“المسرح الجامعي وقضاياه” لطيفة خمان ــ الجزائر

ضمن مواد العدد الورقي الأول لمجلة عبور

المسرح الجامعي.. وقضاياه، (قراءة موضوعاتية في نماذج مسرحية)

لطيفة خمان: طالبة دكتوراه

إشراف: أ.د: هاجر مدقن

جامعة قاصدي مرباح ورقلة- الجزائر-

مخبر النقد ومصطلحاته.

الملخص:

لطالما شكل فن المسرح قبلة و محجّة للكثير من الدارسين والباحثين، فالناظر في تشعباته ومساراته المتنوعة يدرك حجم تلون حضوره بألوان ممارسيه وتوجهات ممثليه في مشارب مختلفة، ولعل من بين تلك الصروح التي شغل المسرح حيزاً مهما في عوالمها “الجامعة” وبمؤسساتها المتعددة: (المعاهد، والمدارس العليا، والكليات…) وهو حضور استطاع أن يخلق وشائج وصلات مختلفة، وأن يفتح أبواب أفاق كثيرة للجامعة، التي امتاحت من منجزاته، وفي المقابل سمحت له بفرض شكله الحيوي على مستويات وأصعدة عدّة على (الطلبة، والجمهور، والممثلين،…) بقضاياه ومواضيعه، هذه القضايا التي عززت بدورها دور الكاتب والناقد والباحث في النهضة العلمية والثقافيةـ، بل أعطت المجال للطلبة ليكونوا هم وقودها، انطلاقا من هذا كان التساؤل مبعثنا عن فحوى هذه القضايا والمواضيع؟ ولما كانت الدراسة الموضوعاتية سبيلا لتقصي ذلك كانت لنا شرعة ومنهاجا.

الكلمات المفتاحية: المسرح، الجامعة، القضايا، الموضوعاتية.

Abstract:Theater art has always been a destination for many researchers and scholars, and the beholder in his paths understands the amount of his presence in various cognitive trends such as the university, for example. Which cared for him through its different types, so his presence in it had a great role at different levels of students. The public and the actors, as well as on writers, critics and researchers on his issues and topics, but that he gave the students a great role to be the ones who lead the theatrical process, form here we asked about these topics? And since the thematic reading was the best way to study the topic, we chose it.

Keyword: the Theater, the University, Threads, Thematic.

مدخل:

من روائع ما قيل في المسرح هو« روح الأمة وعنوان تقدمها و عظمتها، في فضائه وعلى ركحه تعبر الشعوب عن قضاياها الاجتماعية والسياسية، والثقافية، …، وترسم أحلامها وتطلعاتها، فهو أقرب الفنون إلى الذات لأنه يصور التجربة الإنسانية حركة وقولا»(1)، هذه التجارب التي انسكبت في قوالب مختلفة واتخذت منابر عدّة؛ “كالجامعة” مثلا، هذا الصرح الذي احتضن كوادر مسرحية ونشاطات وفعاليات ثقافية، فكان باختلاف مؤسساته مركز إشعاع ثقافي لطاقات شبابية طلابية هائلة، ولا غرو في ذلك فالمطلع على أطراف هذه الثنائية “مسرح/جامعة” يدرك حجم التشارك بين هذا الصرح والفن، إذ لا يمكن إغفال الدور الفعال الذي ساهمت به الجامعة خاصة وأنها رفدت الحركة المسرحية بالوسط الثقافي وبأفراد فاعلين مثقفين، وبأسماء لاحت مجهوداتهم لسماء العالمية في بعض الأحيان، كما لا يمكن إنكار الدور المرموق الذي تسناه المسرح في ربوع الجامعة والذي عمل على بعث الوعي في أروقتها، وبناء الحس الفكري والجمالي لدى أطراف المنظومة الإبداعية : باحثين، وطلاب، وكتّاب ونقاد، وجمهور، وممثلين، …(*)، وعلى هدى ذلك نعطي للتساؤل مشروعية:

