أولا : نبذة عن الكاتبة
ولدت سنة 1949 بمدينة أزمور وتابعت دراستها الابتدائية بالدار البيضاء، ثم انتقلت إلى فاس لمتابعة دراستها الجامعية. حصلت على الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، و على جائزة المغرب للكتاب سنة 1998م ، من مؤلفاتها: “المرأة بين التعليم والشغل” و “البغاء أو الجسد المستباح”، بالإضافة إلى العديد من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات المغربية، كما ساهمت في تأسيس وإدارة العديد من الأبحاث المتعلقة بالمسألة النسائية.
ثانيا : وصف الكتاب شكلا ومضمونا.
لقد صدر كتاب ” البغاء أو الجسد المستباح” للأستاذة الجامعية والكاتبة المغربية فاطمة الزهراء أزرويل سنة ألفين وواحد /2001م؛ عن دار إفريقيا الشرق بمدينة الدرار البيضاء، وهو كتاب من الحجم المتوسط يحمل وجه غلافه اسم الباحثة ، وعنواني الكتاب الأول ” البِغاء” والثاني” الجسد المستباح” أسفلهما لوحة فنية معبرة تظهر فيها بشكل غير واضح أجساد نساء تم العبث بها، واسم دار النشر. أم ظهر الغلاف فقد تكرر فيه عنوان الكتاب مصحوبا بمقتطف من شهادة إحدى المستجوبات أوردتها الباحثة بالكتاب، وهذا نصه ” أول مرة خرجت فيها مع أحدهم. أعطاني مئتي / 200 درهم. أتدرين ما فعلت؟ أخذت ولاعة وأشعلت فيها النار وتركتها تحترق في منفضة السجائر ومكثت أنظر إليها هنيهة ثم استدرت وخرجت دون أن أودعه … بم أحسست؟ لا أدري ! كنت غاضبة ومحتاجة إلى أن أصرخ بأنني بعت نفسي لأول مرة في حياتي … إنه شعور فظيع لن أنساه طيلة الحياة”.
كما تكررت اللوحة الفنية بشكل مصغر على ظهر الغلاف مرفقة بعبارة ” الفتاة التي تصبح امرأة”.
يقع الكتاب في مئة وسبع وخمسين صفحة، وتصميم مكون من مقدمة ومدخل ثم قسمين، الأول منهما معنون بـ ” عوامل البغاء ” وجعلته الباحثة ستة فصولّ، أم لقسم الثاني، فعنونته بـ” أطراف البغاء” يضم ثلاثة فصول، لتختم الكتاب بتذييل عبارة عن ملحق معنون بـ ” بوح الجسد المستباح” يحوي أربع شهادات لمستجوبات بأسماء مستعارة.
أ – عنوان الكتاب: البغاء أو الجسد المستباح
ب – المقدمة :
قدمت الباحثة لكتابها في صفحتين ونصف، بينت فيها أن كتابها يقارب ظاهرة البغاء في المغرب، ولا يجردها بشكل كامل، كما لا يستند على إحصاءات دقيقة، فهو بحث يستمد خلاصاته ومعطياته من الميدان، وتم الاعتماد فيه على تقنية أساسية في البحوث الميدانية وهي تقنية الاستجواب، استهدفت بواسطتها الباحثة عينة من النساء الممارسات للبغاء وصل عددهن ستين امرأة بالدار البيضاء، وتراوحت مدة استجوابهن والاستماع إليهن ما بين عشرين دقيقة إلى الساعتين، كما تراوحت أعمار المستجوبات ما بين ثمان عشرة سنة وثمان وثلاثين (18 – 38) سنة وأغلبهن ما بين عشرين وسبع وعشرين ( 20 – 27 ) سنة، وقد امتد البحث الميداني ما بين سنتي 1985 وسنة 1998، ليستغرق بذلك ثلاث عشرة 13 سنة وهذا ما يظهر من خلال الشهادات المتفرقة في الملحق.
