النمو سلسلةٌ من الخبرات التي يتعلّمها الفرد، والتي بموجبها ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، إنّه السيرورة التطورية الدينامية التي تُغطي مراحل حياة الفرد. وتعرفُ نوعاً من الثبات على مستوى بعض السلوكيات( الخجل، الاندفاعية، الانزوائية..}.
ولا يتعلق نُمو الطفل بالتحولات الكمية فقط ( الطول، الوزن، تطور القاموس اللغوي، ارتفاع أو انخفاض درجة سلوك العنف..)، بل يتخطاه إلى أبعاد كيفية (طبيعة الذكاء، طبيعة الميولات والتوجهات والاهتمامات..)، أي: الجانب المعرفي الذي حدّده جان بياجيه (1896م-1980م) في نوعين من المعرفة وهما:
ـــ المعرفة الشكلية/ الصورية: تعتمد على الشكل العام للمثيرات التي لا تنبع من المحاكمة العقلية، وتهتم بالأشياء في حالتها الساكنة وخلال لحظة زمنية ثابتة.
ـــ المعرفة الإجرائية: تهتم بالكيفية التي تتغير بها الأشياء بالانتقال من حالتها السابقة إلى حالتها الراهنة.
جدير بالذّكر أنّ قدرة الطفل على استخدام المعرفة الإجرائية تزداد حسب نضجه ونموّه تاركاً وراءه جوانب المعرفة الشكلية التي كانت مهيمنة على مراحل نموّه الأولى. يحدّد جان بياجه النمو من زاوية معرفية، إذ يرى أنّه عبارة عن سيرورة متواصلة تخضع لتقطيع مرحلي يسير من البسيط نحو المركب، ولقد حدده – عالم النفس السويسري – في أربعة مراحل رئيسة وهي:
ـــ المرحلة الحسية الحركية: تمتد من الولادة إلى السنة الثانية، وتعتبر الحواس مصدر فعل وتعلّمات الطفل خلال هذه المرحلة.
ــ الخارجية في تمثل المواضيع والأشخاص ( الطول، اللباس، اللون..}.
ــ مرحلة العمليات المشخصنة: من ست سنوات إلى اثني عشر سنة، ويصبح النشاط المعرفي للطفل خلال هذه المرحلة عملياً إذ يستعمل العمليات الذهنية في تصنيف الأشياء والموضوعات. ( تصنيف حسب الحجم، حسب اللون..}.
ـــ المرحلة الصورية المجرّدة: اثنا عشر سنة فما فوق، وينبني خلالها تفكيرُ الطفلِ على أفكارٍ ومعطياتٍ مجرّدة، إذ يصير قادرا على التفكير في الأشياء عن طريق التصوّر فقط. ينبغي أ لا نغفل أنّ مراحل النّمو هذه تتحقق بفعل التفاعل مع المجتمع، فنموّ الطفل داخل مجتمع واعٍ، مثقف، ومدرك لما له وما عليه ( الحقّ والواجب) يزيد من مستوى ذكائه، حيث أنّ النّمو الاجتماعي للطفل يؤثر في نموّه الأخلاقي واللغوي، فاللغة تكسب الطفل المهارات والعبارات الاجتماعية الأخرى، بينما يضمن النمو الأخلاقي البنى المعرفية للطفل من قبيل القيم و التمييز بين الصواب والخطأ وبين الأخلاق واللا-الأخلاق. وتتم عملية التأَثُر وفق عملية تسمّى بالتكيف، وذلك عبر ثلاث عمليات وهي:
عملية الاستيعاب: ( Assimilation)
يجد الطفل ذاته أمام معطى جديد، فيسعى لاستيعابه بشكل من الأشكال عن طريق الملاحظة والتمييز والتعرف والفهم.
عملية المواءمة: (Accommodation )
يسعى الطفل إلى تغيير معلوماته ( معرفته السابقة) بناءً على درجة استيعابه للمعطى.
عملية التوازن: (Equilibration)
يُشكّلُ الطفل بهذه العملية بنية ذهنية تتلاءم مع كلّ التجارب/ المعطيات الماضية. بناءً على ما سبق، فإنّ قدرة الطفل على الانتباه تنمو ابتداءً من سن السادسة وتتطور ما بين السادسة والثامنة من عمره، وفي هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى الإكثار من التوجيهات والنصائح الشفوية التي تتعلق باهتمامات الطفل وحاجاته النفسية، وعلى المربي(ة) أن يأخذ بعين الاعتبار الفروق الفردية بين طفل وآخر، كما ينبغي أن يُوجه الطفل وأن يتعرف على متطلبات النمو المختلفة العقلية والفكرية قصدَ إكساب الطفل الثقة في النفس وإقداره على الاعتماد على النفس، وهو أمرٌ سيسهل عملية التربية/التعليم.
هكذا إذن، فنموّ الطفل لا يتوقف عند مرحلة معينة بل هو جزء لا يتجزأ من طبيعة الإنسان التي تتطور بشكل لا متناهٍ حتى آخر العمر. ومن اللازم أن يكون المربي(ة) مستوعبا لخصائص ومراحل نمو الطفل، فالطفل يولد مجهّزا بعدة ميكانيزمات طبيعية للتّعلم، والمربي(ة) يتدخّل لتفعيل هذه الميكانيزمات، فلنكن على قدر المسؤولية ولنعطي أطفالنا كل ما نستطيع، لأنهم أمل المستقبل وهم من سيرثون فكرنا وتربيتنا.
لائحة المراجع والمصادر:
ـــ جان جاك روسو، إميل أو في التربية، ترجمة: نظمي لوقا، تقديم: أحمد زاكي محمد، الوكالة العربية للطباعة والنشر، يوليو 1958، ط1، القاهرة.
ـــ جان بياجيه، سيكولوجيا الذكاء، ترجمة : يولاند عمانوئيل، عويدات للنشر والطباعة، د.ت، ط2، بيروت-لبنان.
ـــ شيرين لبيب خورشيد، مقالة في خصائص النمو العقلي للطفل، 2018، د. ت.
ـــ موريس شربل، التطور المعرفي عند جان بياجه، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1986، ط1، بيروت.