– ما هو المسرح الجامعي بداية؟

-ما هي سماته الخاصة مادام يمتلك اصطلاح متفرد عن غيره من المسارح الأخرى؟

– ما هي أهم القضايا المقدمة بين محاضنه؟ و على أي أساس يتم اختيارها؟

– ثم من أي المصادر تستنبط؟ و كيف يتم عرضها وتقديمها؟

1-المسرح الجامعي:

المسرح الجامعي أو المسرح في الجامعة أو مسرح الجامعيين، كلّها مصطلحات على اختلافها تؤدي نفس المعنى من خلال التجارب المسرحية التي تبنتها فرق مسرحية كوّنت داخل الجامعة(2)، وبتعبير آخر المسرح الجامعي هو ذلك المسرح الذي يخاطب فئة بعينها( طلاب الجامعة)، ويقدم عادة داخل نطاق الحرم الجامعي، حيث يقوم طلاب الجامعة بمشاركة العمل المسرحي سواء في التمثيل أو في الديكور والإضاءة، والموسيقى وغيرها، وغالبا ما تهدف هذه الأعمال إلى بلورة و عرض بعض الأفكار والقضايا المختلفة المرتبطة بثقافة المجتمع وقضايا الشباب، وكل هذا يكون تحت إشراف الجامعة ماديا ومعنويا. أما مفهوم المسرح الجامعي وفقا لميثاق الجمعية العالمية للمسرح في الجامعة فإنه ذلك المسرح الذي يعني كل النشاطات المسرحية المتداولة في كافة المراحل الجامعية (التعليم العالي-الدراسات العليا…)(3).

ومنه تجدر الإشارة إلى أن هناك نوعان من فرق المسرح الجامعي(4):

فرق تعمل بصفة غير مستديمة في الغالب تقدم عروض في نهاية العام الدراسي.

وفرق مستديمة عادة ما تتبع قسم الإخراج في الجامعات الفنية التي بها أقسام أكاديمية من هذا النوع، وتقدم الفرق عروضها في معظم شهور العام مستغلة المناهج الدراسية في التمثيل والإخراج لعرضها على الجماهير في ظل دراسة أكاديمية .

وتعود نشأة المسرح الجامعي في أصوله الغربية إلى العروض التي كان يقدمها الطلبة في الكليات والجامعات في انجلترا وفرنسا وألمانيا منذ القرن الخامس عشر، ويرجع تاريخ أول مسرح منظم إلى محاولات المسرح الجامعي الإيطالي في مدينة “بادوا padova” عام 1910، أما في العالم العربي فالمسرح الجامعي ارتبط بالكثير من المسرحيين الذين بدؤوا حياتهم المسرحية في إطار الجامعة، كالمخرج اللبناني روجيه عساف الذي ولد عام 1914، وساهم بغزارة في عام 1956 في نشاطات المركز الجامعي للدراسات الدرامية، ونشير إلى أنه ومن خلال السعي إلى تطويره وفي جميع أنحاء دول العالم أنشئت جمعية عالمية للمسرح الجامعي بمدينة ” لياج”، ببلجيكا عام 1994 (5) . ولكل بلد عربي رواده وظروفه في إطار النشأة.

وقد أضحى المسرح الجامعي متداولا في كل اللغات العالم مطرداً –وإلى هذا أشار الناقد التونسي محمد المديوني على هامش الملتقى الدولي المنعقد بمصر للمسرح الجامعي دورة الفنان يحي الفخراني- حيث أصبح معه مندرجا في معاجم المسرح، حاضراً في شواغل المعنيين بهذا الفن(6).

2-قضايا المسرح الجامعي العربي:

يقول رولان بارت متسائلاً : « ما المسرح؟ إنه نوع من الآلة السيبرنية تختبئ وقت الاستراحة خلف الستارة، وما إن ترتفع هذه الأخيرة حتى تبدأ هذه الآلة ببث الرسائل إليك ولهذه الرسائل خصوصية التزامن رغم اختلاف إيقاعها»(7).ومعنى هذا أن رولان« بارت لا يرمي إلى تشيئ الفن المسرحي أو تجريده من الفعل الإنساني بقدر ما يرغب في الإشارة إلى سيرورة و تتابع إنتاج الرسالة، والتزامن الذي يعنيه هو أن المتلقي في الزمن ذاته يتلقى عدة رسائل ولا تأتي أو تصدر هذه الرسائل في المسرح من نوع واحد، كما في الأعمال الأدبية الأخرى حيث تتفرد اللغة بالصدارة وتكون أصلا أو منبعا وحيداً للرسالة مهما تعددت ألوانها ودرجات بلاغتها وفرادتها» (8)، ما يحدث أن المسرح في الجامعة وفي غيرها من الصروح، يحمل كما هائلا من المعلومات والمواضيع والقضايا التي يتبناها، ومن ثمة يعمل على توصيلها وتبليغها بشتى الطرق والوسائل، خاصة في صيغته كعرض؛ ففي العرض تتعد الطرائق والوسائل والمداخل حيث يتجاوز الخطاب المسرحي الإرشادات الإخراجية إلى أفاق ترتبط بعلامات غير لغوية أكثر، فهنا تتعدد الرسائل انطلاقا من الإشارات والحركات، والألوان، واللباس، والموسيقى والديكور… وغيرها، والناظر في مواضيع المسرح الجامعي يجدها دون أدنى شك متنوعة تنوع توجهات ومشارب وانشغالات وهموم الطلبة، و كاتبيها، ومخرجيها، وممثليها، ومتفرجيها، التي تحتكم في الأغلب الأحيان لراهن الواقع ومتطلباته، فقد اطلعنا على مجموعة من الخطابات المسرحية الجامعية، كما حاورنا ثلة من الطلبة خاصة منهم أولئك الذين تخصصوا في كتابة النصوص المسرحية، فوجدنا مدد من القضايا التي ودون مغالاة لامست محطات كثيرة، ويمكن حصر هذه الموضوعات في مناحي مختلفة حسب طبيعة التوجه: ثقافية، سياسية، اقتصادية، أدبية فنية، اجتماعية، تربوية تعليمية.

3- أهم قضايا المسرح الجامعي:

القضايا السياسية: كثيرا ما ارتبط المسرح بالسياسةارتباطا وثيقا، حتى استحال وندر وجود مسرح خالي من المواضيع السياسية، ومما تم تناوله في هذه القضايا نذكر: التطرف، الإرهاب، السلطة، الاستعمار، الحرية…

.القضايا الاجتماعية: الواقع الاجتماعي هو وقود المسرح الجامعي، لأن معظم تلك المعضلات والأزمات الاجتماعية هي واقع ملموس ومعاش ومنها: الطلاق، التشرد، البطالة، المخدرات، الهجرة غير الشرعية ووو…

القضايا الاقتصادية: الاحتكار، والتقشف، وتسيير رؤوس الأموال، والاستثمارات، والقروض كلها مواضيع كان لها حضور ضمن نطاق المسرح الجامعي.

القضايا الثقافية والفكرية: هي من الجوانب التي تٌعزز دوما في مسار الطالب الباحث، وقد لامسنا بروزها بشكل أو بآخر ضمن الانتقاءات التي اختارها طلبة الجامعات، وهي وإن طغت عليها القضايا الأخرى حتما لا تغيب.

القضايا الثقافية والفكرية: هي من الجوانب التي تٌعزز دوما في مسار الطالب الباحث، وقد لامسنا بروزها بشكل أو بآخر ضمن الانتقاءات التي اختارها طلبة الجامعات، وهي وإن طغت عليها القضايا الأخرى حتما لا تغيب.

القضايا الأدبية والفنية: استدرجت هذه القضايا فكر وحواس الطالب الجامعي، فوجد فيها ضالته، لذا اجتهد في إلقاء الضوء عليها وتفعيلها خاصة في المناسبات التي تتطلب السير، والأحداث والشخصيات … إلخ

إن المطلع على جل قضايا المسرح الجامعي وحسب مصادر وعينات عدة، يدرك أن القضايا السياسية، والاجتماعية في كنفه، تتربع على أكبر نسبة من جملة النسب الموزعة على باقي القضايا الأخرى، فقد بلغت نسبة القضايا السياسية حوالي 96%، وتلتها القضايا الاجتماعية بنسبة90%، في حين القضايا الاقتصادية بلغت 29 %.

أما عن طريقة العرض فغالبا ما مال المسرح الجامعي العربي، للشكل الكلاسيكي –التعبيري-، وللعروض الدرامية المتكلمة والحوارية، كما تخلل المسرح الصامت طرق العرض في عديد القضايا التي مال فيها الطلبة إلى الرمز و الإيحاء، وفيما يخص نهايات العروض التي احتضنت هذه القضايا فتراوحت بين النهايات المفتوحة، والمغلقة، أو النهايات الدائرية التي ترجع الموضوع إلى نقطة البداية مرة ثانية.

4-قراءة موضوعاتية لنماذج مسرحية:

4-1- المقاربة الموضوعاتية:

تعد المقاربة الموضوعاتية(**) من أهم المقاربات النقدية في التعامل مع الخطابات الأدبية، ظهرت في أوروبا إبان ستينيات القرن العشرين مع موجة النقد الجديد، كما ظهرت في العالم العربي مع تصاعد النقد المضموني، وانتشار القراءات التأويلية والأيديولوجية، وولادة التحليل الوصفي البنيوي واللساني(9)، تهدف هذه المقاربة إلى استقراء التيمات الأساسية إذ « تلازم الأنواع الأدبية والأشكال النقدية مشددة في ذلك على الرسالة أو الفكرة المهيمنة على العمل الأدبي –النثري أو الشعري- لتلعب فيه دور القانون الأساسي المنظم لهويته» (10) .

4-2- المسرحيات:

-ملخص مسرحية جامعة جيجل(11):

يغيب عنوان المسرحية ليفسح المجال للتأويل، وليدفعنا عنوة للاشتراك في طقوسه، فلا نجد أنفسنا إلا نباغت المضمون ونقتنص من مشاهده عنوانا يضم جلّ حوادثه، مسرحية طلاب جامعة جيجل التي عرضت بجامعة تاسوست 2016، مسرحية جد مؤثرة، اتخذت الصمت أداتها التعبيرية مما زاد في جمالياتها، و رمزيتها.

تناولت المسرحية التي لم تستغرق الكثير من الزمن عديد الوقائع والحقائق المٌرة التي يتكبد ألمها الشعب الفلسطيني من قبل اليهود، وعلى إثر ذلك كشفت بعض الملابسات، فقد صورت الاتفاقيات العربية-السعودية- مع إسرائيل، وبروتوكولات التعامل، أيضا قضية “استنزاف الثروات” البترول”، وكذلك صورة الأرواح البريئة التي تحصد، مع سمفونية الموتالتي تعزف يوميا، دون أن تنسى الإشارة إلى حالات كثيرة تضمنتها: كحالة المرضى، والجرحى، والأطفال، وطلاب العلم، والصحافة وما تتعرض له من مخاطر، وأيضا حالات الانتحار التي ملّت هول الجرائم،….

–ملخص مسرحية “فلاش موب الأقصى عقيدة” لجامعة ورقلة(12):

“فلاش موب flash mob “الأقصى عقيدة، هي مسرحية عرضت في 02مارس 2015، برواق كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة قاصدي مرباح ورقلة، يرجع تنظيمها إلى المديرية الفرعية للنشاطات العلمية والثقافية والرياضية بالتنسيق مع النوادي الطلابية الجامعية، تطرح هذه المسرحية بالمثل تقريبا نفس أفكار المسرحية السابقة، إذ تأخذنا بدورها إلى المجازر وإلى أصوات الموت” الرشاشات”، التي تحط الجميع على مفرق الفناء، وقد كانت العينة المنتقاة طلبة العلم حتى تمرر رسائل كثيرة، إضافة إلى ذلك بثت بين ثناياها أفكار أخرى تقاسمتها مشاهد عكست بعض الصفات التي يتحلى بها المضطهدون ممثلة في الصبر والتضرع للمولى عزوجل على المصاب الجلل، تخللتها أيضا مشاهد مأسوية للقتلى، ولمن يقدمون الإسعافات للجرحى وللمصابين، وعلى غرار المسرحية الأولى صورت أيضا مآسي الصحافة، ميزة هذه المسرحية أنها اختارت نهاية أمضتها نها أ بشعار “لأجل فلسطين”، حتى يعزز ممثليها موقف التضامن مع الشعب الفلسطيني، وليؤكدوا ذلك بمشاهد فعلية تعلي من راية الحرية والقضاء على الشارة السداسية.

–مسرحية حماة الأقصى في جامعة الخضوري(13):

أقل ما يقال عن هذه المسرحية أنها ولدت من رحم المعاناة، فقد قدمها عدد كبير من الطلبة بجامعة الخضوري…من فلسطين في 03ديسمبر2015، وامتدت على مساحة زمنية طويلة نوعا ما حتى تغطي الوجع الذي يتجرعونه وبشيء من التفصيل عرضت إلى لقمة العيش التي لم تعد مستساغة، ولأجواء الطلبة والطالبات وما يتعرضون له من مضايقات، وأيضا لفضاء الاعتداءات المتكررة من قبل اليهود وهم يتنعمون في بلاد غيرهم، ولمشاهد المشاحنات اليومية التي يروح جراها عادة الشباب الأبرياء الذين لا يجدون سوى الحجارة أداة دفاعية لهم، أمام جبهة جندت ترسانة من العدة والعتاد، جسدت أيضا مناظر الدماء المتطايرة وألم الفقد، مع عجز الإسعافات عن لملمة الجرحى، وأصوات الأنين المنبعث من ذويهم وأهلهم، كذلك صورت خنوع حكام العرب وتقاعسهم عن نصرة غيرهم…، وتوالت هذه المشاهد وهذه الصور المأساوية إلى أن ختمت بمشهد صامت على صمته جسد الكثير من الخطابات، إذ كان صورة لإتحاد دول العرب مع فلسطين، لتكون بذلك المسرحية رسالة طلابية لغيرهم من الشعوب العربية.

انطلاقا مما سبق نلاحظ أن النماذج الثلاثة اشتركت في الموضوع، وأيضا في اختيار طريقة العرض/التمثيل الصامت، “البانتوميم، هذا النوع الذي يعتمد على تقديم الفرجة المسرحية عن طريق الإيماءات والإشارات، والحركات، عبر مجموعة من العلامات السيميولوجية المعبرة برموزها و إيحاءاتها غير المباشرة (14) ، وقد استثمر الطلبة على اختلاف توجهاتهم ذلك بغية طرح دلالات رمزية، سياسية بالدرجة الأولى…

4-4–التركيبة التيمية للمسرحيات الثلاث:

-محنة القدس/فلسطين” التيمة الكبرى والمواضيع المتعلقة بها:

إلى جانب القضايا الوطنية الكثيرة التي عالجها طلاب الجامعات في مسرحياتهم تحضر القضايا الدولية، والقضية الفلسطينية أولاها، هذه القضية التي شغلت ولا تزال تشغل العالم العربي الإسلامي، نظرا لمركزيتها في قلوب المسلمين(15)، وهي أرض مقدسة بنص القرآن الكريم: }سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله{، سورة الإسراء :1، انطلاقا من هذا الحضور الملفت والذي مسح جميع المشاهد، شكلت محنة فلسطين قطبا و تيمة بارزة حملت الكثير من الدلالات، في الديكور وفي الملابس ، وفي الشعارات، وقد تكررت بنسبة غطت 100%، من مجموع المسرحيات الثلاث، ونحن نتتبع تقاسيمها وجدنا فيض من المواضيع المتعلقة بها:

–التيمات الجزئية:

-العنف:

أصبح سيد القضايا الطلابية، وقد كانت الأسباب السياسية في واجهت تداعياته، فما يعايشه الوطن العربي من محن ومشاكل أدى إلى تغيير جذري في الوجدان العربي-بمن فيهم الشريحة الطلابية- تعود كلمة عنفviolence، في اللغة اللاتينية إلى violare، التي تعني يؤذي أو ينتهك، وفي اللغة الإنجليزية violence، حيوية vitality، ومن الناحية التاريخية فقد ارتبط مفهوم العنف بالقوة التي تصدر، قوة الطبيعة، وقوة الآلهة (16)، وفي اللغة العربيةيعني استخدام القوة وعدم الرفق، جاء في لسان العرب لابن منظور أنه : «الخرق بالأمر وقلة الرفق به، وهو ضد الرفق»(17). أما في الاصطلاح: «فهو كل مبادرة تتدخل بصورة خطرة في حرية الآخر، وتحاول أن تحرمه حرية التفكير والرأي والتقدير»(18)، ومن الناحية الإجرائية يعرف العنف على أنه : «الاستخدام غير المشروع للقوة،…بأساليب متعددة لإلحاق الأذى بالأشخاص والجماعات وتدمير الممتلكات، ويتضمن ذلك أساليب العقاب، والاغتصاب، والاعتداءات المختلفة، والتدخل في حريات الآخرين»(19) ، وعلى الرغم من اختلاف الآراء في تفسير العنف ، دوافعه، أهدافه، فإن أغلب علماء الاجتماع والفلاسفة، و الأنثروبولوجيين، يتفقون على أنه آلية من الآليات التي تستيقظ في حالات كثيرة؛ حالة دفاعية ضد المخاطر من أجل الاستمرار والمحافظة علىالبقاء ، وفي حالة هجومية شر ما يوقع الأذى بالآخر، الضغط، السيطرة، السلطة، الاستغلال، التدمير، التهديد(20)، وعلى هذا الأساس تبنّى الكثير من الطلبة هذه التيمة، فحفلت بها عديد مسرحياتهم. والمسرحيات السالفة كل مشاهدها وحركاتها ومضامينها انبنت على العنف: العنف في التنقل، العنف في المأكل في المشرب، في العيش، في طلب العلم، العنف على الصغار، و الكبار،…أضحى العنف ضريبة حتى على الهواء المتنفس من قبل اليهود على الفلسطينيين…، و هو العنف الذي كان خاتمه الموت والقتل والتشرد.

–الأنا والآخر/التبعية: القدس مكانة شرعية ورعاية هامشية:

كثيرا ما طرحت قضية الأنا العربية والآخر الغرب، وفي النماذج السابقة تمت الإشارة إلى برتوكولات التعامل بين العرب والغرب، بصورة مخزية، خاصة في مسرحية طلاب جيجل، وهو موضوع أثار الكثير من الحبر، وعلى النقيض من ذلك وفي ظل هذه المسرحيات طرحت قضية العرب وتقاعسهم في نصرة بعضهم البعض، أمام هذا الوضع ساهمت الرموز والإشارات والحركات في تكثيف الرسائل علّها تجد آذانا صاغية لتعزيز الهوية العربية الإسلامية لفلسطين، إيمانا من الطلبة أن الأدوار التي يتقمصونها قادرة على قلب بعض الموازين.

-الحرية:

لعل كلمة حرية أكثر كلمات القاموس السياسي استعمالا عند العرب اليوم، حتى الكلمات التي تنافسها في الذيوع مثل الاستقلال والديمقراطية والتنمية، تستعمل في الغالب مرادفة لها، بحيث لا نكاد نجدها إلا ملتصقة بها وموضحة لها(21)، ” الحرية” يطرح الشعار كمسلمة لا تحتاج لتبرير أو تأصيل، يقول الفرد: أنا حر ويعني أنه حر حيث يريد الحرية، يكفي التعبير عن إرادته ليكون حرًا بالفعل، تقول الطبقة أو الجماعة أو الأمة : أنا حرة وتعني لابد أن أكون حرة، لأحقق أهدافي وأؤكد هويتي، لا محل في هذا المستوى للمطالبة بالتبرير(22)، و المطلع على النماذج الثلاثة، يدرك أن الحرية ضرورة حتمية، لذا تخللت جل المشاهد، فالجرحى، والطلبة، والأطفال، والشيوخ، وحتى الموتى، كل بطريقته ينشد الحرية، حتى الذي قرر الانتحار بدوره يرفض القيود ويأمل الحرية، و قد جُسدت الحرية في التضامن، في التكافل، وفي اللحمة الواحدة، و في التمسك بالله.

5-خصائص ومميزات المسرح الجامعي:

بعد الإطلاع على مواضيع المسرح الجامعي العربي، والاتصال بمن يتعاطونه-الطلبة-، وبعض العينات من الجمهور والمتفرجين، و في نماذج مختلفة تقصيناها مباشرة، أو تواصلنا معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة، نذكر من خصائصه وميزاته ما يلي:

– المسرح الجامعي مرآة مجلوة عكس الطلبة من خلاله واقع المجتمعات العربية، ما تعايشه وما تقاسيه، في عروض طرحت للمناقشة والتحليل، وبالتالي اتسم بالتكيف والتزامن و المرونة مع عديد التغيرات والمستجدات المجتمعية.

– فعّل المسرح الجامعي القيم الإنسانية النبيلة، والجوانب الأخلاقية لدى الجمهور المتلقي، و عمل على تنمية ملكة التذوق الفني، وإثراء الرصيد المعرفي واللغوي، فكان دائما هادفا في مضامينه متنوعا في طروحاته.

-فجر الطاقات الطلابية الشبابية، وأتاح الفرصة لهم لمعالجة مشكلاتهم المختلفة بأنفسهم وبصورتهم، فكان الخطاب منهم وإليهم في كثير من القضايا، وبالتالي أكسبهم صفة التأقلم وشعور تحقيق الذات، كما ملأ فراغ الشباب وأثرى جوانب المتعة والترفيه، وعزز السلوك الحضاري لديهم(***).

-ساهم في إحداث نهضة مسرحية، وطور المواهب فكان المنبع الذي صقل الممثل والمخرج، و السينوغرافي…، على الرغم من عزوف الطلبة عن الانخراط في مجالاته، وقصور النظرة لدوره الفعّال، وتخندقه وغياب المتابعة النقدية لنشاطاته(****).

-مع أن المسرح الجامعي قد اكتسب شرعية الوجود، إلا أنه وباستفاضة يحتاج إلى الكثير والكثير من الاهتمام والعناية، و المطلع على واقعه يدرك أنه بحاجة للدعم المالي لإنتاج هذا الفن، بحاجة أيضا إلى بناء مسارح، ومراكز ثقافية، وقاعات متخصصة، ولتأطير متكامل، حتى يتسنى للطلبة تقديم صورة فعلية للمسرح الجامعي لا للعروض مسرحية(*****).

ومما سبق يمكن القول أن للمسرح الجامعي دور جد فعال في أوساط الطلبة، والمطلع على قضاياه، ومواضيعه يدرك حجم هذه الفعالية، التي تديرها فئة شبانية طلابية قادرة بالفعل على بناء مستقبل واعد، كما يقول الدكتور غسان إسماعيل عبد الحق: « إن كان ثمة كتلة بشرية حرجة قادرة على التغيير الإيجابي، وتمتلك مصلحة حقيقة في هذا التغيير، فهي شريحة الشباب دون ريب، وإذا كان ثمة أداة حضارية ونوعية وراقية يمكن أن تضطلع بتحقيق جانب كبير من آمال الشباب وطموحاتهم فهي خشبة المسرح دون ريب أيضا، وإذا أخذنا في الحسبان أن نسبة الشباب الجامعي في الوطن العربي تكاد تكون الأعلى في العالم العربي من جهة، وأن هناك العديد من التجارب المسرحية الجامعية العربية المتميزة من جهة ثانية، صار في مقدورنا الزعم بأننا على حافة استشراف أكثر الديناميات الثقافية، والاجتماعية الواعدة في الوطن العربي»(23). من هنا وجب الالتفات إليه والاهتمام به .

الهوامش:

1-صالح لمباركية: المسرح في الحزائر، دار الحكمة، الجزائر، ط 2017، من المقدمة، ص 01.

– (*): استندا هنا على ثلة من المقالات في المسرح الجامعي.

2-شيماء سعيد: المسرح الجامعي بين الأسئلة الملحة والإجابات المقترحة، العدد 581، بتاريخ 15 أكتوبر2018، متاح على الرّابط: http://gocp.gov.eg/masra7na/articles، تاريخ الزيارة:27/12/2018، بتوقيت (12:27:03) .