بعد ذكر الباحثة لتقنية بحثها هذا الذي يندرج ضمن الأبحاث السوسيولوجية بالمغرب، انتقلت إلى إبراز الأهداف المتوخاة من بحثها، وقد حصرتها فيما يلي:
- إلقاء الضوء على ظاهرة البغاء ومترتباتها؛
- الكشف عن العوامل الباعثة على البغاء؛
- التعرف على الأطراف المكونة لبنية الظاهرة وتحديد طبيعة هذه البنية أيضا؛
- لفت الانتباه لبغاء كظاهرة سلبية ومتفاقمة ومدعومة من عدة أطراف؛
- التحسيس بخطورة الظاهرة على المجتمع؛
- كشف النقاب حول المعاناة الإنسانية الكامنة وراء الواجهة البراقة للبغاء.
وإلى جانب هذه الأهداف أشارت الباحثة منذ المقدمة إلى أن ظاهرة البغاء تعد مؤشرا على انهيار القيم في المجتمع المغربي، انهيار مترتب بدوره على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية خاصة لدى النساء اللائي تدفعهن الحاجة لامتهان البغاء من أجل البقاء أو قصد تحقيق تطلعات لا تتحقق لهن إلا عن طريق البغاء، مما يورطهن في معاناة إنسانية جمة مضمرة لا يمكن إدراكها إلا بمجالسة البغايا والاستماع لهن وتتبع مسار وقوعهن في البغاء ، فخلال استماع الكاتبة لهن يطفقن في البكاء وهن يحكين ويشعرن بالبؤس والاختناق، مما جعل الكاتبة تدرك معانتهن وتوجه دعوة صريحة للجميع تحث فيها على ضرورة التصدي للظواهر السلبية في المجتمع والتفكير في خطط ووسائل عملية ناجعة للحد منها، مشيرة إلى جهود الحركات النسائية بالمغرب ومثمنة جهودها، وداعية إلى الاستجابة لحاجات النساء وإنشاء مراكز لإعادة إدماج الممارسات للبغاء والراغبات في التخلص من استباحة أجسادهن واسترجاع كرامتهن.
ج– مدخل الكتاب:
عنونت الكاتبة مدخل الكتاب بـ” الجسد المستباح”، ويحتل المدخل عشر صفحات من الكتاب ، أي ما يناهز % 6 ، وسلطت فيه الباحثة الضوء – بشكل عام – على بنية الجنس اللاإنساني والتي تتكون من المرأة السلعة والزبون، ثم أطراف أخرة متعددة، مؤكدة على ودود تواطؤ من الجميع يسمح باستباحة الجسد وتسليعه، وهذا انتهاك صارخ لكل القيم الإنسانية، هكذا يصير الجني في نظرها عبثا بالجسد والروح، فالبغاء مهنة قديمة كان يدخل عند الأمم القديمة ضمن مجال المقدس، ومورس في المعابد أيضا، إلا أن ما تشجبه وترفضه الباحثة رفضا قاطعا هو تحول البغاء إلى ظاهرة ذات أسباب كثير منها الأسباب السوسيوقتصادية بالمغرب، مما يعني أن البغاء حسب الباحثة لا علاقة له بتأثير الإباحية الغربية المشاعة على وسائل الإعلام بل نابع من الواقع المزري الذي تتخبط فيه الكثير من النساء خاصة الشابات منهن، فالفقر دافع ” دفع ويدفع بهن إلى بيع أجسادهن كطريق سهل للحصول على المال، وإعالة أنفسهن وأحيانا تلبية حاجات اطفالهن وأسرهن، وتحقيق مستوى لائق من العيش يشدهن إلى عالم البغاء”.
فخطورة الظاهرة لا يمكن الحد منها بالزجر القانوني والموعظة الأخلاقية، بل يجب مواجهتها بالتفكير الجدي في تخليص النساء من الاوضاع الاقتصادية المزرية لكسب رزقهن بطرق مشروعة.
وهناك دوافع حفزت الباحثة على موضوع البغاء بالمغرب نجملها في :
- معايشة الكاتبة لمرحلتين مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة ومرحلة الثمانينيات والتسعينيات بعدها جعلها تقف عن طريق المقارنة على التحولات التي شهدتها الأسرة المغربية والفرد، فلاحظت وجود انحلالا في القيم، فالبغاء كان سلوكا شاذا خلال مرحلة ما بعد الاستقلال نظرا للموقف الأخلاقي الذي عرف به المجتمع التقليدي آنذاك، أما التكافل فكان قيمة راسخة وصار منعدما اليوم.
- قراءة الكاتبة للأدب المهتم بشخصية المومس، وخاصة الرواية منه، وكذا الدراسات الاجنبية عن البغاء.
- معاينة الباحثة لمواقف تطبع مع البغاء وتقبل به موردا للرزق، ونمثل لهذا بقصة تعبر عن هذا، تقول الباحثة في الصفحة الثالثة عشرة ” ذات يوم وانا أستقل سيارة أجرة صغيرة، أوقفت السيارة امراة في منتصف العمر، ركبت إلى جانبي وشرعت في البكاء، سألها السائق عن سبب بكائها فأخبرته بصوت مخنوق بأن ابنها في ” الكوميسارية”، وحكت له كيف أنه فرض عليها ان تقتني له دراجة نارية رغم ضيق ذات اليد، وعندما فعلت المستحيل واشترتها له ضبطته الشرطة وهو يحمل الحشيش. صمتت المرأة المغبونة، وما كان من السائق إلا أن عقب عليها بحدة أثارت انتباهي، إذ نسي الطريق والسياقة والتفت إليها لصرخ في وجهها:” إنه ذنبكن أنتن الأمهات، تدللن الأبناء الذكور بدون فائدة، لو كان بنتا لمارس البغاء وأتاك بالمال!!”.
كما أشارت الكاتبة إشارة خفيفة إلى الصعوبات التي واجهتها خلال إنجاز البحث ولخصتها في:
- عدم وجود مؤسسة رسمية للبحوث الاجتماعية تعنى بدراسة الظواهر الاجتماعية السلبية كظاهرة البغاء وغيرها، يمكنها أن تقدم دراسات وإحصائيات دقيقة يعتمد عليها الباحثون لمقاربة الظواهر؛
- صعوبة كسب ثقة البغايا وبوحهن عند إجراء أحاديث معهن في موضوع البغاء.
وفي نهاية المدخل تطرقت الباحثة إلى سمات البغايا وفئاتهن ومعايير الطلب عليهن الرائجة بينهن.
د- القسم الأول:
تطرقت الكاتبة في هذا القسم إلى العوامل التي تفسر ظاهرة البغاء في المجتمع، كما تفسر استمرارها وتفاقمها أيضا، فقد أشارت إلى ما طرأ على العائلة المغربية من تحول قادها من العائلة التقليدية الكبيرة إلى الأسرة النووية، مما أدى إلى فقدان الأنماط التقليدية على مستوى العلاقات والسلوك دون تعويضها بأنماط جديدة، إد عرفت القيم تمزقا على مستوى العائلة نتج عنه عائلة مجنة ذات قيم تقليدية متجاوزة وأخرى حداثية غير مكتملة، كما ان الأسرة النووية عادة تتسم بمحدودية الدخل مما يجعلها في معاناة دائمة على مستوى السكن وحاجيات الحياة، وزد على ذلك مشكر الأمية.
أما نتيجة الأسرة النووية على بالنسبة للمرأة تتمثل في فقدان الحماية التي كانت تتوفر عليها في ظل العائلة الممتدة على المستوى المادي، وعلى مستوى إصلاح ذات البين بين الزوجين، فالظروف السوسيوقتصادية تؤدي إلى التفكك الأسري الذي ينتهي بالطلاق. فهناك 16.4 من الأسر تعيلها نساء، وكذلك 75 بالمئة من المطلقات أميات، فالطلاق دون مؤهلات وقوانين لحماية المطلقة يدفعهن إلى البغاء للعيش وإعالة الأطفال.
وعموما فإن الباحثة قد تحدثت عن خمسة عوامل تقف وراء ظاهرة البغاء، وهي:
- تفكك الأسرة الأبوية : عادة ما ينجم هذا التفكك عن الفقر والامية والعنف والشجار والأجواء المشحونة التي قد تطبع الأسرة. فمشاكل الأسرة تؤدي إلى التوتر في العلاقات، ومع غياب النضج اللازم يكثر الشجار ويدوم، فتتحمل البنت تبعاته طيلة حياتها، كما يكون هذا سببا لانحراف بعض الفتيات.
- فقدان الطفل لتوازنه بعد الطلاق، ثم ضياع الاستقرار الأسري؛
- ظلم القانون للمطلقة بجعلها تغادر بيت الزوجية دون حماية قانونية ولا حماية عائلية كما اشرنا، مما يجبر الأم الطالق على توفير مستوى العيش الذي اعتاده الاطفال من قبل، علاوة على ما له من آثار نفسية وخيمة خاصة بعد طلاق الوالدين وزواجهما.
- الطلاق ــــــــــ غياب الحماية القانونية والعائلية ـــــــــــ العجز على توفير شروط العيش ــــــ البغاء للبقاء وإعالة الأطفال.
- العنف ضد النساء : يشكل العنف الممارس ضد الطفلة ثم ضد المرأة فيما بعد أحد الأسباب التي تدفع الكثير من النساء إلى البغاء، فالحداثة الحقيقة ليست مكتسبات علمية وتكنولوجية بل تغيير لتصورات الأفراد وسلوكاتهم وعيشهم وعلاقاتهم وترسيخ لقيم التحضر بين الزوج والزوجة والأبناء، فهناك عنف التربية المتمثل في التربية على الميز الجنسي المغيب للمساواة، فاستقبال الأنثى المولودة يكون أقل حفاوة مقارنة باستقبال الذكر، كما ان الانثى عند وقوعها في هفوات بسيطة تعامل بعنف لفظي أو جسدي من لدن الأب أو الأخ في الغالب، وهذا العنف يفقد الطفلة الثقة في الذات ويلغي الصراحة بينها وبين الأب. فالمعاملة القاسية تجاه البنت كمنعها من الدراسة أو منعها من الخروج، أو ترسيخ قيم محافظة جدا في ذهنيتها وتعليمها بأن فرصتها في الزواج رهينة بحرصها الشديد على بكارتها يجعلها تتخذ قرار الهرب من الأسرة إذا ما تعرضت لاغتصاب أو فقدت بكارتها بأية طريقة من الطرق، تحت دافع الخوف من عقاب مستمر من الأسرة واتقاء للفضيحة. أما العنف الممارس على الزوجة فتعرفه كل المجتمعات، فالزوجة تستسلم للعنف المادي الذي يصحيه عنف نفسي ومرد ذلك إلى نشأتها التقليدية على طاعة الزوج سيد البيت، هكذا فاستباحة جسد المرأة بالعنف سواء كان أبويا أو زوجيا، بالإضافة إلى التشدد في التربية قد يقود إلى البغاء خاصة في ظل الفقر وانعدام المؤهلات.
- الزواج المبكر : هناك 12 بالمئة من المطلقات يتراوح عمرهن بين 15 و 24 سنة، كما أن العقلية المحافظة التي تحصر دور المرأة في البيت وتربية الأطفال، كما تعتبر البنت عبء وزواجها سترة ولو في سن مبكر، وهذا يعكسه الدعاء الشائع للبنت ” الله يجيبلك شي نقرة فين يغبر نحاسك” فالنقرة هو الرجل، بينما النحاس هو المرأة ولهذا دلالة دونية للمرأة، فالزواج المبكر ظاهرة في الأوساط النقليدية والشعبية، حيث يستغل الولي السلطة التي يخولها له القانون والشرع فيقحم البنت في علم المسؤولية الزوجية دون خبرة إو تأهيل ، فتستحيل الحياة، فيكون مصيرها مغادرة بيت الزوجية مع إمكانية السقوط في البغاء، فالزواج المبكر يفشل في أغلب الأحيان.
- التحرش الجنسي : تعرض المرأة للتحرش الجنسي في الأمكنة العامة وداخل مقرات العمل ، خاصة عندما تكون غير مؤهلة، وفي المتخيل الجمعي المغربي اصطياد المرأة من لدن الرجل قدر مفروض عليها يمارس بكل الوسائل ويرسخ التراتبية الجنسية، فالرجل سيد و صياد وهي فريسة تابعة، فالفتاة غير المؤهلة يتم تشغيلها غالبا لغرض جنسي أو تتعرض للمساوة والابتزاز الجنسي مقابل استمرارها في عملها، كما قد تقبل بالتحرش الجنسي كتحد سلبي فتسقط في البغاء لاسيما بعد الاغتصاب، وهذا ما أكدته بعض الشهادات.
- عوامل أخرى : تجمل الكاتبة هذه العوامل في:
- الأمية والفقر: تعد الأمية عائقا أمام اندماج النساء في التنمية، تجعلهن يشتغلن بأجر زهيد وفي ظروف قاسية، مما يجل البغاء بديلا وحلا سهلا في نظرهن للتخلص من المعاناة وتحقيق مدخول عال، فالهشاشة والفقر دافعان لبيع الجسد، خاصة إذا اقترنا بغياب الحصانة الأخلاقية التي تأتي من التنشئة الاجتماعية السليمة.
- التساهل الاجتماعي: يسمح التساهل الاجتماعي بوجود البغاء كانحرام يحقق المال والثروة والمكانة، وهذا التساهل تساهلان:
- تواطؤ الأسرة: البغاء كانحراف يتعزز بتواطؤ الأسرة المستفيدة منه، وهذا مؤشر على انهيار القيم وحلول قيم نفعية محلها، وهذا التواطؤ يتجلى في تشجيع الأبوين والإخوة الذكور بسبب البطالة( شراء صمتهم)، وفي تخلي الأسرة عن دورها كرادع أخلاقي وموجه لمبادئ السلوك السليم.
- التواطؤ العام: يتمثل في تواطؤ الأمن وقبوله الرشوة من البغايا، وتواطؤ سائقي سيارات الأجرة، وكذلك في أمكان الدعارة من أوكار وفنادق فخمة لا تخضع للمراقبة، و يغض أصحابها الطرف عن الظاهرة، بل يوفرون الحماية للبغايا .
ه – القسم الثاني: أطراف البغاء
تحدثت الكاتبة بتفصيل عن الأطراف التي تتدخل في ظاهرة البغاء، فتوقفت عند البغايا والزبناء كطرفين رئيسيين في عملية البغاء، حيث أشارت إلى علاقة المرأة البغي بجسدها المستباح، وإلى كل ما يتعلق بهما من مواصفات ومعايير وفئات، بالإضافة إلى المعاناة التي تعيشها المرأة الممارسة للبغاء، كما سلطت الضوء على الأسباب التي تدفع الرجال إلى البحث عن البغايا. أما الطرف الثالث والذي لا يقل أهمية عند الحديث عن ظاهرة البغاء في نظر الكاتبة هو الطرف المسمى بالوسطاء ومنهم النساء والرجال أيضا كأرباب المقاهي والفنادق وأوكار الدعارة المتناثرة هنا وهناك ومستخدميهم وكل هؤلاء يلعبون دور الحامي للمرأة الممارسة للبغاء لأنهم يشكلون حلقة وصل بينها وبين الزبون وتربطهم علاقة نفعية بالموضوع.
و – ملحق الكتاب : يشتمل على شهادات للمستجوبات بأسماء مستعارة، ويحتل ربع الكتاب.
ز – تقويم الكتاب :
إن كتاب البغاء أو الجسد المستباح تميز بلغة بسيطة بعيدة عن التعقيد، وفي متناول القارئ مهما كان مستواه المعرفي، إلا أنه يكتسي أهميته من الموضوع الذي تطرقت له الكاتبة ، على اعتبار أن البغاء ظاهرة اجتماعية قائمة الذات تستحق البحث والمساءلة والمناقشة بعيدا عن أي حرج اجتماعي أوديني ، ولهذا يحسب للكاتبة شجاعتها على طرح ومقاربة الموضوع، كما يحسب لها وضع الأصبع على أسباب البغاء ببحث ميداني معزز بشهادات حية من الواقع المعاش. لكن ما يعوز هذا البحث هو عدم طرح الكاتبة للإشكالية بوضوح في مقدمة الكتاب، إضافة إلى عدم ذكر المنهج الذي اعتمدته فيه، وإن كانت قد اعتمدت على تحليل المعطيات التي وردت في الشهادات، كما أنها عندما تحدثت على العقلية التقليدية المحافظة جدا التي تنشأ عليها الفتيات وغالبا ما تكون سببا للعنف والتمثلات الخاطئة عن الجسد وانعدام التوازن .. والانحراف المؤدي للبغاء، لم تتعمق في التحليل، ولم تبين مصدر خصائص هذه العقلية، هل هو العقل الفقهي الإسلامي؟ أم الثقافة السائدة؟ أم كلاهما؟.