مهند النابلسي – الأردن
“بقي لساعات طوال وهو يحاول عبثا وضعنا في الصورة حتى تحول نفسه لصورة”*
هكذا سماه اليابانيون، لأنه عند حدوث مشكلة تقنية ما، يهرع راكضا لمكان العطل ويثير الضوضاء ويستعرض تواجده لائما الاخرين ومنتقدهم لتقاعسهم، بينما لا يفكر او يفعل شيئا حقيقيا لحلها، وعندما يطلب منه شرح موضوع ما، يكثر من تعبير “لكي أضعكم في الصورة” واصفا مجريات ما يحدث في ارجاء المصنع هنا وهناك من مشاكل، دون القدرة على وضع الحلول والاقتراحات، حتى أن أحد المهندسين الظرفاء علق على تكراره الممل لكلمة “الصورة” قائلا: “بقي لساعات طوال وهو يحاول عبثا وضعنا في الصورة حتى تحول نفسه لصورة”! …وعندما علم بوجود لجنة فنية لانجاز “مخطط استراتيجي لتوزيع وتخزين واستخدام الطوب الحراري في المصنعين”، كاد ان ينفجر من الغيظ لتجاهله وارتباط الموضوع بالادارة العامة المركزية بدون الرجوع اليه، لذا فقد استدعى المهندس رئيس اللجنة على عجل، وطلب منه أن يشرح بعجالة الخطوط العريضة للتقريرالمعقد باستخدام مخطط توزيع الطوب في المصنعين، فلم يستوعب شيئا، فطلب بعصبية اعادة الشرح، ولكنه عجز هذه المرة عن الفهم ايضا، فنفذ صبر المهندس المسؤول، فقال انه من الصعب افهامه فحوى التفاصيل لعمل معقد استغرق أكثر من ستة اشهر في دقائق معدودات، وقد تطلب العمل لانجازه الساعات الطوال والأيام المتواصلة ومن ثم مراجعة السجلات القديمة بدقة والسفر للمصنعين البعيدين عن بعضهما، فأجابه المدير مترصدا ومتهما: “اي أنك تعني ببساطة بأني حمار لا افهم”، فنفى المهندس أنه اطلق عليه لقب الحمار، ففاجئه المدير الحاقد المضطرب قائلا:”هذه والله فرصة سانحة لي لطردك فورا من العمل”! وسترى، واتصل بالفعل بنائب المدير العام للشؤون التقنية الذي كان يدعمه ويتواطىء معه، فنصحه هذا الأخير بالاتصال هاتفيا بنفس المدير العام التنفيذي صاحب القرار الفوري في هذه الحالة، وملمحا بأنه سيمهد للمدير بالموضوع وسيحرضه على فصل مهندسنا “المسكين/المستكين” عاجلا، وبالفعل اتصل صاحبنا “مدير المصنع” مباشرة بالمدير العام التنفيذي، شارحا له التفاصيل وفحوى الاهانة البالغة، ولكن المدير انفجر ضاحكا وهو يدخن الغليون كعادته، وحادث مهندسنا مستفسرا، طالبا منه ملاقاته في مكتبه في بداية الاسبوع القادم، وعندما ذهب المهندس وهو يتوجس قلقا من وجود مؤامرة محبكة ضده مرعوبا من فكرة طرده من العمل، لاحظ تفهم المدير العام بل وتعاطفه التام معه بل وطلب منه “الصبر”، ومن ثم تم ايفاده بعد حوالي الشهرين كرئيس فريق تدريب لبلد خليجي لمدة سنتين، وقد تضاعف راتبه لثلاث مرات، وهكذا كان و”عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم”، اما المفارقة الغريبة هنا فتعزى لكون نائب المدير العام “بلديات” المهندس (اي من نفس مدينته في الضفة الغربية، ويدعي وجود قرابة ما مع عائلته من جهة الأجداد، مما يثبت مقولة “الأقارب عقارب” الدارجة شعبيا!)، علما بأن شبهات فساد غامضة كانت تطال هاتين الشخصيتين المتنفذتين في الشركة العامة الكبيرة…وسلامة تسلمكم وربنا يسعدكم وعسى أن تعجبكم هذه القصة الحقيقية التي هي بالحق “خيالية ابداعية” بحتة وليست لها صلة بأية أشخاص على قيد الحياة او مرحومين راحلين، وكما قال “ماركيز” فالواقع يفوق الخيال غرابة وطرافة وتشويق!