إن صلب الأزمة التي يحاول اجتيازها عالمنا اليوم ، تشير إلى أن المسألة ترتبط بإمبريالية اقتصادية ، أكثر من أي تفسير آخر ،إمبريالية تتشبع بخلفيات سياسية معينة.
وعبر التاريخ نجد الديكتاتوريات ،وقد صنعت أقنعة في مجالي الأدب والفن ، للتعتيم على جرائمها ، بيد أن هناك بعض الاستثناءات والإنفلاتات التي تولّدت ، بشكل طبيعي ،معبّرة عن مواقف مضادة للتوجهات الإمبريالية والديكتاتورية ، تخطّت الردود أفعال ، لتصنع قاعدة إنسانية عريضة حققت المنشود ، وانعكست بالإيجاب على السياق التاريخ وأفق المراهنة على الرأس مال البشري.
نستطيع القول أن الأدب والفن ، متى أنجبتها الأزمة العالمية ، مثلما هو مستفاد من التاريخ ، إلاّ وقدّما الحصانة والرعاية الحقيقية للتوجه الإنساني الذي ،تقف ضده على الدوام، مافيات الاقتصاد العالمي.
وساء أصنعت الفن والأدب ،أزمات التاريخ البشرية ، الحقيقية ، أم سماسرة الاقتصاد ، فإنهما ، أي الأدب والفن ، قادرين على الرسوخ في الذاكرة والوعي ، على نحو يتيح الاستفادة منهما في عبورنا الآدمي المفخخ بالثغرات النفسية والهوياتية والمادية.
بالعودة إلى موضوعنا ،لمساءلة إشكالية عالمية كبرى ، من قبيل جائحة اسمها كورونا ، وقد تضاربت حول نشأتها وتطوراتها الآراء ،يمكنا القول أن دول الصدارة أو الدول العظمى ، خانتها الحنكة في تدبير مثل هذا الوباء ، مع أنه في الأصل ، جريمة بيولوجية تخدم النظامين الديكتاتوري والإمبريالي ، على حساب إنسانية النوع ، ما أسهم في تجليات أخرى للاغتراب الروحي ، وعزل الكائن ، ومن ثم ذلكم البحث المضني والشاق عن متنفّس ، إذا شئنا ، أو خلاص ثقافي ما ، تربح الإنسانية جراءه ، ما كبّده إياها ، الجنون السياسي والاقتصادي.
يجرّنا هذا إلى طرح التساؤل التالي :
هل في استطاعة زمن ما بعد كورونا ، إنجاب شخصيتين فكاهيتين من طراز تشابلن و أتكنسون ، للتشويش على عربدة لصوص السياسة العالمية؟
ما بين تشارلي تشابلن ( 16أبريل 1889 ــــــ 25ديسمبر1977) و الممثل الكوميدي الإنجليزي ، أيضا ،روان أتكنسون، مبتكر شخصية مستر بين ،في امتداد للصناعة السينمائية الصامتة ، جاءت صادمة بخطابات الطفولة التي تتفجّر في الإنسان لما يكبر، واعتماد قوالب للسخرية البيضاء الدالة على غرائبية معالجة معضلات اليومي والمعيش، والتعامل مع المشاكل الحياتية بأريحية أقرب إلى الجنون .
قلت ،مابين الشخصيتين، أدب حقيقي ببطانة فنية ،وليس مجرد إدمان التهريج لزرع الابتسامة في الشفاه الذابلة ، بل بصم نوافذ أمل في القلوب المكلومة والمختنقة بأخطاء وحماقات لوبيات وعصابات الاقتصاد العالمي ،على نحو مخلّ بتوازنات عالم يفترض أن يقوم على التنوع والتكامل والتلاقح ، لا الخلافات والمفاضلات العرقية والعقدية والألسنية.
لربما أضفنا إليهما ، نجم الفكاهة الممثل المغربي حسن الفذ ، المنحدر من مدينة الدار البيضاء ،والمزداد بتاريخ 24نوفمبر عام 1962،وهو المعرف بكوميداه السوداء المناهضة للديكتاتوريات بمختلف أقنعتها،وعمق تأثيرها على باقي الإيديولوجيات التي تغذيها روح العولمة المتوحشة ، ويحكمها خطاب الصهيو / أمركة.
طبعا لا يمكن استقراء مثل هذه الرسائل المشفّرة ، من نضال حقيقي تُرجم عبر الكوميديا السوداء ، من قبل كهؤلاء رموز ،تشبثوا بمواقفهم وقناعاتهم المضادة لواقع الغطرسة السياسية والاقتصاديات ،والمنطق الإقطاعي الذي أملته عولمة جارفة ، لم تسلم منها الثقافة ، بدورها ،وقد قاوموا باستماتة وشراسة شتّى أضرب الاستقطاب، وهو ما سوف ينقلنا إلى نقطة محورية ،ضمن هذه الورقة التي حاولنا فيها اختزال جدلية الإبداع والسلطة الاقتصادية.
العولمة الثقافية
لعل النتيجة النهاية لاستحواذ أيديولوجي ، يرعى جشع دول الزعامة العالمية ، ويصون مصالحها ، ويمكّن لمزيد من الأحادية والقطبية وبسط النفوذ ، تكمن ، أي هذه النتيجة الملطّخة بأوبئة الجور على المعطى أو الخيار الإنساني ، كضرورة لخلاص النوع البشري في وجود متقلّب ومضطرب ، هي نتيجة تحمل من الرتوشات الثقافية ،زخما جان على الروح في كل ما من شأنه أن يرتقي بعقل وذوق الإنسان ، ودائما في السياق ذاته.
من هنا كان ولابد ، صبغ الثقافة بحمّى العولمة ،تمكينا لنعرة الاقتصادي ،وذودا عن إمبرياليته.
طبيعي أن مفهوم التبعية ،ساعد في تمرير مثل هذه المؤامرة ، على كل الشعوب ،و أسرف في العبث بالهوية العربية التي تعنينا ها هنا أكثر من أي شيء آخر ، نظرا لتقاطع المصالح السياسية والاقتصادية والمؤسساتية التي يفرضها ما يسمّى بـــــ ” النظام العالمي الجديد”.
هي في الأخير ، عولمة ثقافية تؤجج نظير هذا الصراع بين الفعل الإبداعي وراهن استنساخ الديكتاتوريات التي تتنفس إيقاعات الانتعاش الاقتصادي ، على نحو صاروخي مسترسل ، مقابل خنق الهوية الإنسانية ، والحيلولة دون ثقافة بناء الإنسان بالمعنى السوسيوثقافي ، الأقدر على منح العالم توازنه وعافيته ،مثلما يصبو إليها الأدب مثلما الفن ، عبر تعاقب الأجيال ، وفي تمرده على الأقنعة والحضور الرسمي الذي ليس يخدم عدا النزوع الديكتاتوري والجشع الاقتصادي المتسبب بالخراب الروحي والمادي.