تختص دراسة د. محمد موفاكو الأرناؤوط لموسوعة سياحتنامه بتقديم جزء من الرحلة الضخمة التي قام بها مؤلف الموسوعة “أوليا جلبي” إلى بلاد الألبان. وحملت في عنوانها ما يدل على أنها تقدم جانبا من تلك الرحلة فحسب، وذلك بوصفها “مختارات من بلاد الألبان”.
وصدرت الدراسة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 230 صفحة من القطع الكبير. وأشار الأرناؤوط في مقدمتها إلى أهمية الرحلة التي جاب خلالها أوليا جلبي أصقاع العالم الإسلامي خلال 40 سنة، قضى آخر عشر سنوات منها في مرتحلا في البلاد العربية ومتجولا في مصر وما جاورها، ومقدما مشاهد من الحياة وثَّقت جوانب تاريخية واقتصادية وثقافية واجتماعية لكل بلد من البلدان.
ويعد درويش بن محمد ظلي الذي اشتهر باسم أوليا جلبي، واحدا من أهم الرحالة الذين عاشوا في العالم الإسلامي. وهو بحسب مقدمة الأرناؤوط: “وُلد في إستانبول لأسرة ذات صلة بالبلاط العثماني من جهة الأب والأم؛ وهو ما مكَّن أوليا جلبي من أن يحظى برعاية دائمة من الهرم العثماني (السلطان والصدر الأعظم والولاة)، فسُمح له بألّا يرتبط بوظيفة، ليتجوّل في أرجاء العالم العثماني وجواره حوالي أربعين سنة، الأمر الذي ساعده في تدوين ما رآه وسمعه وتخيّله في عشر مجلدات كبيرة تشكّل كنزا للتعرف على الدولة العثمانية في أوج امتدادها، وعلى ما فيها من شعوب وثقافات وجغرافية طبيعية ومشاكل… إلخ“.
وبين الأرناؤوط أن رحلة جلبي في بلاد الألبان حظيت باهتمام خاص، لا سيما من الباحثين الأوروبيين “نظرا لما يطرحه هذا الموضوع من قضايا تتعلق بأصل الألبان وعلاقتهم بالعرب وإسلامهم المختلف. وهو السبب الذي دفع الأرناؤوط إلى ترجمة هذه الرحلة وتقديمها من جديد باللغة العربية. رغم ما اكتنف الدراسة من صعوبات كان من بينها:
“أنه لم تكن هناك ولاية تحمل اسم ألبانيا خلال رحلة أوليا جلبي في بلاد الألبان، بل كانت الولايات العثمانية التي تضمّ الألبان تحمل في العادة أسماء المدن التي تكون مركزا للولايات (ولاية مناستر، ولاية يانيه، ولاية أشقودره… إلخ)، أو كانت تضمّ أيضا الألبان وغير الألبان بحكم تنوّع البلقان“.
وكان منها كذلك أسماء الأماكن التي تعددت واختلفت تبعا لاختلاف اللغات والدول التي حكمت المنطقة.
وكذلك الصعوبات التي تمثلت بالهوامش التي وضعها جلبي لرحلته؛ نظرا لضخامة عددها واحتوائها معلومات قد لا تهم كل القراء، إضافة إلى التغيرات الكبيرة التي أصابت المعالم التي ذكرها خلال رحلته، لا سيما بعد الثورة الثقافية التي شهدتها ألبانيا في ستينيات القرن العشرين، ونجم عنها تدمير ومحو كثير من المعالم التاريخية والآثار التي تنتمي إلى فترة الحكم العثماني.
ومن الجدير ذكره أن د. محمد موفاكو الأرناؤوط باحث ومؤرخ كوسوفي ناشط منذ ثمانينيات القرن العشرين. صدرت له مجموعة كبيرة من المؤلفات الشخصية التي تناولت: تاريخ ألبانيا والبلقان عموما، وتاريخ سورية والبلاد العربية، والتفاعل الحضاري بين المنطقتين.
وصدرت له كذلك مجموعة كبيرة من الكتب المحققة والمحررة والترجمات.