من تذوق حلاوة العيش، وعب من متع الحياة لن يستطيع التخلي عن ذلك ولو ببيع روحه للشيطان.”
أيقظها سقوط المطر بباحة منزلها من نوم عميق رأت فيه نفسها نجمة وحيدة. قامت بلباس النوم الوردي والشفاف. وحملت مكنستها لتبعد الماء من حمق الطوفان.. لم تعبأ بالبلل وقد صير فستانها يلتصق بجسدها ويظهر كامل تفاصيله؛ فذلك من مقومات الشغل؛ فلن تعتمد على المروحة كغيرها لترفع تنورتها.. الطبيعي أشد إثارة قالت في نفسها. بقيت تدفع الماء برقصة الردفين البارزين.. ولما انتهت. نظرت إلى أسفل الشريط تعد كم المتابعات…وتقاطر اللايكات والجادورات الحمراء كالدم. ..
تابعت بعض العروض. ووجدت جرأة في عرض المفاتن. عدد المشاهدات حمي بين المتنافسات واشتعل اوار الحسد، وتناسلت النميمة، وعلا عبق الغيبة وطعن الظهر. كل واحدة تريد ان تكون الأولي، لكن، هيهات، لن يصلن مستواها ولن يبلغن كعبها العالي في المجال؛ لقد صارت محترفة، وتعرف كيف تشبع وتظمئ المتابعين لها، وكل واحد يراسلها عسى يحظى بانتباهها، مستعد لتقديم ما تشاء من قرابين، يبعث لها بأموال محض إرادته، فقط للحصول على ابتسامة، أوكشف صغير…
تتذكر، وهي تقود سيارتها الجديدة التي اشترتها بحر جسدها، ذلك اليوم الذي قدمت فيه صديقتها لزيارتها التي تسارعت بعد وفاة زوجها وقد ألقت نظرة متفحصة على البيت وأجزائه، فراعتها برودته، وشدة رطوبته، وتواضع أثاثه، وعلى تفاصيل جسدها الريان بدقة محلل نصوص أدبية:
ضحكت بملء روحها حين تذكرت ما قالته لها :
حرام هاذ الزين يضيع باطل!
ثم همست لها بكلمات في أذنها، جعلتها تنتفض رافضة، ردت عليها:
ويلي ويلي، كوني تتحشمي…
سرعان ما لانت تقاسيم وجهها، وتلاشت شحنة رفضها، لتعير الكلام كامل انتباهها، وهي تتابع باهتمام بالغ فيديوهات لفتيات ونساء يستعرضن بنوع من التعفف الهش، أجسادهن في شبه عري، يتعمدن الكشف والتغطية، الإظهار والتورية، تحريك الجسد بليونة وبشكل متعمد، وبخاصة الأرداف، قالت لها:
شوفي شنو تيديرو، وراه تيدخلو بيه بزاف دلفلوس، وتابعت حاضة ومشجعة، وأنت أرملة شابة، وراجلك ما خلا لي غير شوي دلفلوس من خدمتو البسيطة، وحرام تخلي زينك ياكلو البرد والوحدة، ديري بحال هادو وعمرك تندمي. وزايدون، ما تخليش وجهك يبان، وما توري غير شوية من لاطاي ديالك، وها نتي جبتي بزاف ديال المتابعين ويزاف دلفلوس.
قالت لها مستفسرة: وهل تقومين بذلك؟
تبسمت قائلة:
باين عليك ما عرفتينيش، راني مولات لقميص الصفر، واللثام لكحل!
وايلي، والله ما عرفتكش ألعفريتة، عارفة شغلك مزيان..
بصح، وتندخل منو مصريف.. شوفي شحال من واحد متبعني..
واخا، مزيان، علميني كي ندير…
مرحبا، راني علمت بزاف دلبنات، وكلهم فرحنات..شتي ديك البرهوشة ديال بنت الجيران اللي حدايا، عرفتيها؟
عرفتها، ما لها؟
بنت لحرام، عرفتني، وهددتني بالشوهة إلى ما علمتهاش كي تدير، شوفي لبسالة وقلت العراض!
واش شنو درتي؟
والو، علمتها وسترت راسي..
ومن بعد تبعتها، لقيتها تدير الزبايل، وعاجبها راسها حيت اللي تيتبوعوها بزاف… ديال لمكابيت. راه الكبت اللي مربحنا..
لقد كانت صادقة في قولها، قالت في نفسها، وهي تتابع عدد مشاهدي فيديوهاتها التي ازدادت ارتفاعا مع تزايد جرأتها، وتحسنت حالتها المادية.
نظرت إلى نفسها في المرآة، فتنها جمالها، حررت شعرها من سجن المقابض، فتناثر كشلال زادها بهاء، شعرت بزهو، رمت بملابسها بعيدا لتدقق في كنزها المخبوء، يا ألله، كم أنا جميلة، ذات قوام ساحر، فخاطبت نفسها قائلة:
“أنت امرأةٌ فى منتصف الوردِ
وفى ريّعانِ الشمْسْ”*
تعلمت بسرعة الحرفة وأسرارها، فصارت محترفة، تعرف ما تظهر وما تخفي، وتتعمد الإثارة، لا تعمل وفق منطق الأخريات، كتلك التي تتعمد وضع مروحة خلفها لترفع تنورتها وتظهر خلفيتها السمينة، وكأنها لم تقصد ذلك، ولا كمثل تلك التي ترتدي لباسا أبيض شفافا ليظهر تبانها، وتعلم أن فم الرجال يتحلب وينتظر مزيد عري وإظهار، أو مثل تلك التي تفصل ردفيها بثوبها حتى تبرزان للعيان، وكأنهما طودان، أو تجلس على كرسي لتغسل الثياب وتظهر تبانها وما يخفيه، وما يخفيه أقل مما يظهره…
لا، ستكون طبيعية، وجمالها الأخاذ سيكون شفيعها، ترتدي تنورة، لا ترتفع أكثر من اللازم، وتظهر من شق فستانها الشفيف، فخذيها الفاتنين، وها نسبة المشاهدة ترتفع، والمدخول أيضا..
تنامى رصيدها، ثم خبا، سيف الحسد لا يخطئ موطئه!*من ديوان: أحزان شجرة مسنة، لعزت الطيري، مجلة الكلمة، عدد يناير سنة 2021