تبدو الكتابة الأدبية في زمن المحنة معاناة شائكة، لأنها قائمة في لحظة مفارقة بين المرجعي والأدبي،مايكتبه “حامد فاضل” التفاصيل اليومية للناس وطقوسهم ومخاوفهم،رحل عن عالمنا ، بعد عمر في إثراء المشهد السردي العراقي بنصوص مؤثرة ، باتخاذ مدينته “السماوة” محوراً لأعماله، ولذلك عُد من أبرز المثقفين والأدباء المهمومين بألمدينة، وسلط في كتاباته الضوء على التاريخ الشعبي للسماوة من خلال مواطنيها المهمومين العاديين البؤساء، فجاءت أعماله مكتوبة بدموع هؤلاء المطحونين.
مفارقة
نحن أمة تقتل أبناءها
وتسمي الشوارع بأسمائهم
لعل هذا التدفق في متابعة الحدث جعل جملته السردية قوية، وجعل شعرية نصه متأتية من معرفته بأصول فن الكتابة الذي ليس من مقوماته شعرية اللغة بالتأكيد، بل من ربط الوثيقة باللحظة السردية، وبالحفر في هوية الفرد في مقابل هوية الجماعة،
الجبابرة
أيها الفقراء
الذين أتشرف بالانتماء اليهم
كيف يرضى الجبار الكبير
أن يتحكم بنا صغار الجبابرة
وقد أعاد الكاتب الأحداث والأماكن في نصوصه بمسميات مختلفة وأماكن متخيلة، ولأنه ولد فيها، سيكون له دور ملموس في ملامسة الأحداث المتخيلة ، وبناء عليه يسهل على القارئ التعايش مع أحداثها وكأنه واحد من شخصياتها.
صورة
بين الهتاف وبين التصفيق أزاحوا الستار عن الصورة .. بعد حين ، طفل منتفخ البطن حافي القدمين ، قرفص قدام الصورة ، وأقام مأدبة للذباب .
يحدثنا الكاتب عن الهوية الضائعة والمشتتة في زمن الحرب ، يصوّر واقع حالها، ليرسم مشاهد عبثية الحرب وتاثير ذلك على المجتمع وناسه بالتزامن مع القهر الذي يجدون أنفسهم فيه. وهي بذلك جامعة للتناقضات، ومعرّفة بالذوات أيضاً.
شجرة
في الحرب حوّمت طائرة فوق شجرة .. بعد الحرب حوّمت حمامة فوق برعم ينبئ عن شجرة
طابوقة..
تنفتح تلك الصوص على زوايا معتمة في البلد وفي حياة أبنائه، وعبر اليوميّات التي تقتفي بذور التمرّد وتلتقط انعكاساته على الواقع، حيث يكون كلّ نصٍّ تعبيراً عن مشهد ما في حياة البلد، سواء في القرية أو المدينة،
قبلات
كنت في زمان مضى أحب القبلات حين تطبع فوق يد طاهرة .. ولكنني أحس بأن لها اليوم طعم البصاق ، لأنها تطبع فوق كل يد آثمة
من يطلع على نصوص الكاتب يُلفت نظره هذا الشجن الشفيف الذي يتسرب إلى نصوصه، ويُشكل أفقا جماليا يسهم بقسط كبير في بناء متخيلها، وتجسيد رؤية كاتبه إلى الحياة وإلى ما يجري من حوله. ونظرا إلى الحضور المميز لهذا البعد الدلالي وإيحاءاته وظلاله في شعرية الحكي,,
رسالة
وطني الحبيب
أكتب أليك من قلب يعذبه الشك
دلني أيها العزيزعلى بقعة أرض
لم يدنسها المنافقون
كي أصلي عليها بقلب مطمئن
نرى سحر الشجن يحكم النصوص من خلال تفاصيلها وجزئياتها، ومن ثم الكاتب يمنحه صبغة عذبة، وإيقاعا هادئا، يختزن في طيه توترا جليا ينبئ عن معاناة الذات وإحساسها بوقر الحياة. وتتواتر مثل هذه الصور التي توحي بشجن شفيف الى ذات المتلقي..
صحوة
لو عاد الشهيد الى الحياة
لرفض أن يستشهد من أجلنا
مرة ثانية
يجهد الكاتب لكي يوصل تجلياته إلى المتلقي. ولا يخفى على القارئ أن سحر الشجن الثاوي في هذا المقتطف يجعل من الصور التي نقف عندها صورا ممتدة بحكم أنها تتقاطع في رؤاها ودلالاتها مع صور سابقة في نصوص أخرى لاحقة عليها، مما يعني أن هذه السمة الفنية تسربت إلى نسغ الصور الفنية في نصوصه من ألفه إلى يائه.
حلم
لي أب عاش ثمانين عاماً
يحلم أن يمتلك قطعة أرض
وحين مات
دفن في مقبرة لا تملكها العائلة
ولا يسعنا في خاتمة هذه القراءة في نصوص الكاتب وكأنها الخلاصة والنتيجة التي وصل إليها الكاتب عبر تجربته وما مر به هذه الحياة من أفراح وأتراح ينفضها عنه كغبار ليتوحد بذاته، ليكون معها، ليكتب هواجسه،أن يتشبث بوحدته التي تمكنه من الرجوع لأناه. وبهذه الشاكلة ينتصر للحياة ولمحبة الحياة. وبهذه الكيفية نجد أن هذه الصورة لا تخلو من شجن يلقي بظلاله على المشهد الذي يصوره، وأن الأمل ينبثق من اليأس، وأن الفرح يأتي بعد خيبات الأمل …