أحمد مصطفى سعيد:جلل الموت وقداسة العشق في رواية( أرمان)

جلل الموت وقداسة العشق

فى رواية أرمنيا وعودة الفينق والشهيد الحى للروائية السورية ريتا بربارة

القصة بوصفها فنا لاتزيد على جمع هذه الأخبار التى يتحدث عنها الناس بعضهم إلى بعض بها، واختيار طائفة من بينها،وخلق صورة حية منها تمثل عالما خاصا له مميزاتة وأشخاصه وما وقع لهؤلاء الأشخاص من خير وشر،وما أثروا فى البيئة المحيطة بهم وما تأثروا بهذه البيئة.
إن كنت من تذرف دموعهم على من شاهدة الموت والخراب والقصف وما نتج عنه من شهادة أبطال الرواية وقسوة الحياة وحقدها في البطلات والصغيران فلا تقرأها في غوص لكلّ الأحداث والمشاهد والفواجع. احذر من قراءة أرمان ستجد الفجيعة فب الشهيد أحمد وكريور وحالة أمه والنعش يمرّ وساعة انسداد التراب بسرعة مخافة القصف وعشق هناء وقلبها الطهور العامر بالإيمان والسلام.
ضعف نوار وليلى والعوز حتى تعاطف السيدة الأولى ومشهد الختام لخالظ وهو يرمي جسد القطة والرأس في يده دلالة الأثر الذي تركه فيه الفترة التي قضاها مع الجماعات الإرهابية.
تمتلك ريتا بربارة القدرة على تحويل الرواية للقارئ المتخصص المبتدئ لمشهد سينيمائي حي نابض بكلّ المشاعر التي سكنت كلّ الشخوص فتجد روحك تشاركهم حزنهم وفرحهم وتلهث وراء الأحداث. ملكة لا تتوفر لكل مبدع ،هي خاصة لمن صدق مع روحه فصدقه البوح فأطاعه الحرف ولان له ومنحه سحر الدهشة والجذب والتوحد ريتا بربارة تكتب نفسها وتسقط كل ما يسكن روحها من طهر وسمو ورقي فهي حفيدة الأفلاطونين الحالمين باليوتوبيا همها الإنسان والإنسان الصادق مع نفسه وراحة وقلبه والمكان والزمان أيضا وتتضامن حتى مع ضعفه الإنسانيّ وهذا ما تجده في عودة الفينيق فمن أول قصة تعرف إلى أين ستأخذك ريتا وما الذي تودّ أن تتركه في روحك من أول حوار في قصة الحقّ الوحيد حين طلب المعلم أن يكتب تلاميذه عن مبادئ حقوق الإنسان ورد سمير في ختام القصة المفجع لا حقّ للطفل في وطني سوى الموت بقذيفة في شخصية أحمد عبدالقادر في قصة خدعة الفرد الذى يحمل القيم والمبادئ المحافظ على إنسانيته اختار أن يسافر بحثا عن الإنسانية التي ضاعت فى بلده بين الجثث المتكدّسة المتعفّنة وبين موت الضمير والرياء، اختار أن يحيل إنسانيتة طالبا من السموات العتيدة أن يعود الأمن لبلده في قصة البهلوان وهو المحبّ في صورة طائر بريش يكسو أكتافه وأطرافه صورة المحبّ الذى غاب وعاد بلا موعد في صور الطائر الذي تنتظره أن يطل من نافذتها.
قصة هجرة وغيمة حلم والصمت ،فستان سهرة والقصيدة وسكر ولقاء والعجوز التي هان عليها حلمها في الكتاب لتفادي الموت، بردا قدمت روايتها قرابين تلتقمها النار والحسرة تأكلها ورغم ذلك جاءها الموت ابتسمت وهي تسحب غلاف آخر لرواية أخرى تطعمه للنار كي تشعر بالدفء تذكرت سنين عمرها وهي تكتب وقداسة العشق وجلّ وجع الفراق فى قصة القصيدة بين عاشقين لم يلتقيا عشرين عاما (أرجو أن تكون بخير ) كلّ ما في هذه الجملة ينطوي على آلاف الصفحات وهي بكامل بهائها لتجتاحه كعاصفة عاطفية يمرّ فيها الشباب بسيول أنوثة لم يشهد التاريخ أرق وأعذب من رحيقها، وبسبب السحر المنبثق من خلال رموشها أن يتأمّل الفتنة المقدسة والمكللة والمسيجة بأغمار قمح آرامية الهوى الشهيد الحيّ مجموعة قصصية ممزوجة بكلّ المشاعر ولكن مشاعر تفوح الحروف صدق لتقشعرّ روحك دمعا وفرحا ونشوة الشال البنفسحيّ بين ريتا وعيني القاصة الشاعر العاشق الشاعر كان صوته يبهر الجمهور وحضور كالضوء المشع يشق طريقه للمستمعين.
وفي مقطع آخر سألته عن رأيه في قراءتي فأجابني عندما كنت تقرأين شعرت أنني أستمع لحديث الزهور أجبته بحياء: هذا خيال الشعراء قلت ذلك وأنا أرتعش كفراشة أمام نار متوهجة أنوثتي بكلّ هذا الصهيل وذلك البهاء الذى ينزل بابل من عرشه ليقبّل يد عشتار أكبر من أن يستوعبها وختام القصة الموجع أخذت القصيدة التي كتبها ولكنّي لم أقرا سوى لي ولأولادي وزوجتي هو العشق الذى يختارنا ولا نختاره العشق الذى يحدد المكان والزمان ولا نعرف أسبابه ومبرراته هو من يختارنا ويحركنا ولكن حين نستيقظ من نشوته وغيابه وخدره نلمس واقعا يجبرنا أن ندفنه ونترك الذي أحياه في روحنا التي تتحسّس درب الحرف والأسطورة في قصة سايكي درة الشهيد الحيّ البطلة سالي الطاغية الجمال الأنثويّ فاحتار في اختيار اسم لها يشبة فتنتها فاختار *أورورا إنّها ربة الفجر وقد أحبت تبتون ابن ملك طروادة ، ترتدي فستانا بنفسجيا طويلا وحزاما ذهبيّ اللون يبرز جمال خصرها ونهدها كتفاحتين ناضجتين وخصلات شعر مجنونة تناثرت فيما بينهما زهور بنفسجية صغيرة شعر أنه يضمّ حديقة من البنفسج الغواية بكلّ ما فيها من مجون وجنون ونزق والوجع المقدس سالي، نعم أنا سايكي لقد عشقتك ولك وحدك الخيار خلاصة القول ريتا بربارة لا تنتظر من الحرف شيئا غير بهجة الروح ساعة البوح أو نزف الروح والنوح ريتا الحرف لها مخلص من عذابات هذا العبث الذي يحيطها ويحيطنا من تناقضات وتشويه للجمال والفطرة الإنسانية ريتا بربارة تكتب بقح الصدق، فامتلكت ذائقة خاصة محال تفارق روح من تنسم حروفها ولن تغادره شخوصها فقد حركوا راكد مشاعر القارئ وتركت خلجاتها في روحه ريتا بربارة مدينون لك طبت للحرف ولعشاقه ننتظر ما تضنين به من بهجة وشجن وفرح ودمع للمخلصين ماء وضوء يطهر الروح طاب حرفك ولروحك البراح فهو مكانها الحقيقيّ.
ولفن القصصى إلى جانب ذلك فضل إلهام غيرة من الفنون الجميلة فهو أسبق من الشعر ومن التصورير ومن الحفر ، بل من الموسيقى نفسها،وإلى التقاط صور حياة الجماعة التى يعيش فيها، إثباتها على الورق .



*٢و١ و٢ثورة الأدب لمحمد حسن هيكل.


*كاتب من مصر

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

“أطفال آليون” فانتازيا قصصية من واقع التطورات التقنية المعاصرة

يقدم القاص السوري محمد إبراهيم نوايا في مجموعته القصصية "أطفال آليون" تجربة سردية تخرج في موضوعاتها المطروقة عن السائد، وتحاول أن تدشّن رؤيا جديدة تقوم على عنصري الفانتازيا والخيال العلمي..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات