دلالات المفردات كالوطن والعراء والموت، ففي قصيدة “البكاء الأخير” تقول الحارثية:
“يقولُ: سَيَمْضي
هذا العَراءُ الكثيفُ سيْمضي
هذا العَناءُ العنيدُ سيَمْضي
سألبَسُ أنْبوبةَ الغازِ وحْدي
وأبْتَكِرُ الأغنياتِ الجميلةَ
تسْقُطُ في أضْلعي واحدةً واحِدةْ
سأخْبِرُ كلَّ الرِّفاقِ عنِ الوَطَنِ الحُرِّ فوقَ السَّماءِ
وعنْ نوْرَسٍ قد غَفا مُطمئِنًا على كَتفيّ
صَحا فجأةً
لكي يَنْقُرَ الأمنياتِ الكثيرة
ويَصْنَعَ مِنْ ضِحْكَتي مائِدةْ!”.
وحول المذابح الوحشية يأتي الوصف الناعم لأحد المشاهد في قصيدة “انتظار دائري”، إذ تقول الحارثية:
“ودونَ اكْتِراثٍ
مرَّ بالقُدْسِ غادِرٌ
تعرَّى من المْعنى
وأزْهَقَ ملْمَحَهْ!
يُلوِّثُها بالليْلِ
يحرثُ حقْلها رصَاصًا
فيأتيهِ الشَّهيدُ ليفْضَحهْ!”.
ولا تنسى الشاعرة الاهتمام بالبعد الإنساني كما في قصيدة “طفولة مرمية في المخيم” وقصيدة “على وشك العطب” التي تقول فيها:
“بأي اتِّجاهٍ سوْفَ يُرْمى مُجَدَّدًا
وقِرْبَتُهُ
بالمُسْتَحيلِ تُحَدِّثُ؟!
يفرُّ إلى سَقْفِ الخَيالِ
لعلّهُ مِنَ الجُوعِ يَنْجو
في عُرى النُّورِ يَلْبَثُ
ويَرْجُفُ مِنْ فرْطِ الشَّتاتِ
وليسَ في جوانِبِهِ ماءٌ
بِهِ يَتَشَبَّثُ!”.
كما تحضر في الديوان موضوعات على غرار الأمومة والرثاء، وتوظف الحارثية في قصائدها قصص القرآن وتلجأ للاقتباس من مفرداته وإسقاط ذلك على الواقع.
يُذكر أن رقية الحارثية صدر لها عن “الآن ناشرون وموزعون” ديوانان هما: “قلب آيل للخضرة” (2020) الذي نال جائزة إبداعات المرأة الخليجية، و”متكأ” (2022).