فيلم “في انتظار البرابرة” مهند النابلسي / الأردن

“ويتنغ فور ذا باربارينز”!

*تحفة سينمائية متكاملة (لم تلق التقدير النقدي المكافىء) تعبر عن العدل والصدق والتعاطف مع السكان الأصليين كما الشفافية والشجاعة بمواجهة الاستعلاء والعنجهية والاستقواء والتشكيك والبيروقراطية/التراتبية/الجامدة وصولا للانهزام والتجابن والهروب والخيانة والاستسلام!

*يدير القاضي (مارك رايلانس) موقعًا على حدود إمبراطورية ممتدة غير مسماة. فالوضع عموما سلمي وليس هناك سوى سوء فهم طفيف يمكن بدراية معالجته….وفي هذه المرحلة من التوتر المصطنع، فقد طلب العقيد جول (جوني ديب)/الجنرال العسكري المتنفذ “المتعالي المتجهم والقاسي” على الفور إطلاعه على حالة الشؤون على الحدود بسبب جهله عموما بالتفاصيل والحيثيات. فيبذل القاضي الحاكم قصارى جهده لتهدئته واقناعه بأن الوضع مسالم عموما ولا يستحق التأزيم ، لكن العقيد جول يظل متشائمًا ومتشنجا ، ويظهر ذلك جليا عندما يعتقل ويتهم ويسجن رجلاً بريئًا وابن أخيه لكونهما سارقي أغنام. الكولونيل جول لا ينكر براءتهم فحسب ، بل يشرع في تعذيبهم بقسوة سادية ، مما أدى إلى وفاة الرجل العجوز. ثم يواجه القاضي الكولونيل جول حول مغزى اسباب التعذيب والموت فيقدم له العقيد جول اعتراف ابن أخيه (المبتز والكاذب) بفكرة خيالية “تبريرية” عن انتفاضة بربرية وهمية خارج الحدود في الصحراء عند التخوم.

* فيجبر العقيد جول “ابن أخ الرجل المعذب” على اصطحابهم إلى قبيلة “عمه المتوفى” حيث يعتقل جول كذلك “النساء  والرجال” تعسفا وبلا محاكمات باعتبارهم “أسرى حرب” ويضطهدهم

ثم يغادر الحامية في اليوم التالي…

*ويأمرالقاضي الحاكم (مستغلا فرصة مغادرة الأخير) حينئذ بالإفراج الفوري عن جميع “أسرى الحرب” اللذين اعتقلهم جول بلا سبب تعسفا . ثم بعد بضعة أشهر ، شوهدت احدى  أسرى الحرب مصابة بكاحلين مكسورين ( الممثلة الجميلة جانا بايارسايخان) وهي تتجول كسيحة وجائعة ومريضة في الشوارع. فيتعاطف القاضي معها ويعطيها الطعام والمأوى ويحاول أن يشفي كاحليها المكسورين بالماء الفاتر والمساجات. فيخطئ بعض الجنود والمرافقين في فهم هذا العمل اللطيف المتعاطف ويفسرونه على أنه فعل شهواني، وعلى أن البنت الجميلة قد اصبحت محظية للقاضي. ويدرك القاضي بكل أنواع التعذيب التي مرت بها ، بما في ذلك وفاة والدها قتلا. فطلب منها البقاء في الحصن لكنه أبدى أيضًا استعداده لإعادتها إلى شعبها اذا أصرت. الفتاة تختار الخيار الأخير وترفض البقاء!

*ثم بعد رحلة طويلة وشاقة عبر الصحراء ، يقترب القاضي من البدو في الجبال ويحاول إعادة العلاقات الودية معهم لكن البدو ينزعجون منه في هذه المرحلة وينقذون حياته وخيوله لمجرد تصرفه اللطيف الفريد تجاه الفتاة ولأن الفتاة أثنت على حسن معاملته لها. ثم يعود القاضي ليجد الضابط “المستقوي” ماندل (روبرت باتينسون) ، مساعدالعقيد جول وقد استولى على الحامية نهائيا ،وأصبح هو الذي يدير الحصن. فيأخذ الضابط ماندل القاضي على الفور معتقلا ومجردا من منصبه إلى الحجز ثم يتهمه بالخيانة ويسجنه.

*وبعد مرور بعض الوقت ، يخرج القاضي من السجن بعد الاستهزاء به وتحقيره، ليرى المزيد من “أسرى الحرب البدو/البرابرة” وهم يتعرضون لسوءالمعاملةالتعسفية (الغير مبررة). فيتدخل للمطالبة بالإفراج عنهم فورا لكنه يتعرض للإيذاءالجسدي والتعذيب مجددا. ثم يتم إحضاره للاستجواب واتهامه بالتواطؤ مع العدو وأخذ محظيات من البرابرة. ثم يتعرض القاضي للعار علانية بينما يغادر العقيد جول ليتصرف بقوة لدفع البرابرة بعيدا إلى الجبال. هكذا أصبح القاضي نفسه الآن “أشعثًا ومجردًا” من كل شيء. وأثناء خروج العقيد جول في الرحلة الاستكشافية ، تعتني بالقاضي إحدى طاهياته الطيبات المخلصات (غريتا سكاتشي)وقد تعاطفت مع حالته البائسة.

*ثم في أحد الأيام ، عاد حصان يحمل جثة أحد آخر الجنود في قوات الكولونيل “جول”. فيبتعد الضابط “ماندل” في خوف ثم يعلن عن “تقليص مؤقت عاجل للقوات” ويغادر البؤرة الاستيطانية هاربا ومتجابنا على الفور… فيشعر السكان الأصليون بالخيانة والتخلي عنهم بعد أن شجع الجنود سكان الحصن على النهب وإساءة معاملة أسرى الحرب الرحل. عندما غادر الضابط ماندل ورجاله .

