ضرورة تجاوز المعرفة العامّية إلى المعرفة العلميّة
لقد كان من أهم ما جاء به العالم والفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار أن فصل بين الفكر والواقع في المعرفة العلمية، عكس المعرفة العامية التي تقتصر المسافة بين الفكر والواقع.وهنا تكمن قيمة المعرفة العلمية في الفكر المعاصر، فهي ليست معطى جاهزا يجيب على الأسئلة الفورية كما هو حال المعرفة العامية،
بل هي معرفة تقوم أساسا على البحث والتحليل العقلاني للقضايا والظواهر المدروسة، بحيث توصلنا إلى نتيجة تمكننا من فهم وإدراك القضية بموضوعية ودقة،لكنها لا تحمل حقيقة مطلقة، وهذا ما يجعل العالم في حاجة إلى مراجعة دائمة لمبادئه وأفكاره، ويضع العلم في نزعة تزايدية دائمة، لأننا نكتشف باستمرار الأخطاء التي وقعنا فيها سابقا، ما يلزمنا بتصحيحها وتجديدها.إننا اليوم في حاجة إلى وضع كل الأفكار والقضايا الاقتصادية والاجتماعية في ميزان العلم عن طريق المناهج العلمية الصحيحة، وإبعادها عن الآراء والأفكار الشعبوية التي تلخص المسافة بين الواقع والفكر وتعطي إجابات سطحية لا تتطلب مجهودا عقليا و عناء معرفيا.لكن يجب أن نكون مستعدين لاستقبال نتائج وإجابات تخالف تلك التي تتفوه بها المعرفة العامية.تكمن خطورة الشعبوية في أنها تسيطر على عقول شريحة مهمة من الشعب وتفقدهم الثقة في النتائج التي يتوصل إليها العلم المعاصر.
ولا يحدث هذا في المجتمعات المتخلفة التي مازالت الخرافات تسيطر على جزء هام من أفكاره، بل يحدث في الدول المتقدمة التي وصل فيها العلم إلى أوجه عطائه، والصراع الحاد الذي خلقه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب مع بداية تفشي فيروس كورونا دليل على ذلك.