العفن من الناحية المختبرية مجموعة مكونات من الفطريات على شكل فصائل جرثومية ، و لدى عامة الناس يعني الوسخ وماتخلفه إستعمالات الحياة اليومية من أشياء ومخلفات لم تعد صالحة للإستعمال ، وهو ايضا نوع من الفساد يغير الاشياء ويحول اصلها او طبيعتها وتصبح روائحها نتنة زاكمة للأنوف ، لكن هذا العفن لايستثنى منه العفن الفكري والسياسي والسلوكات الوسخة الصادرة عنه ومنه والتي لاتصنع بالتأكيد إلا نظام اجتماعي أسسه تلك الصفات التي يستحي ذكرها .
فكلنا يرى في محيطه ومعيشه اليومي تلك الدورة الوسخية إن صح التعبير تبتدأ من رمي ووضع الازبال أمام منازل ومحلات الغير ، التبول والتبرز والبصق في الحدائق وكل الفضاءات العامة خلق بؤر وتجمعات من المزابل على أنواعها ومكوناتها … تشويه واجهة الجدران والبنايات بكتابات وعبارات ورسومات تمس الأخلاق والمنظر العام ، والدليل في ذلك نجد تحذيرات وتنبيهات مكتوبة على الجدران وبخطوط بارزة للعيان تمنع على الناس رمي الازبال او التبول والتبرز ووووو… وحثهم على الالتزام بمبادئ النظافة المرتبطة بالإيمان وبحسن الأخلاق …دون أن ننسى العفن اللفظي بلغات العنف والتحقير والعصبية والعنصرية الضيقة …
فالعفن بتفسيراته المذكورة أصبح لأغلب المجتمعات سواء ( المتخلفة ) او المجتمعات التي تسمي نفسها ( متقدمة ) ممارسة يومية تزداد إنتشارا يراها المختصون كنتاج لثقافة الاستهلاك السريع للرأسمالية المتوحشة التي يهمها الربح أولا وأخيرا على حساب صحة الإنسان وسلامة محيطه الاجتماعي و البيئي وتغيرات المناخ العالمي والاحتباس الحراري وغيره …. الناجم عن العفن للمخلفات الصناعية الصلبة وكذا التغيرات التي مست القيم الاجتماعية اكبر دليل على ذلك .
وإن حاولنا إجراء مقارنة موازية للعفن الفكري بمنتجاته الثقافية والسياسية في واقعنا الحالي سنجده لايختلف عن سابقه وتؤطرهما معا معادلة الهيمنة والتسلط والربح وعندما نتحدث عن الربح يعني ضمنيا هناك أجر ومقابل مادي مدفوع لترويج ونشرهذا المنتوج الثقافي او السياسي الفاسد وخلق مؤسسات قائمة بذاتها لهذا الغرض ( إطارات معينة ) تتخذ تسميات وشعارات معينة وأهم شعاراتها ( إحترام الديمقراطية وقيم التسامح وحرية التعبير والتفكير والمعتقدات والميولات والاختلافات … ) ونجد لها ايضا أبواقا دعائية متعددة يؤطرها متخصصين يعتبرون انفسهم رجال علم ومعرفة وفن وثقافة ودين وسياسة … وكل من حاول انتقادها ينعت في نظرهم بالعدمية والتحجر والمثالية وأحيانا أخرى بالجنون أو تلفق له عمدا تهم تناسب مرجعياتهم المتعقنة للزج به داخل الزنازن حتى تخلو لهم الساحة لينشروا الأرض عفنا وفسادا .
ومن بعض مظاهر ذلك نجد الانفصام و التناقضات والازدواجية في المواقف والخطابات والممارسات والكيل بمكاييل عديدة الشيء الذي أدى إلى خلق أفواج عديدة من الانتهازيين الراكبين على كل تجليات الإنسان ( الإنسانية ، الأديان ، الأوطان ، المشاعر ….) المتواجد اغلبهم وللأسف الشديد في اغلب مراكز القرار والتحكم بشعارات مختلفة في مصائر الشعوب والسعي إلى ترسيخ الأمر الواقع والقبول به ليصبح مع الزمن الوسخ منهجا وإعتقادا بشريا .
ولمواجهة العفن الجرثومي أو الفكري لابد من وجود فكر وممارسة نظيفة بتصورات ومرجعيات نظيفة تبدأ من الذات إتجاه محيطها في سلوك وممارسة اجتماعية يومية لبناء الأفضل والأرقى لتأكيد ان الانسان فعلا كائن عاقل وليس حيوانا بلافطرة.