عمّان –
يقدم قاسم توفيق في روايته الصادرة مؤخرًا “جسر عبدون” بانوراما سردية ترتحل خلالها الشخصيات عبر أمكنة متعددة، وتتداخل فيها الأصوات والمصائر، جاعلة من الواقع مسرحًا تجتمع فيه النقائض ذات السمات الشخصية والإنسانية على حد سواء.
وجاءت الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 352 صفحة من القطع المتوسط، وقدَّمها الكاتب في عتبة الإهداء إلى والديه، واصفًا إياهما بأنهما: “أول الأبرياء الذين عرفتُهم على الأرض”، وظهرت فيها رمزية “جسر عبدون” بوصفه أفقًا ممتدًّا تتناثر عند تخومه الأحلام، وتتبدد أو تلتئم حيوات الأشخاص الذين يحملونها.
ووُصفت الرواية على غلافها الأخير بأنها: “تضجّ بالرّغبات وجرأة الاقتحام والاكتشاف والتّفتّح. تحاول أن تحتفي بكلّ ما في الحياة من جمالات وانتصارات ومُتَع وأفكار نبيلة، دون أن يُغمِض الكاتب عينيه عمّا يسودها من فسادٍ وخيباتٍ وانكساراتٍ وفجائع”.
أما سماتها السردية فكانت: “بانورامية ممتعة، تحضر فيها سِيَرُ شخصيات تخوضُ مغامراتها على مسرح واسع للأحداث بين مكانين: “الدّفّة” التي بنتها مخيّلة الكاتب من واقعٍ لا يقلّ غرابة وخيالاً، و”عمّان” المنطلَق والمُستقَرّ لرحلة الآلام والتحدي. أدباء وعلماء.. آباء وأمهات.. بنين وبنات.. حلّاقون وعمّال تنظيفات.. قوّادون ومُشرّدون..”.
وجاءت تلك السمات البانورامية من المدى المكاني الواسع الذي تحركت خلاله الشخصيات، فارتحلت بين عمّان والقاهرة والخليج العربي، الأمر الذي مكَّن الكاتب من تقديم عوالم إنسانية متعددة، والإطلالة على ما يملؤها من أحلام ورغبات وقيم، لتُظهِر الصراعاتُ تلك الجدلية الإنسانية التي يكتنف وجودَ الإنسان خلالها خليطٌ من الخير والشر، والإصلاح والفساد.
تقول إحدى شخصياته في لغة كاشفة: “لطالما تساءلتُ: كيف يتنامى الحقد في الناس بسرعة صاروخيَّة، في حين أنَّ الحبّ لا ينمو فيهم إلّا بصعوبة وبطء وتثاقل؟ المخبرون الذين كانوا يرمقونني بحقد لم يُفزِعوني، ولا آلمتني حركاتهم العنيفة التي كانوا يفعلونها بي بتشفٍّ وكره.. فزعي كان من عدم فهمي لما يجري، وجهلي التّام بسبب انفجار حقدهم عليّ واشتعال غيظهم في وقت قياسي قصير لا يتجاوز دقيقتين أو ثلاث من وقوع عيونهم عليَّ. لا أريد أن أصدق أنَّ الحقد يولد معنا، لأنه إن كان كذلك فالحبّ يجب أن يولد معنا أيضًا.
وكشفت الرواية انعكاسات الآليات الاجتماعية المعاصرة، الناجمة عن تطورات العصر وعولمته، على بنية الإنسان الذهنية، وموقفه من العالم. وهو موقف يدخل إلى أعماق الإنسان ليحلل عوالمه السرية، والطريقة التي تتركب بها شخصيته في المسافات الفاصلة بين ما تسرّه نفسه وما تعلنه.
يصف قاسم توفيق إحدى شخصيات روايته قائلًا: “شيء ما في داخله ظلَّ يعوقه عن الخلاص من الأزمة التي تلبَّسته دون أن يقدر على فهم كنهها، أو فهم أنّه إنسان مأزوم أصلًا. لم يكن يدرك أنَّه يعبر نفقًا لا ضوء فيه، ولم يعرف أنّه يكابد عناء اجتياز أيام العمر المتنكِّرة بالاعتيادي والضروري والطبيعي لتخفي في ثناياها السأم الموحش. انهالت عليه أحاسيس مُضطَربة ومُشتَّتة دفعة واحدة، أحسَّ براحة مُبهمة لأنَّ “سارة” أخلفت موعدها.. لقد منَّت عليه بأنّها أراحته من البحث عن الكلمات الحلوة التي يقولها ليفرحها ويحزن هو. فكّر أنّها أهدته شيئًا رائعًا؛ خلافًا يريحه أيامًا من لقائها أو الكلام معها. تلك الحقيقة التي انتزعها من نفسه كانت بداية أخرى لجنونه”.
ومن الجدير ذكره أن قاسم توفيق وُلد عام 1954، وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية عام 1978. وقد حصل على جائزة كتارا للرواية العربية (2018) عن روايته “نزف الطائر الصغير”. وأصدر مجموعة كبيرة من الروايات والمجموعات القصصية خلال الفترة الممتدة بين العامين 1987 و2021، كان آخرها حانة فوق التراب (2015)، و”ميرا” (2018)، و”نشيد الرجل الطيب” (2020).