عمَّان –
يتنوَّع عالم هشام مصطفى في ديوانه “فصل أخير من كتاب الغربة” بين عوالم الحب والوطن والأصدقاء بما فيها عالم الشعر ولا سيما التساؤلات، وهو ينضح مثلما يشي عنوانه بمذاق بالغربة، ويبدأ أولى قصائد الديوان حذرًا ومتخوِّفًا من حضور الشتاء، الذي لا يحمل في رأيه سوى الجمود والقسوة، فاتحًا أبواب التساؤل التي لا تنتهي.
وجاء الديوان الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، في 128 صفحة من القطع المتوسط، ضامًّا 31 قصيدة، أبطالها التساؤلات والغربة والشعر والحب، والقلب العاشق حتى متاهات القصيدة، متمسكًا بنبرة صوفية تتبدَّى غير مرة بين أجواء الديوان، فيبدأ قصيدة “تراتيلُ في حَضْرَةِ الغيابِ” قائلًا:
تَأْخُذُني الْقَصيدَةُ الْحُبْلى إلى حَيْثُ الْبَعيدْ
حَيْثُ الْمَنافي لَمْ تَزَلْ
تُلْقي بنا
إلى حَوافِّ التِّيهِ في جَوْفِ الْمسافاتِ الَّتي
تَنْحَتُ فينا وَجْهَها الْمَشْقوقَ مِنْ طولِ الْمَدى
تَصُبُّ في مَدائنِ النِّسْيانِ مِنْ قَيحِ الخُطى
ذاكِرَةَ السُّؤالِ والْجُرْحَ الْعَنيدْ
تَسْكُنُني/ أَسْكُنُها
تَمْلِكُني/ أَسْجُنُها
تَعْصِفُ بيْ
حِينَ انْتهاء الْفِكْرِ
مِنْ غِوايَةِ السَّطْرِ الشَّريدْ.
وهو في قصيدة “على حوافِ الغوايةِ” يطرح عددًا من الأسئلة الحيرى التي تشغله ليل نهار، حتى إنه يتساءل عن جدوى القصيدة وفحواها، وماذا قد تحمل بين سطورها وأحرفها:
ماذا تخبِّئ في السُّطور قصيدتي
غيْرَ الْترانيمِ الْمُهلْهَلِ حرْفُها؟!!
أدَرَتْ رياحُ الشِّعرِ
أنَّ سفائني ثكلى وأنَّ شِراعها
قدْ مَزَّقتْها ـ منْذُ أنْ رحلتْ ـ أساطير الضلالْ
…
ما عُدْتُ أدْري
أيَّ شيءٍ ترتوي
مِنْهُ الْحروفُ لكي تعانقَ أسْطري؟!!
لِتُعيدَ رسْمَ خرائطي
لِتُحَطِّمَ الْجُدْرانَ حتَّى يكتوي
جُرْحي بما يحوي الوريدْ
أدمي أمِ الْحُلْمُ الْمُشَظَّى
في مَنافي العُمْرِ أمْ
وجعُ القصيدْ؟!!
وفي قصيدة “هَكذا حدَّثني الشِّعرُ” يلمس جرح غربته خفيفًا، متوحِّدًا بكلماته وحروف قصيدته فيقول:
وَحْدي هُنا…
في دَرْبِ غُرْبَتِنا الَّتي
خَطَّتْ خَرائِطَ أَحْرُفي
لا زادَ أحْمِلُهُ سِوى
وَرَقٍ تَهَلْهَلَ في حقائِبه
تُعانِقُهُ مُنًى
ولهى إلى الْمَسْجونِ في
جُبِّ التَّشظِّي والسُّطورِ
ويختتم الشاعر هشام مصطفى ديوانه بقصيدة عنونها “دالية إلى عُمان” يعلن فيها عن امتنانه لذلك البلد الذي احتواه قلبًا وقالبًا لفترة زمنية عنوانها الراحة والود وجميل الوصل، ويفتتحها بقوله:
سلامٌ مِنْ بِلادِ النِّيل يشدو بِحُبِّكِ يا عُمان زَجاهُ وُدُّ
وَحَرْفٌ قَدْ سَقاهُ البُعْدُ دَمْعًا سرى وَقْدًا لِشَوْقٍ لا يُحَدُّ
ويأْخُذُني الحَنينُ إليْكِ دَوْمًا وَيُسْكِرُني إذا ذِكْراكِ تَبْدو
وصَحْبٌ مِنْ صفاءِ الوُدِّ صُغْنا جَميلَ الوَصْلِ لِلْأحْداثِ صَلْدُ
رجالٌ لا تَرى مِنْهم جفاءً يُخالط وَصْلَهمْ طيبٌ وَوَرْدُ.
ومن الجدير ذكره أن الشاعر هشام مصطفى شاعر مصري حاصل على ليسانس اللغة العربية والدراسات الإسلامية ـمن جامعة القاهرة، عمل مشرفا سابقا لمادة اللغة العربية في وزارة التربية والتعليم في سلطنة عمان. وهو عضو جمعية الكتاب والأدباء العمانيين وعضو جماعة أبولو للشعر الحديث في القاهرة.