يَا مطرْ
يا لَوْنَ الحُزْنِ
ورَعْشَةَ الأملْ
يا انْبِعاثَ الأَشجارِ
مِنْ وَطَنِ الطُّفولَةِ
يا أُنشودةً سَكْرَى
بشَوْقِ أحلامٍ تُغازِلُ القمرْ
أنا اليومَ حزينْ
نَشْوانٌ و حزينْ
أنا البارحةَ حزينْ
نَشْوانٌ و حزينْ
أنا مُذْ عَرَفْتُ
وجْهَكَ الصَّقيلَ سيِّدِي
أُرَاوِحُ هَائِماً
بَيْنَ ضِفَّتَيْنْ!
•••
هَا هِيَ دُموعُ الصِّبَا
أَذْرِفُهَا سيِّدِي
وأَنْسَى أَنِّي فيكَ كَهْلٌ
لا يُسْعِفُهُ حَرُّ الوَقْتِ
بالْحَنِينْ
النّاسُ مِنكَ يَفِرُّونْ
وأنا أَغْمِسُ جَسدِي
في لُجَّةِ عُنْفِكَ
في صَبِّك الْحَانِي
عَلَى حَدَائِقِ عَطَشِي
فأَرْجِعُ طِفْلاً كَمَا كُنْتُ
وأَرْقُصُ كَهْلاً كما شِئْتُ
وأَسْرِقُ خَيْطَ مَاءٍ
لِأَغْزِلَ ثَوْبَ نَايٍ
وأَرْثِي زَمَنِي الضَّنِينْ
•••
يا مطرْ
تعبتُ من فرحٍ زائفٍ
يطبعُ الوجوهَ
تعبتُ من الإِيتيكيتِ
و من مدنٍ
تَغْزِلُ الأناقةَ جُبَّةً
يرتديها الممثلونَ
في مسرحِ الحياهْ
تعبتُ من كسادِ المشهدِ
ومن طقْسٍ مُشْمِشٍ
يغريهٍ بالمدحِ
عُمَّالُ الإذاعةِ
الخائرونَ من رعدٍ
الراكعونَ من برقٍ
الواجفونَ من صَوْتِ الماهْ
لِمَ سيدي تُرفعُ الأناقةُ
هكذا تمثالاً يُشتَهَى
حَجَراً يُعبدُ منْ دونِ اللهْ
لَكِنّي أنا يا مطرْ
يا تَرْنيمَةَ الشُّكْرِ للخالقِ
يا جَنينَ الخِصْبِ
ياضوْءَ عيونِ الفَلّاحينْ
أحبكَ رعداً يزمجرُ
أحبكَ برقاً يلتهبُ
نشيجاً
يغسل قلبيَ المَكْلومِ
فصُبَّ إذنْ يامطرْ
صُبَّ حتى تغسلني
وتستحيلَ دماً هادراً
في عروقي
صُبَّ حتى أدركَ أني طفلٌ
يعشقُ بالفطرةِ
لونَ الخُضْرَةِ
يهاجرُ إلى اللهْ!
•••
يا مطرْ
يا وَلِيدَ البحرِ
وَاصِلْ زَخَّاتِكَ
و انْقُرْ خزائنَ المُلْكِ
أريدُ أَنْ أَشْعُرَ
أَنَّ السماءَ فَوْقِي
ما تزالُ فَوْقِي
تَسُحُّ دموعاً فَوْقِي
أريدُ أنْ أشعرَ
يا سَيِّدي المطرْ
أَنَّهَا عَنْ جَبِينِ الحُقولِ
تُزيلُ الغُضُونَ الّتي شاخَتْ
وأشْواكاً مِنَ الضَّنْكِ!
يا مطرْ
يا وَلِيدَ البحرِ
وَاصِلْ زَخَّاتِكَ
وانْقُرْ خَزَائِنَ الْمُلْكِ
أريدُ أَنْ أَشْعُرَ
أنَّ الأرضَ تَحْتِي
ما تزالُ تَحْتِي
تَهْتَزُّ تَحْتِي
تُنْبِتُ
مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كريمٍ
جِنَانَ قَمْحٍ
وأَشْجاراً مِنَ الأَيْكِ!
فَصُبَ يا مَطَرْ
يا وَلِيدَ البحرِ
وَاصِلْ زَخَّاتِكَ
وانْقُرْ خَزَائِنَ الْمُلْكِ
أريدُ بِكُلِّ ذَرَّةٍ
مِنْ جِسْمِيَ المنْهوكِ
أَنْ أَنْشُقَ
أَريجَ الأرضِ المُبْتَلَّةِ
لَعَلَّ انبعاثًا رُبَّما
في دمائِهَا
ودِمَائِهِ يُوشِكِ
آهٍ مِنْ ذاكَ الْأَريجِ سَيِّدي
لَهُوَ عِنْدِي أَضْوَعُ
-سَبْعِينَ رَبيعاً-
مِنْ كُلِّ أَطْيابِ الْمِسْكِ !!
من ديوان “في مديح الأبيض ” للشاعر المغربي سعيد طلحا
الصادر عن دار الدراويش – كاوفبويرن – ألمانيا
شاهد أيضاً
قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي
د.حسن بوعجب| المغرب لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …