“موطن القلب”حورية الكسري

هناك … حيث الشمس خجولة تزيح بإشراقتها ظلام الافق ، حيث النسيم عليل يداعب الاغصان المثقلة بالندى و الاحلام النائمة على اطرافها . حيث الحب يتفجر كنهر عظيم من جوف الارض … ارسل سلامي و حبي و اشتياقي… لرائحة ترابك الزكية ، لأصوات أبنائك و بناتك الصغار وهم يتسابقون في ممراتك و بين اشجارك . لسمائك ، لقمر يبتسم حين يطل علي من خلف نوافذك ، ونجوم تملأ قلبي حين ازورك … لنبضات قلبي حين يعانقك ، ولذكرياتي المعلقة في زواياك و مصابيحك . لقد مر عام يا جنة قلبي ، ومازلت أذكرك ، أتنفسك ، و أحلم بك . لن أقول لنا لقاء ، بل سأقول كنت موطن قلبي ، والان انت المنفى … سأقول وداعا للابد ، أعلم انه لن يكون هناك لقاء .لكني سأبقى طول العمر اذكرك .. .
موطن القلب 

حين يلامس طيف تلك الايام الدافئة ذاكرتي المتعبة .ترتعش مشاعري امام ذكرى هائلة … امام احلام طواها النسيان وقست عليها قبضة الايام , فاتخذت من تلك الروابي منفى لها .لكن… وان كان المنفى قاسيا , فإن بين أشجاره وأوديته حياة تختلف تمام الاختلاف عن ما خبرته من حياة . هناك …. الشمس تشرق على انغام الحب و تغرب على ضفاف القلب تماما . و الغيوم تحمل قطرات من امل تفرح الارض لها , فتزهر بالحياة مبتسمة مبتهجة لدرجة انك تحسها وهي ترقص فرحا بزيارتك .

على شرفتي حلم …
من جديد ، يحط طيفك على شرفتي ، يهتز قلبي ، تتسارع النبضات و يعلو صوت انفاسي المتعبة . انهظ بسرعة وازيح الستار بهدوء حتى لا يطير الطيف بعيدا … حتى لا يتلاشى الحلم للمرة الالف …نعم ، انك هنا ، ملامحك التي  تمتزج و خيوط شمس الغروب الحمراء المودعة . أنفاسك تهب محملة بنسيم الصيف الذي احببناه معا دائما . انغامك ، أحلامك … إنك هنا ، روحك الممتزجة مع كل جميل في هذا العالم لم تغادر أبدا … و لا يمكن أن تتلاشى .
ودعت الحياة ولم تودع قلبي يوما … سلامي لك حيث انت .حورية .

متى كنت شمسي ؟ 
في نهاية كل طريق ، كانت الأبواب المغلقة تفتح بمشقة ، كانت الأحلام المستحيلة تتحقق في النهاية بعد جهد وعناء . و كانت الدموع تغسل ما علق بالقلب من تعب و ترمم ما لحق به من أذى … و تستمر الحكاية ، وفي كل فصل من فصولها ، كنت أرى شبحا ما يقف منتصبا في خلفية المشهد . كان كل شيء يتغير ، أحيانا للأسوء و أحيانا يطفو الفرح الى الواجهة  فتشرق الإبتسامات ، و تتعالى الهتافات … لكن ذلك الشبح على حاله لا يتحرك و لا يتغير . أذكر أنه في بعض الفصول المظلمة الصعبة ، حيث كان اليل يطول ويطول ، يعم الظلام ، وتختفي كل الشخصيات . يظل هو منتصبا ككابوس يرعبني و يضاعف خوفي و قلقي . إنه يرافقني من فصل لآخر و من حكاية لأخرى ، يتحرك ، يصدر أصوات مرعبة كأنها معزوفة استحضار الشياطين ، أو ربما صوت المدافع التي تعلن اندلاع الحرب ، وأحيانا يكون صوته كمن يستغيث طالبا العفو من تعذيب رهيب . لقد كانت كل تجلياته عبارة عن كوابيس مرهقة رافقتني منذ بداياتي الاولى ، منذ أحلامي و إخفاقاتي الاولى . ..مؤخرا بات يختفي من المشهد لفترات طويلة ، حتى أظن انه تركني أخيرا و رحل بعيدا ، لكنه لا يزال يزورني من حين لاخر ، متمتما بكلمات مبتذلة ، متحدثا عن أشياء لا استوعبها … من قبيل ” انت مدينة لي ، فقد كنت شمسك منذ البداية ! .

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

“الخَرَّوبة” لرشيد عبدالرحمن النجّاب.. بداية عهد جديد

عمَّان- رواية “الخَرَّوبة” لرشيد عبدالرحمن النجّاب.. تعدَّدت الأحداث والقدر واحد، إنه البطل؛ جد الراوي والمجنَّد.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات