للطفل الوطن الذي لا حدود له، وأحلامه فيه بلا قيود، ذلك أن كل ما يحكمه هو البراءة ولا شيء غيرها.
وأنه دؤوب البحث عن القدوة في الكبار.
هناك فئة من الصغار، أمضت طفولة معذبة، ليس لأن مصيرها من رسم تلك الآلام، ولكن لأننا نحن الكبار، ربما، اغتصبنا فيهم الأمل والحلم.
أذكر أني، على عهد طفولتي، كلما اقترب العيد، قرأت في عينيْ والدي، هدية بتلك الرمزية التي لا يمكنها مغادرة المخيلة، حتى بعد الإيغال في العمر.
ثوب جديد أقيسه قبل حلول العيد، فرحا منتشيا، ومتجولا في المرآة التي طالما زاحمت عليها أختاي، استعدادا لمنافسة الأقران في مثل تلك المحافل العظيمة لأننا كنا نلونها بكامل ما نملك من سذاجة وبساطة وبراءة.
ذلك هو الوطن الذي كبر فينا، ولم يزل، وبعد أن انثالتنا الخيانات من كل الجوانب.
اليوم ندرك معنى العودة إلى بيادر طفولتنا البعيدة، البعيدة جدا، هروبا من ثقل وجو اللحظة واستئساد الوجع.
لم لا يحافظ الكبار على براءتهم؟
تلك البراءة التي لا يمكن أن يحققها سوى وجودنا الإنساني، بكل ما تحمله المفردة من مضامين وأسرار، نتذوّق كؤوسها، حدّ الثمالة، وأقساطا تُنبت لنا أجنحة، نحلّق بها مع أحلامنا المشروعة.
حقا إن الإيديولوجية والدين حين يُفهمان على نحو خاطئ، يبدّلان المرء، ويسرقان منه وطنه الذي بناه في طفولته.
هكذا تقول الأحجية، ومثلي، إنما يرعى وطن الطفولة، من زوايا الثقافة البريئة أيضا، تماما كما عوالم الطفولة، الخالية من الأنانيات المريضة، ومن كيد الإخوة الذئاب.
أقول هذا، لأني أمضيت طفولة كاملة وسعيدة، أسهمت إلى حد كبير في بناء شخصيتي الواضحة، كاللجين الصقيل، فعشت بلا أقنعة، أعبّر عن أحاسيسي بثغر هش، لا يلدغ، أترجم ما في قلبي النقي المتصالح.
وكلما لبسني الحنين إلى صفحات طفولتي، أرخيت أشرعتي لأساير تيار الثقافة المتمردة التي تفضح جشع الإيديولوجيات، وتعرّي حماقات من يتخذون من الدين مجرّد مطية لمأربهم الفاسدة والضيقة.
لذلك، لم تزل الطفولة وطني الكبير، ألوّنه أحلاما وفراديس ومعان سامية في الوجود، أنّى ومتى شئت.
فتبّا لمن يخذلون طفولتهم، يغتدون عبيدا للثقافة المميّعة وأوبئة الإيديولوجية وسوء فهم الدين.
الصورة عن موقع يلا نذاكر