هذا الحدث العظيم قصم ظهورنا وغير حياتنا، أصبحت أغيب عن البيت كثيرا وأقضي معظم الوقت بالمستشفى بين فحوصات وتحاليل وعلاجات… أهملت كل شيء وأصبحت حياتي عبارة عن كتاب عنوانه ابني.
وسط هذه الأمواج العاتية المتلاطمة كان لا بد من سلام واستسلام لأمر الله، وسعي يملؤه الرجاء والأمل، طرقت كل الأبواب من رقية شرعية وطب بديل وطب الأعشاب والعلاج الكيميائي ونصائح العجائز … تقربت من الله أكثر ودعوته كثيييرا، كان عندي يقين لا يراوده شك أنه سيشفى وتزول هذه الغمة وتعود الحياة التي كنت أراها مملة روتينية تجري كما كانت.
مرت الأيام والشهور وأقبلت علي الدنيا مبهجة مبتسمة، استجاب المرض اللعين للعلاج وكانت النتائج مبهرة وإيجابية، سعدت سعادة لو وزعت على أهل الأرض لكفتهم، أصبحت لا أرجو من الله شيئا إلا أن يديم نعمة الصحة على ابني الذي كان يحيا حياته هادئا مطمئنا، أخذ دبلومه وفتح صالونا للحلاقة، حصل على رخصة السياقة غير متأثر بما حلّ به…
في ثنايا هذه المحنة كانت المنح تأتي تثرا، تقربت من الله كما لم أفعل من قبل وتقربت مني عائلتي الصغيرة والكبيرة كما لم يحدث، شعرت بمساندة معنوية ومادية وبأيادي خفية تربت علي وتمنحني القوة لأتحمل أكثر وأمضي بهذا القدر..
ولكن الحياة لا تبقى على حال تضحك لك مرة وتعبس في وجهك مراات، جاء وقت الفحوصات مرة أخرى فعاد المرض وعادت معه الألام والشجون، عاد المرض وانتعش وأصبحت صحة حبيبي تتدهور يوما عن يوم، وأصبح متمردا ما عاد يلتزم بنظام غذائي ولا يهتم بمواعيد الطبيب، أصارع لوحدي بعد ان انحاز ابني إلى المرض فظل يغذيه ويقويه.. خارت قواي شعرت بضعف شديد وان هذه الدنيا غير عادلة معي..
أتلف المرض كليتيه ومعدته وأمعائه ثم قلبه الكبير ماعاد يسعفه ليتنفس الحياة وينبض بالأمل…
ومع كل هذا الدمار الذي لحق بابني إلا أني كنت استبعد فكرة الموت عنه وأثق بالله وقدرته بأنه سيستجيب دعواتي وينجي ابني كما أنجى إبراهيم من النار ويونس ببطن الحوت موسى من فرعون…
كل هذه الأحداث لم تغير مزاجه وقناعاته فقد ظل راضيا مستقرا موقنا أن لكل إنسان أجل لا مرض يدنيه ولا صحة تبعده، كان يعيش حياته بشكل يثير استغرابي ودهشتي أي قوة يكتنزها داخله وبأي إحساس يقبل على حياة أدارت له ظهرها…
هذا الصبر والجلد الذي كنت أراه منه يزيدني حبا له وشفقة عليه وافتخارا به يتسع وجوده داخلي اكثر يحيني ويميتني يسعدني ويحزنني وتجتاحني أحاسبس مضطربة فتغدو كنقبلة موقوتة كلما حاولت كبحها ازداد ضغطها، كيف لحلمك وصبرك ورضاك أن تستوعبه لغة وتصفه أحرفا ويحشر في أسطر…
لا أملك إلا آهات وأنين، وأمل يعيش على ألم، ودعوات صادقة ودموعا حارقة وربا كريما يعلم ولا نعلم..
بقلم شقرون خديجة