لماذا لا ندرك قيمة الأشياء إلا بعد رحيلها عنّا ؟ يحتوينا ظلام الليل ، نقول لأنفسنا ، كم كان النهار جميلا ، وعندما تحملنا رياح الخوف ، نقول كم كان الأمان جميلا ، وعندما تعصف بنا ليالي البعد ، نقول كم كان اللقاء جميلا .
إننا عادة لا نكتشف قيمة الأشياء ، في أعماقنا ، إلاّ بعد أن تنسل من بين أيدينا ، وتمضي ، نعرف كم كانت أهميتها في حياتنا . الفرق بين إنسان وآخر ، شيء اسمه الإحساس ، ولا يمكن أن تتساوى قطعة من جمر مع قطعة من جليد ، ولا يمكن أن تتساوى امرأة من شمع مع امرأة من نار ، والجليد من أكثر الأشياء التي تشعرنا بالموت ، إنه شيء جميل ورائع حينما يتناثر كالرذاذ بين أيدينا ، ولاكن إذا استمر تساقط الجليد فوق رؤوسنا سرعان ما نتحول إلى شيء آخر ، والغريب أن الجليد كان في الأصل ماء وتجمد ، والماء من أصل الحياة ، ولكن الجليد وجه من أوجه الموت ، ولهذا فإن الفرق شاسع جدا ، بين امرأة تمنحك الدفء وأخرى تشعر معها بالبرودة في كل شيء ، العيون باردة مثل عيون الأسماك ، والأنفاس شاحبة ، والكلمات تلال جليدية ، وهنا لا تجد معنى لأي شيء ، فالمشاعر تموت ، قبل أن تصل ، لأن الخيوط تقطّعت ، وكل ألوان التواصل لم يعد لها مكان ، وهناك امرأة أخرى تشعر بدفء في عينها وحديثها ، والفرق بين الاثنتين أن الأولى شجرة مثمرة ، وأن الثانية شجرة ثلجية لم تعرف دفء الشمس وحرارة الحياة ، وعندما تزداد كتل الجليد على وجه امرأة فإنها تتحول إلى تمثال من شمع جميل .
إن الملامح هادئة والوجه رائع وجميل ، ولاكن الإحساس شاحب وهزيل ، وفي متاحف الشمع ، تجد حولك عشرات الوجوه ، ولكنك تشعر أنك في موكب جنائزي طويل ، إن العيون تنظر ولكنها لا ترى ، والأيدي تمتد ولكنها لا تتصافح ، والملامح واضحة ،ولكن لا حديث ولا كلام ، وهذا يحدث أحيانا ، بين البشر ، أن تجد من حولك عشرات الوجوه ، وتشعر أنك في متحف شمعي ، رغم أنهم جميعا يتكلمون ويضحكون وينظرون ويأكلون ، ولكن الحياة غائبة ، وقد يعيش الرجل عشرات السنين مع امرأة ، ولا يفك طلاسمها ، إنها شيء غامض ، مثل التماثيل الشمعية ، إنها تتكلم كثيرا ، ولكنها لا تذكر الحقيقة، أبدا .
إنها تنظر في كل شيء ولكنها لا ترى ، إنها أيضا تحب ولكنها لا تتجاوز في مشاعرها حدود الجلد ، وللأسف الشديد أن هذا الجلد يتحول مع الزمن ، إلى نسيج من شمع وجليد ، يجتمعان في لوحة بشرية جميلة ولكنها باردة .