ذاكرة المكان في نص ” مرت بجانبي”
من رخويات الكلام ألا تنافس الفكرة في عدا ما يقدمها مغلفة بالمعنى القريب جدا من الأذهان، لا أقول العصي، بل المتمنع وزئبقي المنال لكنه في الوقت ذاته ،يمتلك قابلية الاشتعال ليثمل الجوارح والذائقة ويغذي وينير العقل، لدى أدنى احتكاك تأويلي يروم استنباط الشعرية الكامنة وقد هذبها اختمار التجربة وعتّقها الوعي العميق بالمعاناة.
حين يمتزج الدم بالفعل الإبداعي ويزبد وجع المكان حدّ التمكين للذات من شتى ألوان التحول في توا شجه مع الطقوس الخاضعة لهيمنة ذاكرة المكان.
هي فذلكة تنزلق بالمتلقي إلى مقاربة صوت نسوي مغربي واعد،ألفت صاحبته أن تتحفنا بسهلها الممتنع وتأسرنا بما يفضح صمتها داخل غرف البوح المتضوع بسحر بلاغة العاطفة الصادقة والحس الإنساني الجياش وبمنظومة ما به تنبض ما ورائيات البياض عموما.
هي كذلك شاعرتنا الرقيقة بثينة هيلالي كريران ، و هي تذهب في قليل كلامها المستحوذ على حيز الحماسة الرصينة وغير المندفعة، بالمقدار الصانع من الذات الإبداعية فوق ما يدهش و يميط أقنعة المشهد على هامة إرباكية ذات ميزة وخصوصية تغشى أطوار التلقي وتغدو ظلالا له وذاكرة حية مقيمة في عبور المكان.
تحمل الحياة بداخلها..
سيدة لا استطيع القول
أنها جميلة أو العكس
لم أنظر إلى وجهها
و أتملى قامتها
لكن رونق ما تحمل
يتطلع إلي بعينين مغمضتين
عينان لم تعلمهما الحياة
أن لهما أدوارا أخرى
غير النظر و الرؤيا..
هذه لوحة مغيبة ، هنا لحظة اقتناص تفاصيلها المحيلة على حقول دلالية عدة، التوقيع على لذاذة ما تقترح من صور ومظاهر للألم المكبوت في عناقه الكوني للحلم كبوابة للمضي قدما دونما التفات واهم إلى ما يعطل عجلة إنشاد الأفضل.
عوالم يشي بسيط القول أنها غامضة وتعج بالأسرار، علما أن البصمة فيها لأنثى متمردة على المكان مقتنعة بلازمة تعشقه على حاله الجائر وفق ما يتيح سدّ فراغات مراوغة قد ينفذ من خللها كل زيف.
الظاهرة هنا سيدة مجهولة مهللة بما تحجبه قشور الرؤية وتكتنز به الأغوار الروحية من آي تثري الدستور المفترض التزود منه لمضاهاة تشعب أدوار الحياة في عدم الاكتفاء بما تمليه السذاجة والسطحية وتخطيهما إلى ما يكفل هتك ستار الرؤيا كذلك.
مرت بجانبي
في لا مبالاة الغرباء
لكنها تركت في
نفسي أثرا.
غريب بطعم البحر
في مساءات الأيام الماطرة
يجتاحك برائحته النفاذة
و صدق الحركة في أمواجه
بين مد و جزر
يعرف كل واحد منهما
حدوده و موعده
يأتي و يرحل في نعومة
حتى في أشد أوقات الغضب و الهياج..
وكأن المطلوب بالتمام والكمال دوما، هو ذلكم العبور الذي لا يشبه إلا نفسه،و لا يقيم في غير جغرافية عبور ثان ينعى سابقه و ينبعث من الرماد الأول ، كشرط أساس مخوّل للذاكرة استئناف انتعاشها ومغالبة سائر نوبات الموت والتلاشي والاضمحلال.
ترك أثر تنسجه عضّات الشعر ،بغرائبية وهلامية وتغضّب البحر على شاكلة مغرقة في سرد النقائص النفسية ومسرفة في استدعاء أسباب النسبية.
ذهبت و بقي طيفها..
رافقني ما بقي من النهار
لكني اعتذرت منه
ساعة النوم
فأنا لا أحب الغرباء
في نومي و أحلامي..
ذهب الطيف
و بقي أثره
متشبثا بجدار الذاكرة
في كل لحظة
يتسلقه إلى مكان أعمق..
وإذن… هو المغزى المستمد من قهر الفناء وسلطته وجبروته، والنهاية الحتمية التي لا مناص من ارتشاف مرارتها.
ثيمة العبور يسجله الرفض العلني والمطلق لتنصيب الطيف على المكان مهما اكتسح أعمارنا بنايات أبلغ إيلاما.كون الأثر الفردوسي على وجه التحديد، يقوي ويزيد من صلابة جدار الذاكرة الشاهدة على تمرّغ الجسد في مستنقعات وجع يتعدد معلنا فشله أمام خلود الروح وإن تجردت من كل ما تملك وتدلّت على جهات العري.