ثانوية الورود
كثيرة هي العبارات التي تطرق أسماع المدرسين بين اجتماع وآخر ، في الندوات والمحاضرات وفي الجلسات الأخوية…ومن هذه العبارات ” لقد مضى زمن التلقين” ” لم يعد للمدرس سلطة المعرفة ” ” المعلومات مطروحة في الطريق ” على غرار قول الجاحظ…
هذه العبارات حين ندقق النظر فيها ونُنزلها لاختبارها في الواقع نجد أنها عبارات تبدو غير ملامسة للواقع التربوي الذي يعيشه كل مرب يغار على الارتقاء بمستوى من أسند إليه تعليمهم حيث مواجهة عدم التركيز ، الشرود ، قلة المراجعة ، إظهار التعب والإحساس بالرتابة …هذا الأمر يستدعي الرجوع بصورة وأحوال المتعلم فضاء خارج الفصل.
وهكذا سنجد أن كل التلاميذ يواصلون – بإعجاب ومودة- شاشات تمتعهم وتأتيهم بالجديد ، وتنقلهم من حقل إلى حقل ، وتجول بهم في عوالم لن يصلوها لو أرادوا سو بالحافلات والطائرات…
شاشات أقل التلاميذ حظا يمتلك منها واحدة ” التلفاز”…فمن المتعلمين من يتنقل كالفراشة بين شاشات تسلمه الواحدة إلى الأخرى: تلفاز- حاسوب-كولفازور- حاسوب موصل بالإنترنيت …
هذه الشاشات الأمهات- الآباء- المعلمات ، سلبت من السبورة انتباه التلاميذ وتركيزهم على المطلوب منهم فصاروا – مع استثناءات- يلتحقون بالأقسام إرضاء لغيرهم لا لأنفسهم ، وقد يغيظ المدرس تلميذ أوتلميذة تطل بين الفينة والأخرى على ساعتها اليدوية تنتظر دق الجرس وإطلاق السراح.
تلك من جرائر الشاشات… لكن ما ذنب الشاشات ؟ إنها ليست سوى وسائل كباقي الوسائل المقتناة …
إن الذنب ليس ذنبها بقدر ما يتعلق الأمر بالدور القيادي للأسرة قبل المدرسة ، مع عدم إعفاء هذه الأخيرة بمناهجها ومقرراتها من المسألة.فغياب القيادة والتوجيه نتيجته السقوط فريسة للتلقي العشوائي من كل القنوات …
فالشاشات إيجابية وتحدد إيجابياتها وفق الاستخدام المعقلن المدروس لها ، والحال أن حياتنا اليومية خالية من الضوابط التي تحكم حياة جل الغربيين مثلا ، فهم – مع استثناءات – يستندون في أعمالهم وفراغهم على الاستعمال الرشيد للوقت ، فلا يتصرفون بالعشوائية والانسياب المفتوح …فللفرجة ظرفها الزمني وللمطالعة اليومية وقت مخصص وللراحة والفرجة توقيت خاص.
نعود إلى الشاشات التي غلبت السبورة والكتاب فصار التلميذ تلميذ الشاشة والفرجة المجانية …فما النتيجة ؟
لقد صار التلاميذ سلبيين يتلقون بالعين والأذن لكنهم قلما يتحدثون ، يتفرجون على صور الأفلام فيتتبعون الأحداث رغم جهلهم لفحوى لغة أبطالها وشخصياتها ، فصرنا نحاول استنبات الحوار بيننا وبينهم ، وبينهم وبين زملائهم إزاء موضوع معين فلا نكاد نصادف تلميذا يستطيع تحمل الحديث والتواصل دقيقة أو دقيقتين.
ومن الغريب أنه اعتدنا لسنوات طرح سؤال :”ما الذي استفدته من التلفاز من بداية فرجتك حتى الآن ؟”موجها إلى تلاميذ الثانوي الإعدادي فلم نجد تلميذا يستطيع كتابة فقرة قصيرة حول حصيلته من التلفاز ، في الوقت الذي تتوالى الإجابة حين يطرح السؤال بصدد المدروس ارتباطا بالكتاب والسبورة ، وكأن هذه الأخيرة تعلن أن جدواها لم ينفذ بعد ، وكأن الكتاب بدوره يأبى إلا أن يفرض نفسه على كل من يريد التثقيف الحقيقي المكون للغة والتفكير وطريقة التواصل الإيجابي الحامل للنقد والإفادة.
فالكتاب أداة للقراءة التي هي دعامة لكل من يرغب في اكتساب المهارات الأدبية والفكرية والأسلوبية فهي عملا سلبيا لتزجيه الفراغ بل هي الوسيلة الأنجع لبعث النشاط الذهني والتركيز المثمر.
وبما أن الشاشة استهوت أطفالنا وفتياننا وفتياتنا فما علينا إلا التفكير في تضمين المناهج التعليمية برامج إعلامية توعيوية عن كيفية استخدام الشاشات إكسابا لهم للحصانة النقدية لمشاهداتهم واستفادةً منها بلا أضرار وتأثيرات سلبية على تعلقهم بكتبهم ومدارسهم التي لا زالت تثبت جدواها بكل جدارة أما م كل راغب في مستوى ثقافي راق.