حرر هيجل فلسفته المثالية في مكتب شقته الصغيرة، ونظر كارل ماركس فلسفته المادية في سكنه الضيق تحت الدرج ، ووضع جون بول سارتر فلسفة الوجودية بمقهى صغير بباريس يسمى deux la magot ، والعبرة من معادلة العقل والأمكنة هو أنه ليس بالضرورة امتلاك فراش وتير وقصر باذخ واقطاعايات على امتداد الأفق ليتمتع الإنسان بنسق فكري معين ،يساهم به في تقدم التاريخ والإنسانية ، فإسحاق نيوتن توصل إلى اكتشاف الجاذبية بعدما عزل نفسه عن زحام البشر تجنبا لعدوى الطاعون1665 ، ومعظم الأدباء الذين ألهموا العالم بروائعهم اقتطعوا أجزاء من أوقات أعمارهم في خلوة تامة عن الناس ، لأن العزلة هي صفاء ذهني واعتكاف على عبادة التأمل وناموس بداية الرسالات السماوية وفلسفة كونفشيوس وبوذا حيث يتحول العقل العادي إلى تلسكوب أو مجهر رهيب ، يكشف ببصيرته عوالم ما فوق حواس التفكير العادي بقوانين ” إني أبصر ما لا تبصرون” فعصر العقل هو الذي ساد من بعد الحداثة ، حيث تراجعت فكرة امتلاك المزارع الشاسعة ” الفيدوم” ، فأسياد الإقطاع الذي حكموا أوربا بقبضة حديدية خلال العصر الوسيط لا يمكن أن يكونوا مفكرين أو علماء ، لأنهم أدركوا الغاية القصوى لطموحهم. تعد سانغفورة حاليا جزيرة صغيرة على خريطة المعمورة ، إلا أنها تسجل مؤشر تنموي صاعد في الترتيب العالمي في حين لازالت أمم عربية وإفريقية هاوية حروب وتسلح حول الحدود من أجل لقب أكبر دولة من حيث المساحة ومن يسيطر على الموارد من دون اعترافهم بجريمة تعطيلهم لعقل الإنسان وتهميشه لقرون عدة ، فتاريخ أوربا يذكر عصر النهضة وعصر ديكارت وعصر الأنوار ، مقابل تاريخ عسكري في الضفة المجاورة ، عصر العثمانيون ، عصر المماليك.. فلم تعد مساحة الأرض مهمة أو ما يوجد تحتها بقدر ما يهم تكوين عقل الإنسان الذي يمشي على سطحها هذا إذا أردنا أن نمشي على سطح القمر والمريخ في يوم ما…
ـــ أحمد أوزي، سيكولوجيا الطفل، مجلة علوم التربية، ط3، 2013، الدار البيضاء.