وعندما عاد القاضي إلى غرفته ومكتبه لمواصلة دراساته “السكانية البيئية الصحراوية” في  *

 أحد الأيام ، عاد أحد رجال الكولونيل جول طالبًا الخيول. حيث يبدو أنهم أصيبوا بالذعر وهم يركضون ويجمعون المؤن. فيذهب القاضي لرؤية الكولونيل جول وهو يراه “منكسرا ومذلولا مستكينا” جالسًا في عربته بانتظار الهروب. وعندما قام الجنود بإلقاء بعض المؤن المسروقة في العربة على عجل ، بدأ السكان المحليون في رشقها بالحجارة وهم مستائين من العقيد ومساعده وانهزاميتهم ورغبتهمم بسرقة السكان والحامية للنجاة بأنفسهم… ثم يغادر الجنود على عجل في الليل “هاربين ومهزومين” وقد استسلموا ببساطة وتجابنوا، ونرى القاضي المتعاطف المنتمي يعود الى البلدة “حزينا ومحبطا”…

*ثم نشاهد الأولاد أخيرا وهم يسخرون منهم في فزاعات ويرتدون زي الجنود للسخرية على أبواب الحصن. ويختتم الفيلم بظلال تقترب من القاضي وهو يقف وحيدًا في الفناء محتارا ومتأملا ما يجري ، وسحابة من الغبار تلوح في الأفق – ونشاهد بوضوح الغبار الذي بعثره  جيش من المحاربين البدو على ما يبدو وهم يتجهون نحو الحصن لغزوه جديا ربما هذه المرة!

*ملخص نقدي:

*حصل “في انتظار أل:Barbarians” ، على تصنيف موافقة بنسبة 52 ٪ على موقع مجمع المراجعة الشهير Rotten Tomatoes بناءً على 88 مراجعة بمتوسط ​​مرجح 6/10. يقول إجماع نقاد الموقع: “إنه أمر مثير للإعجاب من الناحية النظرية ولكنه مخيب للآمال في التنفيذ ، في انتظار البرابرة يكافح لتحويل العروض القوية والموضوعات الجديرة بالاهتمام إلى الدراما المؤثرة.” وقد حقق 19 موافقة نقدية اجماعية، مما يشير إلى “مراجعات مختلطة أو متوسطة”، لكني لا اتفق تماما مع هذه الرؤيا المشوهة/المتسرعة الاحادية القاصرة للفيلم فقد وجدته فيلما جيدا من كافة النواحي ويتحفنا باداء تمثيلي مذهل للأدوار الرئيسية الثلاث بالاضافة لكافة الممثلين الاخرين ومنهم الفتاة الجميلة الكسيحة والطباخةالطيبة…كما أن الشريط يقدم لنا مغزى اخلاقي ومعنوي وحتى سياسي كبير حول مفاهيم النفوذ والاستقواءوالبيروقراطية الادارية التراتبية، ويسلط الأضواء على حالات التعسف وسؤ الفهم والاستعراض والتحكم، ثم الهروب والانهزام والتجابن وسرقة “الخيول والمتاع والتموين كغنائم” عند المواجهة الحتمية وامام القوةالحقيقية والشجاعة المقاومة وخوفا من “القتال”…                                                                                                                                                                                                  

وصولا للتخاذل والاستسلام والهروب… وربما يعبر هذا عن طبقة الحكام الظالمين المتنفذين وجيوشهم وحاشيتهم الفاسدة المتنفذة وعصاباتهم أمام انتفاضات وثورات الشعوب المقهورة كما شاهدنا في ما يسمى “ثورات الربيع العربي” (قبل ان تسرق من قبل الانتهازيين والاسلاماويين والعسكرتاريا الدكتاتورية)، كما لاحظنا مآلات الحكام المرعوبين المهزومين هم وحاشيتهم!


Waiting for the Barbarians* */في انتظار البرابرة:

 هو فيلم درامي وأكشن لعام 2019 من إخراج “Ciro Guerra”  في أول ظهور له كمخرج باللغة الإنجليزية. والفيلم مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم للكاتب جي إم كوتزي. ومن النجوم مارك ريلانس وجوني ديب وروبرت باتينسون وجانا بايارسايخان وغريتا سكاتشي (اللذين أبدعوا جميعا.( وقد ُعرض الفيلم لأول مرة في مهرجان البندقية السينمائي في 6 سبتمبر 2019. وصدر في 7 أغسطس 2020 بواسطة Samuel Goldwyn Films على الرغم من تلقي آراء متباينة من نقاد الفيلم ، ولقد تم الترحيب بالفيلم بشكل إيجابي من الجمهور الذي أشاد بقصته ووزنه العاطفي العميق وعروضه تلك التمثيلية الخاصة بـ Rylance و Depp والنتيجة الموسيقية والنغمة ومشاهد الحركة والسيناريو والإخراج كما أصبح أيضًا نجاحًا ماليًا حيث بلغ إجمالي أرباحه 571.750 دولارًا في شباك التذاكر.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

تذبذب معالم الشخصية البونابرتية من الضعف الذاتي الى الحالة النرجسية

*بونابرت /3/ سكوت 2023/: عقدة نابليون والزعيم المجنون وجوزيفين الساحرة والمعارك الطاحنة ومقتل الملايين وتفاصيل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات