كلنا نعلم سحرها ومدى تأثيرها على الفرد. نعشقها… نفضلها.. نبكيها.. نهجوها.. وقد نملها..
هكذا نحن البشر.. وهكذا هي لغة الصورة.
ماذا لو أصبح التواصل بالصور؟ ماذا لو غاب الكلام المسموع؟ ماذا لو غابت الحروف المنطوقة والمكتوبة؟ هل ستموت الحواس فينا؟
لا أتحدث هنا عمن حرموا نعمة النطق أو حاسة النظر.. لا.. لا .. مطلقا..
أنا أتحدث هنا عن شيء آخر يضايق الإحساس ويفقره. وكلنا نعلم أن هذا الأخير لا يشبع . نعم، هذه حقيقة رغم التعبير الجاف. أحاسيس الإنسان يغذيها الجمال، والجمال هنا قد يكون اشتياق لحرف نقرأه. والجمال هنا قد يكون اشتياق لحرف نستشعر فيه جهد كاتبه.
قد يقول قائل، حتى الصورة فيها جهد . نعم، وهذه حقيقة أخرى لا يجب إنكارها. نعم فيها جهد الانتقاء والبحث. لكنها في مناسبات لا تفي بالغرض.
تخيلوا معي، أن فردا في المجتمع الافتراضي، يراسل عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة، إنسانا آخر قد يكون صديقا أو صديقة أو حبيبة أو أي شخص تربطه به علاقة قرابة أو لا. فيتوصل الطرف الآخر، بصورة كتب عليها صباح الخير أو مساء الخير، وقد تكون كتبت عليها تعابير أخرى طربية، وأحيانا يتوصل بصورة بقيت وفية لطبيعتها الأصلية…
وفي الحق ، لا أحد منا يستطيع إنكار جمالية الصورة ولا أبعادها التربوية والنفسية.. لكن الجمال يتوق دائما إلى البحث عما يغذي إدراكه. فما أجمل أن يكتب الحرف أولًا في ذلك الفضاء الرقمي، وبعدها تأتي الصورة ضمن المرفقات.
قد يقول قائل: هذا عصر السرعة، وليس معي وقت كاف لأكتب صباح الخير، أو مساء الخير، ولا أبغي اللحظة التعبير والتأليف…الصورة تفي بالغرض.. وهنا أرد قائلة: حتى هذه العملية لم تعد مشلكة، فهنالك تقنيات تعمل على تسجيل المفردات ، لا تثقل كاهل المرسل.
سبحان الله! الإحساس فينا طموح وتواق وبين قوسين طماع أيضا.. فمن الحرف إلى الصوت… وتخيلوا معي شخصان يتحاوران كتابة، كلما التقيا افتراضيا.. حتى إذا ما سنحت لهما الظروف للقفز على حواجز الافتراض، تخخلا توازنهما.
لا أغالي مطلقا، فهنالك من البشر إن تعود على رؤيتك بمكان والتقى بك صدفة في مكان مغاير لا يشبه المكان الأول، طرح عندها آلاف الأسئلة، وتردد كثيرا قبل إلقاء التحية. كأن يقول بصوت خافت، إن ملامحه تذكرني بفلان الفلاني، أو يقول مثلا إنها تشبه فلانة الفلانية. قد يحدث ويتكلم معك كما لو كنت إنسانا غريبا عليه. فما بالك ، بمن لم يسبق له أن سمع صوت مراسله أو من كان لا يسمعه إلا نادرا.
يا دنيا الرقامة والرقمنة! أرجو أن تعلمي أن لا شيء يعوض الحرف، ولا شيء يعوض الكلمة، ولا شيء يعوض الصورة…ففي حضن كل هذا ينتشي الجمال ويفخر. وفي حضن كل هذا ينتشي الجمال ويراقص النوستالجيا.
ويطول الحديث وتتنوع الرؤى..
وإلى حرف آخر وصورة أخرى..
*بقلم خديجة الخليفي