هبة شريقي
لمعت فكرة رواية “قصر الصبار” في ذهن الكاتب العراقيّ زهير كريم عام 2004، عندما كلّفته المؤسسة الصحفيّة التي كان يعمل فيها آنذاك بالكتابة عن المباني التراثيّة في بغداد.
يقول في استهلال الفصل الأول من الرواية: “لقد كتبت تقريراً عن هذا البناء استعنت على إنجازه بعدد من المصادر الرسميّة؛ أرشيف الدائرة التراثيّة ومطبوعات قديمة، قبل أن أبدأ بالخطوة التالية: زيارة المكان نفسه، تصويره من الداخل والكتابة عن جماليّات المعمار الداخليّ. ما حدث أنّني لم ألتقط صوراً ولم أكتب عن جماليات القصر من الداخل، فقد انحرف المشروع كله إلى منطقة أخرى، إلى مغامرة سرديّة تعاضد الخيال والحقيقة لنسج مبناها”.
وجاءت الرواية الصادرة عن “الآن ناشرون وموزّعون” في الأردن في 196 صفحة من القطع المتوسط، مقسّمة إلى 13 فصلاً. وتنقّل الكاتب بين الشخصيّات في كل فصل ليسرد الحكاية بألسنة شخوصها، بالإضافة إلى فصول تضمّ سرد الكاتب الشخصيّ متكئاً في العديد من المواضع على أرشيف صحافيّ وأمنيّ ومعطيات تاريخيّة ووثائق.
لم يستطع الراوي عبور الحواجز الكونكريتيّة لدخول القصر؛ فاكتفى بتصويره من الخارج، وطلب من أحد سكّان الشارع أن يحكي له باختصار ما يعرفه عن جيرانه الذين شغلوا المكان قبل الاحتلال، فزوّده الأخير بدفاتر (يوميّات) تعود لساكنة القصر الأخيرة (نرجس)؛ الشخصيّة الرئيسيّة في الرواية، ولعدد من خدمها؛ فكانت الرواية تسجيليّة، حضر فيها الخيال بشكل واضح. “المنزل الذي جرت فيه الوقائع والشخصيّات التي ستشغل مساحة السرد كلها خليط من سِيَر الأبطال الشخصيّة والقليل من خيالي، أنا الكاتب”.
ويقدّم كريم للقارئ تقريراً مختصراً عن تاريخ القصر الذي بُني عام 1921 وظهرت في حديقته نبتة صبّار استوحى منها اسم روايته. وعرّج على ذكر أو تخيّل تفاصيل حياة ساكنه الأوّل الذي عاش فيه 20 عاماً ثمّ توفي ودفن في إنجلترا، كما يذكر شخصيّات مَن سكنوه بعده وصولاً إلى “الحاج رافع” -زوج نرجس- الذي أسكنها فيه: “وعاشا فترة، قبل أن يهجرها مضطرّاً على ما يبدو، ويتحوّل البيت إلى موضع مضاء بشكل احتفاليّ في المساء، لكنّه غامض رغم ذلك”.
وامتازت الرواية بأسلوب شائق ولغة جريئة سبرت أعماق الشخوص النفسيّة، وخيالاتها، ورغباتها المدفونة، وروادعها وأسرّتها. وتتمحور الحكاية حول معرفة مصير “نرجس”؛ الفتاة التي غُرِّر بها عاطفيّاً وفقدت عذريّتها في عمر المراهقة، لتحرّض أخاها لاحقا على قتل أمِّها التي كشفت سرَّها وتوقّعت لها مستقبلاً غارقاً في العار، وتهرب في ما بعد إلى مدينة أخرى تصبح فيها شخصية مشبوهة تربطها مصالح مشتركة بأشخاص متنفذين، وتُقتل في النهاية على يد أحد الأشخاص الذين امتدَّ إليهم أذاها.
ومما جاء على الغلاف الأخير من الرواية: ” لقد كنتُ شاهداً على الحادثة، شاهداً فقط، لكنّ الحظّ العاثر دفعني إلى موضع المذنب. جرت الأمور بطريقة غير مفهومة -بالنسبة إليّ- وغير متوقّعة، لأن كلّ شيء حدث بسرعة وفجائيّة، فوجدتُ نفسي داخلَ دائرة الاتهام تلك الليلة قبل أن أكون في دائرة الإدانة، لكنّهم لم يحاكموني، تركوني معلَّقاً مثل حيوان سقط في فخّ، ذهبوا وتركوني حتى أصابني اليأس فانطويتُ على نفسي، يغمرني الخزي، شريكاً في جريمة لا علاقة لي بها، رافَقْتها فضيحةٌ تضاف إلى سيرتي، ستلطّخ بعارِها سمعة عائلتي، بالإضافة إلى المصير المجهول الذي لم تنكشف ملامحُه إلّا بتوافقات عجيبة، إفراج غير متوقَّع كما لو أنّ يدَ المعجزة نسجَتْه، مع شهادة حصلتُ عليها في ما بعد بأنّني مناضل، على الرّغم من أنّني لم أكن كذلك، لم أكن ضدّ أحد أو معه، لكنّها شهادة مسنودة بقصة بطوليّة، والناس يصدّقون حكايات الأبطال في النهاية، يصدّقون الأساطير التي تصنعها الوثائقُ المزيَّفة”.
جدير بالذكر أنّ زهير كريم كاتب من العراق مقيم في بلجيكا. صدر له في الرواية: “قلب اللقلق”، “صائد الجثث”، “غيوم شماليّة شرقيّة”، و”خيوط الزعفران”. وفي القصة: “ماكنة كبيرة تدهس المارّة”، “فرقة العازفين الحزانى” و”رومانتيكا”. وفي أدب الرحلات: “أغاني الرمل والمانجو”.