“تحت ظلّ النسر”محمد عيد إبراهيم/مصر

رأيتُ الناسَ تمشي تحتَ ظلّ النِسرِ،

والنِسرُ لاهٍ بجِيفتهِ.

جلستُ أكتبُ عن مستبدٍّ عنيف،

فتبدّى أمامي غيرهُ، مستبدٌّ لطيف.

بعدَما شرِبتُ الشاي، قمتُ من مكاني، فزعاً،

كنتُ أنويَ أن أنحني، صاغراً، تحتَ ظلّ النِسرِ،

مثلي كغَيري، لمَ لا؟

أغَضاضةٌ أن أُنزِلَ السِروالَ أسفلَ ساقَيّ،

من بَولي، غيرَ نادمٍ،

فالنِسرُ لا يُعوِزهُ أن نعومَ في سلامٍ،

بل يتمنطقُ بندقيةً.

انتهكَ النِسرُ خيالي، ولم أعرف مَن منا الموجَب،

هكذا أَحِنّ إلى سماءٍ سوداءَ، فمِعدتي نازفة.

ضربَ “ديكارت” مِقعدَ الوعي ببوزِ حذائهِ،

“لا تفكّر، فالنِسرُ موجودٌ!”

المستبدُّ العنيفُ من دونِ وجهٍ، يتلمّسني

كالأعمَى السعيدِ،

لكن المستبدّ اللطيفَ ببالي، كالوعي النظيف.

*

راودتُ أن أكتبَ عن مستبدٍّ، عنيفٍ، قتلَ وحرقَ ويَتّمَ؛

لمّا بانَ فجأةً من مستبدٍّ، لطيفٍ، مثلثٌ!

امرأةٌ على فرَسٍ، وقد سالَ من كِتفها لحمُ الحريرِ،

بفتحةِ الكِتفِ عن الكِتفِ مالَ،

مربوطاً بخيطٍ رفيعٍ لحَمّالةٍ بيضاءَ،

كالفجرِ بين اللّيلِ ونقيضهِ،

تضمُّ ما خلقَ اللهُ من كَنزٍ بريءٍ،

كلّه بياضٌ، لا يُحصَى، أليمٌ، كالبحرِ وقتَ الغروبِ

وحشيٌّ، كأنهُ برِياشِ “كاندنسكي”،

من أفاعيلَ يلتفّ إلى خطوطٍ ودوائرَ،

معَ بعضٍ من معجونِ طرفِ الثدي طافَ

إلى هُيامهِ، كالخَلِيّ بالحَجَرِ المُحرّمِ، أو

ناقةٌ سابَت بينَ أضلاعِ الفَلاةِ، فلم أرَ غيرَ سَنامٍ مَكِين،

بأعلَى الترائبِ (انظُرِ الحاشِيةَ)،

فتذكّرتُ ما كانَ مِمّن ثارَ في “الثورةِ”!

*

لو كانَ المستبدّ لئيماً، لما بانَ في الأزرقِ

لو كانَ المستبدّ عظيماً، لما حنّ في الأحمرِ

لو كانَ المستبدّ من دونِ كابٍ أو سلاحٍ،

لما اتّكا هكذا، وبكَى…

قلتُ: قتلَ وسفكَ وسَفحَ،

صَبّ وأهرَقَ

فأراقَ ونثرَ ولَمَّجَ،

فالتَهمَ بأطرافهِ ككثيرِ الجِماعِ

وقد جاشَ، طمحَ وصلَّبَ،

شقّ فأوسَعَ

رادَ وأرادَ،

حامَ فعامَ،

نهَسَ ونهَشَ،

ارفَضّ، ثم انقضّ

ارتوَى، وارتَعدَ

تعاقبَ وارتهزَ

على بابِ إستهِ النِسرُ يلغو،

نفَضَ وفرَّخَ،

فأذكَى وشوَى،

فأعانَ خائنةَ الأعينِ وما في الصدورِ، آهٍ

فلنَعُد للتَرائبِ (وأُذكّركُم: الحاشِيةَ، الحاشيةَ)…

*

أنّى للمستبدٍّ اللطيفِ أن يلتحمَ، في خيالي، بالمستبدِّ العنيفِ،

المستبدُّ اللطيفُ ناعمٌ نامَ في صفحةِ الكِتفِ

خليٌّ، لا يبالي أن يُرَشّ حتى بدَمٍ!

المستبدُّ العنيفُ يبولُ على جِيفةٍ، فجأةً، وهي بينَ مَخالبهِ

شهوةُ المستبدِّ اللطيفِ ضدّ ظلامِ الأبَد،

شهوةُ المستبدِّ العنيفِ تأكلُ وعيَ الأبَد…

*

بانَ بَرْقٌ من لحمهِ، وتشظّى، في المثلثِ،

ليتَ أني أموتُ فِداءَ المستبدّ اللطيفِ.

أقسَمَ حاملُ النِسرِ أن سيعيشَ معي 40،

وقبلما أنحني، مِلتُ أهمسُ: في رحابِ الله!


الحاشية: (عن لسان العرب، القرآن، الحديث، وغيره)

ـ أثَرٌ: خلقَ اللهُ التُربةَ في السبتِ، والجبالَ في الأحدِ، والشجرَ في الاثنينِ.

ـ بالحديثِ: احْثُوا في وجوهِ المدّاحِينَ الترابَ.

ـ بالحديثِ: ولِلعاهرِ الحَجَرُ. يقصدُ الترابَ.

ـ التُّرابةُ لا تُدرَكُ بالنظرِ، إلا بالتوهّمِ.

ـ أبو ذؤيبُ: فصَرَعنهُ تحتَ الترابِ/ لكلّ جنبٍ مَضجَعٌ.

ـ ابن بُزْرُجَ: كلُّ ما يصلُحُ مَترُوبٌ، كلُّ ما يَفسَدُ مُترَّبٌ.

ـ فاطمةُ بنتُ قيسٍ: رجلٌ تَرِبٌ، لا مالَ لهُ، أو افتَقرَ.

ـ أترَبَ: كثُرَ مالهُ، وقِيل: قلّ مالهُ.

ـ أترَبَ: استملكَ العبدَ 3 مراتٍ.

ـ التَترِيبُ: كثرةُ المالِ، وقلّةُ المالِ أيضاً.

ـ المُترِبُ: الميسورُ، والمُترَبُ: المُعسِرُ.

ـ تَرِبَت يداهُ: لا أصابَ خيراً.

ـ بالحديثِ: اظْفَر بذاتِ الدينِ، تَرِبَت يداكَ، ظاهرهُ العذابُ وباطنهُ الرحمةُ. أو: وإلا تَرِبَت يداكَ.

ـ بالحديثِ: تَرِبَ جبينُكَ. من السُجودِ.

ـ بالحديثِ: تَرِبَ نَحرُكَ. فتموتُ شهيداً.

ـ الترائبُ: أعلى النُّتوبِ، النهودِ.

ـ الترائبُ: 4 أضلاعٍ مِن يَمْنةِ الصدرِ، و4 من يَسْرةِ الصدرِ.

ـ الترائبُ: اليدانِ والرّجلانِ والعَينانِ، مفردُها تَرِيبَة.

ـ بكتابِ اللهِ: عُرُباً أترابا، حِسَاناً وأمثالاً. أو: العجائزُ العُمْشُ، عواشقُ أزواجِهنّ، يُبعَثنَ يومَ القيامةِ أبكاراً، في 33.

ـ يَتْرِبُ: مِن العَماليقِ، ولم تسكُن العماليقُ يَثرِب.

4/11/2013

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات