ليس هناك مقاييس للألم مهما حاولنا إلى الوصول لذلك، وحتى لو استخدمنا أدق الأجهزة، لكن الشاعر يمكن أن يصل نتيجة مقاربة لمديات الألم، والشاعر الحقيقي هو المنتج للألم لكن في نفسه يسعى للفرح بديل له، ومفهوم الألم في الفلسفة من الصعب أيضا حصره في فكرة، فسمارة وديفيد لويس وكذاك فوكو أعطوا وجهات نظرهم إزاء مفهوم الألم، ونحن سنطور الفكرة من الألم الشخصي لنوصلها إلى الوسيط وهو الذات الواعية، ومنه نتوجه إلى الألم في النص، فالنص هو علامة كبرى للألم على اعتباره وجودا يوازي وجودنا المادي وقد يتفوق عليه، وكينونة النص ليست وحدة إشارية بل هي مجموعة من الماهيات المتعددة التوصيف، ومثلث الألم في تفسيرنا بضلعي من الوجود المادي وضلع آخر من الوجود الجوهري، وهو النص، ومن هنا يكون النص مجموعة من العلامات المتصلة ببعضها، وتلك العلامات في تراتب وتناغم إيقاعي، ووحدة الجمل الكبرى ليست هي المنتجة بل الوحدات الصغرى من الجمل، والشعر هو فلسفة الألم، وهو أعمق تعبيرا لغويا عن الألم، ونحن نحتاج في تفسيرنا إلى تجاوز التفسيرات الأفقية للشعر، ففهمنا العميق للشعر لا يتصل به كتاب الأشعار، بل كل شاعر حقيقي يحيا داخله أكمل إنسان، وقد يعينني الله بصيغة بشرية، واتجهت بوصلة الوعي لفلسفة ألم جديرة في قصائد – تمسك بجناح فراشة – لحمدان طاهر.
المجازات ونظام الاستعارة في الشعر تتجاوز الأفق الاجتماعي عبر جنس اللغة الشعرية، وهنا لا بد من أن نقف ونسأل هل اللغة مسؤولة عن نفسها أم الوعي هو المسؤول عنها، لكن الوعي لا يتدخل ويحرف اللغة عن كيانها العام آلة جنس اللغة الشعر، وملكة اللغة هي موجودة داخل كيان اللغة، والوعي هو الوسيط بين اللغة والنص من جهة ومن جهة أخرى هو الفنان المقتدر على تنظيم المعاني، ومن الممكن أن يكون وجوده وجود النص ويكون كائنا ورقيا، وحمدان طاهر الذي جعل من الجدار أخا له، وتلك علامة أولى بتحوله إلى كائن ورقي، وفي النص – احتراق – والعنونة الأولى إشارات الألم، يدخل المعنى البشري في المعنى الشعري ويتنفس من خلاله، ويكون في ذلك عودة إلى القاعدة العامة للفلسفة، فيكون الموجود داخل الوجود، والوجود النص أوسع وأعمق.
إنك لن تستطيع أن تعيد الاشياء الى صورتها الاولى في النهاية أنت لست الها أو بهلوانا أنت مجرد طفل يتخيل أن الليل حضن أم التعبيرات من جهة فلسفة اللغة تكون في تموضعها داخل كيان اللغة العام مفردات وليست بجمل تحتمل إضافة لعلامة المعنى بعدا تأويليا، والنص هو ذاته أتاح للتأويلات تجاوز الحد، فالليل إذا أصبح تلك الأم الحنون نفسره أو نؤوله، وحتى الفلسفة لا يمكنها هنا أن تشفع للتفسير وتنصفه، وتلك ميزة مهمة في الشعر الذي يعيشه شاعره، وطبعا مقياس الألم قد اتسع هناك، بعدما دخلت العلامة بعد النضج للسيميائي لها في أفق التأويل، وطبيعي التأويل ليس أحاديا بل متعددا، وفي النص – عودة – والعنونة المفردة أما محت ما فبله أو ما بعدها، وهي تثير حتى المستوى البصري إضافة للعقلي والحسي.
عاد الحصان ولم يعد الولد سأنتبه إلى شعري الطويل وسيقاني الأربع سأقول أنا، أنا لكن كلماتي صارت صهيلا الفلسفة الشعرية بتحول الكلمات إلى صهيل تقترب بنا من آراء نيتشه، حيث التعبيرات بلا دين ولا منطق عضوي ولا عدالة عامة، وتبقى العلامة والدلالة التي قلمت والمعاد ترميمها ذات الحرية الأوسع في تفسير المضامين الشعرية داخل نفسها، وفي الشعر لو لا يفسر للوجود البشري بل وجوده النصي، وما الألم فيكون برواز للمعنى أو وشاح الحزن الذي لا يستر كيان القصيدة بل يغرف برمزية اللون معناها، وفي تفسير الفلسفة الموضوعية لذات الشاعر التي تسمو بنفسها بلا ملامح لكن بمعنى يقترن بالنص، وفي نص – إنها حياتك – ولا حياة في الحياة صراحة وإنما في النص الشعري.
أبحث عن وجهي في وجوه الغرباء كلما التقيت بغريب ناديته أخي إذا عجزنا عن إيجاد مقياس للألم فمن الطبيعي أن نعجز أيضا عن إيجاد نسب للاغتراب الذي شاع في النص، ولكن ذلك الاغتراب نحن نشعر به ونحس، والنص هو رب نفسه فلا يكون هناك شعورا بالاغتراب، وإلى ما كان الغرباء إخوة للشاعر، والمعنى الوجودي للنص لا يمكن قرنه أبدا بوجودنا نحن، فوجودنا بضمانات زمنية فيما وجود النص ينفي تلك الضمانات الزمنية، وكما الشعر ليس كما الفعل الوجودي لنا، فنحن نقف عند حد الزمن ولشعر لا يقف عند ذلك الحد، وها نحن نقف على نص الاستدلال، ففي نص – مثل نهر ما بين الحقول – فالشاعر يعرف بنفسه المتسقة مع نصه الشعري، فهو خجول ولا خبرة له في مغازلة النساء، لكن في داخل وجود النص الشعري تختفي الذات أو تتحول إلى كائن ورقي. لدي يقين بإنسانيتي ولهذا يمكنكم حذف أول النص وترك نهايته تمضي مثل نهر بين الحقول إذا أحلنا الأمر في النص للعامل النفسي، فسندخل النص في دوامة التأويلات، وفي إحالة للنص لفلسفة الوجود سنخرج بنتائج جديدة عن الوجود، فوجود النص في التفسير الفيزيائي هو تلك الوحدة المكتوبة من خلال المؤلف، لكن في التفسير الجوهري للنص فهو ذلك الوجود الذي لا يتمكن العالم من استيعابه، لذا يتخذ له وجوده الخاص، والذي تتغير فيها المقادير، وقد تنقلب المعادلات على رأسها، وتلك سمة وجود النص، وفي قصيدة- رغبة – يتجه بنا الشاعر حمدان طاهر إلى الفن فيكون بعيدا عن بورخيس الذي اعتبر الشعر صنعة، واقترب كثير من أرسطو الذي اعتبر الشعر فنا، وقدم لنا نص استعادي، حيث هناك مفردة تستعاد وتكرر، لكن نوضح هنا ذلك التكرار وتلك الاستعادة متغيرة الأزمنة ولك مفردة تتكرر زمن خاص بها. فقد تكررت جملة – كل ما يقوله – ست مرات.
كل ما يقوله الرأس للرصاصة كل ما يقوله السجين للجدار كل ما يقوله الضرير للنهار كل ما يقوله الغريب للبلاد البعيدة كل ما تقوله الجثة للتابوت اردت أن احدثكم به الشعر في تفسير الفلسفة الموضوعية هو مصفاة ضخمة جدا للكلام، فهناك كلام مباح وآخر غير مباح، وهناك كلام خرج من باب حيزه ولم يعد وانتمى إلى لغة الشعر، والكلام حين استجد أتاح للمعنى التطور والدلالة حتى بلوغ السلم لتعد تنتج من جديد، ويعود الألم يفتح نافذته من جديد في النص – طيور- الضامر والواسع. إذا كان لديك ألم كون معه سعيد دعه يقترب أكثر التصق به مثل أب حنون الشاعر تاجر ألم ولكن من يشتري ألم غير الذي يعيش في ألم، وهنا محنة الشعر والشاعر حمدان طاهر، فعالم الشعر لا فم له ليضحك لكن لديه تلك الروح الحزينة، وحزن الشعر والشاعر ليس هو ذلك الحزن المعهود لدى البشر، فالحزن متأصل في كيان النص وكيان الشاعر، وفي نص – كل شاعر مسيح – نجد دلالة مقصدنا عبر تعبير شعري، والذي أهداه الشاعر إلى صلاح فائقا. كل قصيدة تدخلني إلى قصيدة أخرى حتى تخيلت أنها ليست مجرد كلمات كان كل شيء يتحرك الجدران والجبال حتى القبور غيرت أماكنها عالم الشعر مأساة لكن محببة للسمع، وليس كما عالم الحياة البشرية يصبح كما ذلك السرادق الواسع جدا، ولا تجد داخله غير النواح، وفي الشعر ليس النص فقط بل حتى الشاعر لا يبكي، ونقصد هنا نوع البكاء، فبكاء العيون فيه الكثير كاذب، لكن بكاء الأرواح هي الحقيقي وهو الصادق، والشاعر يبكي في لحظة يصل إلى نقطة نتيجة فرحا، ويتحول حينها إلى مهرج جان جينيه إذا جاز التوصيف. أنا صبي المعدين الذي يأكل أصابعه حين ينفد كل شيء وينتظر سمكة تخرج من رأسه كي يطعم العائلة اللغة معراج الشاعر، ولا يغرف حقيقة جوهر اللغة إلا الشاعر الحقيقي، وليس كاتب الشعر وهم عالم مترام من الكلمات وليس اللغة، فالشعر لغة ولغة حية ومجنونة على الرغم من أنها عاقلة، وحمدان طاهر يدرك جنون اللغة وعقلها، وفي قصيدة- كتاب قديم – فر الشاعر من حيز الكلام إلى أحضان اللغة. ذلك الطائر الإنسان الذي مل اللغة اكتشف بقلبه لغة أخرى لا يعرفها أحد سوى من جرب الغناء بالإشارة عوالم قصائد – تمسك بجناح الفراشة – لحمدان طاهر الصادر من منشورات اتحاد الأدباء والكتاب في العراق متفوقة كثيرا على المعنى العام، وقد بلغت تجاوز التفسير العام، وأول استدلالاتها كانت في العنونة الأساس للكتاب، إضافة إلى المضامين الشعرية والصور المشرقة بألم عميق يتجاوز حدود وجودنا البشري، ويوجد للألم وجود كوني داخل وجود النص وكينونته.