الطفولة والمسرح

مودنان مروان|


  1. مســـرح الأطفال في المغرب :

كان للأحداث الاجتماعية والسياسية في مسار المغرب دور كبير في بروز تجربة مسرح الطفل بالمملكة، وكما يعتبر مجموعة من دارسي المسرح المغربي أن الأشكال الفرجوية التراثية تمتلك من التقنيات المسرحية الشيء الكثير، فإن هذه الأشكال اعتبرت أيضا من بوادر مسرح الطفل بالمغرب، خصوصا سلطان الطلبة في عهد الدولة العلوية مع السلطان مولاي رشيد (1666-1672)، وفرجة البساط في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1722-1790).[1]

يرى الباحث المغربي مصطفى عبد السلام المهماه أن المغرب عرف مسرح الطفل منذ سنة 1860 م “عندما استولى الإسبان على مدينة تطوان، حيث مثلت فرقة بروتون مسرحية بعنوان: “الطفل المغربي”، وذلك على خشبة مسرح إيزابيل الثانية بتطوان، وهي أول خشبة في العالم العربي وفي إفريقيا، وبعدها قاعة مسرح الأزبكية 1868، والأوبرا بالقاهرة سنة 1869 بمناسبة فتح قناة السويس، وبالطبع نعتبر التاريخ أعلاه، كبداية لمسرح الطفل وللمسرح عامة”.

هذا، ولم ينطلق المسرح المدرسي فعليا إلا في سنة1987م عندما استوجب الإصلاح التربوي تدريس مادة المسرح ضمن وحدة التربية والتفتح التكنولوجي في السنوات الثلاث الأولى من السلك الأول للتعليم الابتدائي ضمن الموسم الدراسي1987-1988م. وأقيم في هذا الموسم بالذات تدريب وطني في المسرح المدرسي تحت إشراف وزارة التربية الوطنية وتحت مسؤولية جمعية التعاون المدرسي وبتنسيق مع جمعية نادي كوميديا الفن بمراكش. وقد استفاد من هذا التكوين التربوي في مجال المسرح المدرسي عضو واحد عن كل نيابة من نيابات وزارة التربية الوطنية بالمغرب.

وفي سنة1991م، ستتأسس اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي باعتبارها إطارا وطنيا يهتم بتطوير المسرح المدرسي وتفعيله وترجمته نظريا واقعيا داخل فضاء المؤسسة التربوية المغربية.

وفي سنة 1993 م، سينظم المهرجان الوطني الأول للمسرح المدرسي في نيابة سيدي عثمان بالدار البيضاء بمشاركة ثمان تعاونيات مدرسية تمثل كل واحدة منها جهة من الجهات السبع بالإضافة إلى تعاونية فرع النيابة المحتضنة. ولابد من الإشارة أن انعقاد هذا المهرجان سبقته تصفيات محلية وإقليمية وجهوية لمختلف نيابات وجهات المملكة. ومازالت المهرجانات الوطنية المتعلقة بالمسرح المدرسي متوالية إلى يومنا هذا.

أما إذا انتقلنا إلى مسرح الطفل، فتعود بداياته إلى فترة مبكرة من القرن العشرين وبالضبط إلى سنة 1923م، عندما قدمت فرقة قدماء تلاميذ مولاي إدريس الإسلامية مجموعة من المسرحيات الطفلية ذات الأبعاد التربوية والاجتماعية والأخلاقية والتاريخية. وبعد ذلك ظهرت عدة فرق وجمعيات مسرحية في الكثير من المدن المغربية كفاس وتطوان وسلا والرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة وأصيلة. وكانت هذه المسرحيات ذات طابع رمزي تنتقد الاحتلال الاستعماري والمجتمع المغربي على السواء.

وبعد الاستقلال، سيختلط مسرح الطفل بالمسرح المدرسي وسيتخذ طابعا تأسيسيا وطنيا. ومن ثم، ستقوم وزارة الشبيبة والرياضة في سنة1962م باستقدام مجموعة من المؤطرين الأجانب لتأطير المغاربة في مجال التنشيط المسرحي، وستعقد الوزارة أول مهرجان لمسرح العرائس بالحديقة العمومية بالرباط، وستعقبه ندوة سنة1964م حول مسرح العرائس أو الكراكيز. وتكونت على إثرها ثلاث فرق متخصصة في هذا المجال الفني الجديد في كل من الرباط وفاس والدار البيضاء ومراكش.

وقد صار الاهتمام بمسرح الطفل جليا ابتداء من سنة 1978م، حينما نظمت وزارة الشبيبة والرياضة المهرجان الأول لمسرح الطفل بمدينة الرباط، وتقد تقديم 16 عرضا تمثيليا، وقد استفاد 9500 طفلا من هذه العروض بالإضافة إلى أولياء الأمور.[2]

و تم تنظيم المهرجان الثاني لمسرح الطفل سنة 1979م بالدار البيضاء، واستفاد منه 15740 طفلا بما يقرب من 27 عرضا تمثيليا.[3]

وفي سنة 1980م نظمت الوزارة  نفسها المهرجان الثالث لمسرح الطفل بمدينة الرباط، ووصل عدد الأطفال الذين استفادوا من 19 عرضا 13500 طفلا.[4]

وبعد ذلك، توالت المهرجانات الخاصة بمسرح الطفل إلى أن وصلت إلى المهرجان الخامس بالجديدة سنة 1986م.

وستستكمل وزارة الشؤون الثقافية مهمة وزارة الشبيبة والرياضة لتعقد اللقاء الوطني الأول لمسرح الطفل في مدينة الجديدة وذلك في الأسبوع الثاني من شهر دجنبر من سنة 1982م، بينما اللقاء الوطني الثاني كان سنة 1984م بطنجة.

ولقد عرف مسرح الطفل مؤخرا نشاطا كبيرا مع حركة الطفولة الشعبية وخاصة فرع الناظور الذي نظم 13 مهرجانا وطنيا . كما أعدت شفشاون مهرجان الطفل المتوسطي في حين تكلفت كل من تازة أولا والجديدة ثانيا بإعداد المهرجان الدولي لمسرح الطفل.

وإذا انتقلنا للحديث عن المسرح الإذاعي، فلقد انطلق الراديو في سنة 1943م، وإذاعة التلفزة في سنة 1962م، لكن ما يقدم فيهما من برامج وطنية هزيل جدا بالمقارنة مع البرامج الأجنبية المستوردة. وبطبيعة الحال، سيؤثر هذا على مسرح الطفل بصفة خاصة وأدب الطفل بصفة عامة.

 وعلى الرغم من ذلك، فقد قدمت الإذاعة السمعية المركزية وفروعها الجهوية مجموعة من البرامج الموجهة إلى الطفل المغربي، ولاسيما مسلسل ألف ليلة وليلة الذي قدمته الإذاعة في الخمسينيات، ومسلسل القايدة طامو الذي اقتبسه خالد مشبال سنة 1958م، وهزليات أحمد البشير لعلج وأحمد القدميري وبوشعيب البيضاوي، وبرنامج أطفالي الصغار الذي كانت تشرف على إعداده أمينة السوسي سنة 1960م من إذاعة طنجة، وبرنامج باحمدون لإدريس العلام باسم إذاعة الرباط.

 وعلى المستوى التلفزي، لابد من ذكر أهم معلمة طفلية ألا وهي القناة الصغيرة التي كان يشارك فيها الصغار إعدادا وتنشيطا وترفيها. ولكنها سرعان ما توقفت عن استكمال أداء رسالتها التربوية والتثقيفية، لتنتقل إذاعة التلفزة المغربية بقناتيها الأولى والثانية لتقديم برامج أجنبية غريبة عن الطفل المغربي سواء باللغة الفرنسية أم باللغة العربية المدرجة. ولا تعبر هذه البرامج سوى عن الاستلاب الحضاري وامتساخ الهوية المغربية وانسياقها وراء مغريات الثقافة الفرنكوفونية والأنگلوسوكسونية، والاعتماد كذلك على مستوردات آسيوية بوذية تقوم على العنف وقوة الحركة وشحن الطفل المتفرج بالطاقة العدائية والرغبة في الانتقام والعدوان والمواجهة والتحدي.

ومن الذين كتبوا النصوص المسرحية للطفل نستحضر: العربي بن جلون ومحمد سعيد سوسان وأحمد أومال ومحمد بوفتاس والمحجوب البديري وعبد اللطيف ندير والمسكيني الصغير وعبد الجليل بنحيدة ومحمد أجديرة ومجدول العربي وحجبي فوزية وفرقة البدوي.

ومن الذين برزوا في مسرح العرائس الأخوان الفاضلي، أما في المسرح البهلواني نذكر ناقوس وسنيسلة.

ومن الذين اشتغلوا ومازالوا يشتغلون بمسرح الطفل أو المسرح المدرسي على مستوى النقد والتنظير نجد: سالم أكويندي وعبد القادر أعبابو ومحمد مسكين وعبد الكريم برشيد ومصطفى رمضاني ويونس لوليدي ومصطفى عبد السلام المهماه وأحمد زكي العلوي ومحمد تيمد ومحمد الكغاط وعبد الكريم بوتكيوت ومهداد الزبير والعربي بن جلون ومؤخرا جميل حمداوي الذي يركز كثيرا على مسرح الطفل الأمازيغي.

ولقد بقي مسرح الطفل مختلطا، كما أنه في فترة ما بعد الاستقلال كانت المدارس هي المتزعمة الأولى لحركية الخشبة العمومية، وسيظل مقتصرا على خشبة المدرسة، ويعتبر كنشاط من النشاطات الموازية التي تقيمها المدارس والثانويات عند نهاية كل سنة.

وظل مسرح الطفل جامعا بين الصغار والكبار، حتى ظهور مسرح العرائس سنة 1959م، حيث صار للطفل المغربي مسرح يلتجئ إليه، الأمر الذي دفع وزارة الشبيبة والرياضة إلى الاهتمام به، فنظمت أول مهرجان لمسرح العرائس بالرباط سنة 1962م، ثم تم تنظيم ندوة عن هذا المسرح سنة 1964م، ونتيجة لذلك تم تكون ثلاثة فرق في كل من الرباط، فاس، والبيضاء ومراكش.[5]


[1]  الدليل المرجعي في المسرح المدرسي، إعداد جمعية التعاون المدرسي، اللجنة الوطنية للمسرح المدرسي،2002، ص43.

[2]  نفس المرجع السابق، ص 96.

[3]  نفس المرجع السابق، ص 96.

[4]  نفس المرجع السابق، ص 95.

[5]  مصطفى عبد السلام المهماه، تاريخ مسرح الطفل في المغرب، ط1، 1986م، ص 94.

لوحة الشاعر والروائي والفنان التونسي نصر سامي

بقلم مروان مودنان| مودنان مروان

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

تذبذب معالم الشخصية البونابرتية من الضعف الذاتي الى الحالة النرجسية

*بونابرت /3/ سكوت 2023/: عقدة نابليون والزعيم المجنون وجوزيفين الساحرة والمعارك الطاحنة ومقتل الملايين وتفاصيل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات