عمّان-
تنطلق “الميموني” في روايتها “سقفٌ خَواء” من فلسفة ترتكز على ثنائية “الوجود والعدم”، فهي الخيطُ الرَّابط الذي يُحرِّكها، وتدور في فلكه أحداثها حاملة لحوارٍ أزليّ بينهما. في طياتها تولد إشارات للبدء دائمًا، فهي ليست رواية فناء، ولا نهايتها جاءت كما كان مُتَوَقَّعًا لها، وعلى العكس من ذلك فمن بين سطورها بزغ فجر الأمل لجميلٍ بعد تسعة أشهر، والبشرى بنبأ الحياة، فكان أن آمن بأنَّ الزهر سَينْبُتُ من جديد، ولم تَمُتْ إلهام؛ لأنها منذُ البداية تحيا بأمله هذا.
فالسَّقْفُ قد يَتَوفَّرُ، ولا بطولة للإنسان في إنْجازه، أمَّا الخواءُ فهو الذي حاربَه الليثُ؛ بطلها المُتفوِّق على نفسه من أولِ سطر فيها إلى آخرها، في حين اسْتَظَلَّ تحت ربَقتِه المُتهالكة عزيِّز العاجز المستسلم…
تتوزَّع الرِّواية على مساحة 146 صفحةً من القطع المتوسط، وهي من الإصدارات الحديثة لسنة 2023م لدار “الآن ناشرون وموزِّعون” في الأردن.
وتدور أحداثها حول حكاية حُبٍّ يُولد من شفق اليأس كبيرًا، تنبثقُ منه قطراتُ الحياة من شقِّ الموت عصيَّةً.. نعم؛ هكذا كان حال اللَّيث في ذلك المكان القصِيِّ؛ إذ بدا -في لحظة- في استسلام تام لشعور افتقده كثيرًا، شعور الرضا عن نفسه، والاطمئنان لكل ما يُحيط به، فقد ولد فيه ذلك الانتماء العزيز الذي كان يَبْحَث عنه منذ أمد بعيد، فبات يطوف هُيامًا بين أركانه.. هنالك، تلقَّف فيه بشغف التماعة عيون تلك الفتاة، التي ما يزال يشتمُّ رائحة وجودِها، كُتِبَتْ له هُوِيَّةٌ كان يُريدُ خطَّ سُطورها؛ ليتمكَّن اللَّيث أخيرًا من مفارقة ذلك الماضي الذي جاهد لطرده للأبد من مُخيِّلته.
وتُسلِّطُ “سقف خَواء” في طيَّاتها الضَّوْءَ على انعدام الإنسانيَّة -في جانب من جوانبها الرَّئيسة- إلى درجة ضياعها تحت غطاء أكذوبة التحرير التي جَنَّدت قوى الطُّغيان والاستبداد العالميَّيْن لها الحشودَ، والإعلام الكاذب المُضلِّل، والتصوير البشع للوقائع المٌزيَّفة التي ليست كما ينقلونها. هذا آخر ما استنتجه “عزيِّز” بأيام سجنه في العراق، حتى إنه لا يعرف إن كان مسجونًا فيه أم بغيره من الأماكن؟
هذه الإضاءة المقتضبة لا تفي الرِّواية حقَّها، ولا تعفي من قراءتها للقارئ المستزيد الرَّاغب في الاطِّلاع على فلسفته، وجدليَّة الموت والحياة، وقطبيَّة الوجود والعدم، وتنازع الأمل واليأس عبر هذا “الديالكتيك” المُكثَّف في الحوار وجدله على ألسنة شخصيَّاتها، ومونولوجيَّاتها الدَّاخليَّة والخارجيَّة المحاكية لكثير من واقعنا بقالب أدبيٍّ شائق ماتع –هكذا نحسبه-، ثمَّ الوقوف على رؤيتها النِّهائيَّة.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ الأستاذة؛ فضيلة أحمد الميموني كاتبة وروائيَّة تونسيَّة مجتهدة صدر لها سابقًا رواية “قرار الأقدار”.