3-ينظر: المسرح الجامعي وقضاياه في العالم العربي،22/10/2018، متاح على الرابط: الهيئة العربية للمسرح: http://atitheater.ae، تاريخ الزيارة: 28/12/2018، بتوقيت (00:12:02) .

4-ينظر: بين شعلة القدر وإصرار الأمل: نشأة مسرح جامعة مصر الدولية، بتاريخ 7 مارس 2017، متاح على الرابط: جامعة مصر الدولية :http://insidermasr.com، تاريخ الزيارة 27/12/2018، بتوقيت (14:01:23)

5-(م، ن).

6-المرجع السابق.

7-نديم المعلا: لغة العرض المسرحي، المدى للنشر، (د، ط)، (د،ت)، ص 07.

8- (م، ن)، (ص، ن)

– (**): تتعدد تسمية الموضوعاتية فتتراوح بين التيمية و الظاهراتية، و الغرضية، و الأغراضية، والجذرية، والمدارية، و الموضوعاتيةthématique، هي ميدان نقدي هلامي تتدخل فيه مختلف الرؤى الفلسفية والمناهج النقدية،)الظواهرية، الوجودية، التأويلية، البنيوية، النفسانية،…)، التي تتظافر فيما بينها ابتغاء التقاط الموضوعات المهيمنة على النصوص في التحامها بالتركيب اللغوي الحامل لها، ينظر: يوسف غليسي: مناهج النقد الأدبي، دار جسور للنشر، الجزائر، ط01، 2007، ص 147.

9-جميل حمداوي:المقاربة الموضوعاتية في النقد الأدبي، متاح على الرابط: https://www.arabicnadwah.com.، تاريخ الزيارة: 27/05/2018، بتوقيت (17:02:00)

10-سعيد علوش: النقد الموضوعاتي ، دار بابل، الرباط 1989، متاح على الرابط:http://www.saidallouch.net، تاريخ الزيارة 27/12/2018، بتوقيت (12:00:23).

11-مسرحية في جامعة جيجل، متاحة على الرابط :https://youtube.com.، تاريخ الزيارة: 29/12/2018، بتوقيت (17:00:02).

12-فلاش موب”flash mob” الأقصى عقيدة. ولاية ورقلة مارس2015 ، متاح على الرابط :https://youtube.com. ، تاريخ الزيارة: 29/12/2018، بتوقيت (17:00:02).

13-عرض مسرحي صامت بعنوان” حماة الأقصى” في جامعة خضوري، متاح على الرابط:https://youtube.com.، تاريخ الزيارة: 29/12/2018، بتوقيت (17:00:02).

15-محسن محمد صالح: القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، (د،ط)، 2012، ص09.

16- إبراهيم الحيدري: سوسيولوجيا العنف والإرهاب، دار الساقي، بيروت، لبنان، ط، 01، 2015، ص 19.

17- ابن منظور:لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، مج4، ج32، مادة (عنف)، ص3132

18-سعاد عبد الله العنزي:صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة، دراسة نقدية، دار الفراعنة للنشر، الكويت، (د،ط)، 2008، ص 19.

19- إبراهيم الحيدري: سوسيولوجيا العنف والإرهاب، ص 17.

20-(م، ن) ، (ص، ن).

21-عبد الله العروي: مفهوم الحرية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، ط05، 2012، ص 06.

22-( م، ن)، (ص، ن).

– (***)، (****)، (*****): يمكن الاستفاضة في أهداف، مشكلات عوائق المسرح الجامعي، من مقال الدكتور عادل شداد: مستقبل المسرح الجامعي في مصر، الذي استندنا إليه في مميزات وخصائص المسرح الجامعي العربي، والمقال منشور على جريدة السلام.

23-ينظر: المسرح الجامعي، 24/08/2012 متاح على الرابط:https://alrai.com/article.، تاريخ الزيارة 27/12/2018، بتوقيت (14:01:23)

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

تذبذب معالم الشخصية البونابرتية من الضعف الذاتي الى الحالة النرجسية

*بونابرت /3/ سكوت 2023/: عقدة نابليون والزعيم المجنون وجوزيفين الساحرة والمعارك الطاحنة ومقتل الملايين وتفاصيل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات