راقبوه ولم يراقبهم ولن يراقبهم ، فقد حدد مساره واستقام..الاستقامة تقتضي عدم الالتفات بلا هدف…دخل مأواه البعيد عن مساكنهم المتلاصقة ، وأخذ كتبه واصطفى منها الكتاب الجديد الذي اشتراه أمس ، فتحه وأخذ يقرأ مقدمته بتؤدة وإذا بالباب يقرع ، نهض كي يفتح الباب متسائلا عمن جاء يطلبه في منتصف الليل ، تبادر إلى دهنه أنه لص أو نصاب يريد قرضا أو صدقة لكنه استعاذ الله من الشيطان الرجيم “يجب الّا نحكم على الناس بلا بينة ولا حجة ظاهرة…
وأخيرا فتح الباب ، ويا للمفاجأة ، إنها فتاة ، وإنها جميلة لكنه لم يكن قدرآها قبل الآن..حدق فيها قبل أن ينطق بينما أطرقت ببصرها مطأطئة رأسها وتنتظر بدورها أن يبادرها بالكلام …أراد أن يفتتح الكلام فتلعثم وارتعشت ركبتاه حين رفعت وجهها البهي كي يقابل عينيه ، وجه فريد ، عينان واسعتان…أراد أن يتحدث واضطرب وكاد أن يعود إلى غرفته مغلقا دونها الباب ،حاول أن يهدئ من روعه واضطرابه فابتسم ابتسامة مشوبة بالخوف والدهشة ثم قال لها : مرحبا ، ولم ترد عليه ، أراد أن يضيف كلاما لكنه ظل عاجزا..ظل يراقبها وقلبه ينبض بسرعة بينما الفتاة تتحرك لتغادره ، لكنه مد إليها يده كي يحاورها بصدد غرضها من المجيء لكن اليد لم تصله وهي منصرفة عنه لتختفي توا فلم يعد يجد لها أثرا في المكان..أراد أن يغلق الباب وتراجع ليخرج متلفتا هنا وهناك دخل وعاد بمصباح يدوي وأخذ يبحث في المكان أكثر من ساعة وعاد إلى غرفته ونام ، والكتاب ينتظر قراءته ، ولم يستفق حتى منتصف النهار .
حين استيقظ وجد نفسه ما يزال مفتونا يتراءى له وجهها البدري في زوايا الغرفة ، شعر بالجوع وفي طريقه إلى المطبخ كان يحدث نفسه ” وهل تعرفني ؟ وأين ؟ ولماذا تأتي إلى بيتي وفي هذا الوقت ؟ ما الذي تنتظره مني ولم أقله ولم أفعله ؟ اصطدمت رجله بإبريق فأحدث صوتا مدويا ثم أخذه ووضعه على الرف وبحث في الثلاجة عما يأكله ولم يجد شيئا وانتهز فرصة الذهاب إلى المتجر البعيد كي يراقب الغادين والرائحين لعله يجد الفتاة …خرج وكله شوق وفضول من أجل ملاقاتها…في الشارع حيث حانوت البقال تراءت له الفتاة بنفس ملبسها وملامحها وراء زجاج حافلة ، أشارت إليه بيدها فانتابته خلجات غامضة واستبدت به الدهشة واضطرب وكاد يسقط …عاد إلى غرفته ولم يفارقه التساؤل عن هدف الفتاة وهل ستعود أم لا.