تحفة “كوانتين تارانتينو” التاسعة:
دراسة سينمائية وصفية متكاملة وفوز براد بيت باوسكار/2020 أفضل ممثل مساعد لبراعة أدائه المذهل!
كوميديا- درامية خلابة/حققت اجماعا نقديا يوازي ال 85% على موقع الطماطم الفاسدة…اقحام لمشهد لا مغزى له حول قيام البطل بحرق الضباط النازيين لارضاء يهود هوليوود المتنفيذين!
*في فيلم تارنتينوالأخير”حدث ذات مرة في هوليوود” أقحم المخرج المجنون الشهير بالبداية مشهدا خياليا افتراضيا للبطل “دي كابريو” وهو يحرق مجموعة من الضباط النازيين بحارقة اللهب “الفيتنامية” المرعبة وكان المشهد خارج السياق تماما، وبلا مغزى ومؤشرعلى تدخل منتجي هوليوود اليهود المتصهينين على ابداعات مخرجي السينما والا فقدوا الدعم والتمويل والشهرة…والغريب أن معظم النقاد العرب اللذين كتبوا عن الفيلم وأشبعوه تحليلا لم ينتبهوا لهذا المشهد اللافت وربما تجاهلوه بقصد! كما يفسر ذلك ضمنيا عدم اقدام السينما العالمية (الاستهلاكية او حتى النخبوية) على طرح ملحمي لمآساة فلسطين الانسانية فيما أصابنا الصداع والقرف لكثرة الأفلام التي تناولت وما زالت موضوع “الهولوكست” وتداعياته المعروفة لتحصد التقدير والجوائز (أمريكيا واوربيا واسرائليا)…ولكن ما عذر اثرياء الخليج المطبعين واستنكافهم مع بعض سينمائيي فلسطين اللامبالين (الطامحين بالمجد والجوائز والذي يعيش بعضهم مرفها بالغرب وخارج فلسطين) كما بعض العرب عن انجاز عمل سينمائي عالمي بدلا من الكثير من هذه الترهات “السردية والوثائقية المكررة” التي يقدمونها لنا بدعم مالي مشبوه ومع تسهيلات خاصة (كما لاحظت مرارا) ؟!
*انه يدور حول قصة تتمحور أحداثها في لوس انجلوس عام 1969، في اوج المد الهيبي الجامح/ حيث يتمحور الفيلم حول قصة ريك دالتون (ليوناردو دي كابريو)، النجم السابق لمسلسل تلفزيوني شهير، مع حارسه ورفيقه وسائقه المخلص الممثل المهرج كليف بوث (براد بيت باداء مذهل)، ونرى كلاهما يكافح للاعتراف بقيمته التمثيلية في اجواء هوليوود “اللامبالية والقاسية”، لكن ريك يجاور شخصية هامة جدا هي الممثلة “شارون تيت” (والتي باتت قصة مقتلها المأساوية معروفة)…
“ملخص نقدي شامل ومعبر:
نوستالجيا تسترجع تاريخا سينمائيا “ستينيا” يعج بالحياة والابداع:
*انه بمثابة عمل سينمائي مدهش للغاية مصنوع باحتراف بارع، يحفل بالنبضات الاستفزازية لتارنتينو مدمجة مع رؤيا فريدة ناضجة ذات نوستالوجيا تنطبع بالذاكرة آخاذة تسترجع تاريخا سينمائيا فريدا ومحوريا يعج بالحياة والابداع والتفاعل.
*يبدو الفيلم كلوحة سينمائية متحركة، حافلة بالمتعة البصرية والنبض الحركي الدرامي، حتى نتمكن من الدخول لكهف الارضاء الذاتي لمخرج متطلب ومثابر…حيث تبدو الحبكة متداخلة وغنية وسلسة وتلقائية تقودك لمركز الأحداث والشخصيات، تنسج نفسها ببطء وصولا لذروة غير متوقعة، حيث يحمل هذا الشريط كل بصمات المخرج، متوجا به أفضل اعماله ربما: ونرى استرجاع تارانتينو بحنين مشوق اناقة الستينات والسيارات الجميلة الكلاسيكية والنمط الموسيقي الدارج، كما الأزياء واضاءآت النيون الساطعة وفتيات الهيبي الجريئات المنفلتات كما انواع سجائر التبغ الأصلية والحمضية المخدرة، طارحا كل ذلك بانسياب شبه وثائقي لافت ومعبر…
*كما يستعيد تذكارا عميقا لمأساة اغتصاب وقتل الممثلة تيت في قصرها الآمن بطرح استثنائي بديل شيق وانتقامي ومرضي، وبالرغم من طوله لأكثر من ساعتين ونصف، الا أنه يجذبك كمشاهد ببراعة السرد والتقنية السينمائية العاطفية المؤثرة التي تميز بها هذا المخرج بطريقة عرضه للشخصيات وبقوة تقمص آخاذة، لتشعر بأنهم ربما يعيدون كتابة التاريخ بحالة دمج مقصودة للتاريخ الخاص والعام لفترة الستينات المتألقة والمنطبعة بالذاكرة!
*فنحن نرى في البداية الممثلة الشهيرة (التي قتلت بضراوة من قبل فريق الهيبي ذاته وقد كانت حاملا)، نراها مع زوجها المخرج الشهير “رومان بولانسكي”، وقد انتقلت للفيلا المجاورة لسكن دالتون، حيث يحلم هذا الأخير للتعارف معهما لاستعادة حالته النفسية والاجتماعية…وفي نفس تلك الليل، ينضم كل من بولانسكي وزوجته بيت الشقراء، الى “جاي سيبرينغ” في حفلة صاخبة مليئة بالمشاهير في مزرعة “بلاي بوي” الشهيرة…
*لقد استنفذت مشاهد الفيلم قدرات المشاهدين على التركيز وارهقتهم ، لكن التقمص المدهش جعلنا نتقبل مجريات ما يحدث من تمرد وثقافة مغايرة عن الواقع المألوف حاليا، وبدت نقاط ضعف الفيلم جذابة وحتى طقوس العنف الشديد باخر الشريط فقد بدت تلقائية بلا تصنع بل وحتى طريفة…وكالعادة فقد سرق “دي كابريو وبيت” معظم المشاهد ولم يتركا للآخرين مساحة ملائمة للتألق وتمكن تارنتينو هنا من تحقيق عمل مبهر ومتكامل مما حقق له نظرة ايجابية شاملة، ونجح بتوجيه “رسالة حب سينمائية الى ستينات القرن العشرين”!
*اعطى بعض النقاد المرموقين علامة كاملة للفيلم واصفا الشريط بانه “شائن ومثير للارتباك وغير مسؤول” ولكنه بالمقابل ” رائع وشيق ومبهر”، وانتقد آخر طوله الزائد، ولكنه اثنى لتعرضه لثقافة البوب القديمة وقصص هيبي الستينات واعادة احياء كل هذه الأجواء الصاخبة مدمجة في نمط سينمائي فريد، وانتقد آخر الرؤية التراجعية الفاحشة لفترة الستينات السينمائية وعلى التأكيد على نرجسية النجوم البيض المتسلطين على حساب غيرهم من الجنسيات والكوادر الاخرى، وعموما فلكل هذه المزايا العديدة فقد نال الفيلم “سعفة دوغ” عن مجمل الأداء السينمائي المتميز ضمن الاختيار المفضل لمهرجان كان بدورته الأخيرة.
*الاستهلال والتفاصيل “الشيطانية”:
*يشعر الممثل البارع بهوليوود “ريك دالتون” (بطل مسلسل تلفزيوني يدعى “بونتي لو”) بأن حياته المهنية قد انتهت، فينصحه مارتن شوارتز مدير الكاستنغ (آل باشينو ببراعته المعهودة الاستعراضية) بالسفر والعمل بأفلام الويسترن الايطالية المعهودة، لكن صديقه الوفي وسائقه “كليف” الذي يعيش وحيدا بمقصورة مع كلبته الكاسرة المخلصة، يبقى يقوده لكافة انحاء المدينة بلا كلل، لأن دالتون يعاني من ادمان الكحول والتشتت، كما أن كليف فقد فرصه التمثيلية لاتهامه بقتل زوجته!
*وسط الحبكة: اقتحام المزرعة الهيبية وتخريب اطار السيارة…
حيث يقتحم بوث مزرعة الهيبي الغامضة بلا وجل ويقابل الرئيس العجوز المتهالك غصبا عنه وعن صديقته المتنمرة، فيلاحظ غضب الهيبيات الذي تمثل بدعوة زميلهن “دان كليم غروغان” لتنفيس وثقب اطار سيارته القديمة، فيضربه بضراوة ويجبره غصبا على تغيير الاطار، فتذهب فتاة جامحة على ظهر حصان وتستنجد بالأزعر ” بتكس واتسون” على عجل/ وعندما يصل هذا الأخير، يكون بوث قد غادر المزرعة بعيدا…ثم نلاحظ بمشهد جديد مقحم ان “تيت” الممثلة الشقراء جارته الحامل تمشي بالشارع وتقرر حضور أحد أفلامها المعروضة في السينما “ذا ريكنغ كرو” من بطولة النجم الشهير “دين مارتن”.
*الحدث المحوري الذي قاد للنهاية الدموية…
فأثناء قيادته لسيارة دالتون، يلتقط بوثُ الهيبية المنحرفة “بوسي كات” من الطريق لتوصيلها لمزرعة سبان الكبيرة في الضواحي، حيث سبق لبوت بتصوير فيلم بونتي لو “قانون بونتي” سابقا، ويشك بالعدد الكبير جدا من الهيبيين ومعظمهم نساء يجلسن ويتجولن داخل عقار عائلة “مانسون” مع العديد من الكلاب الأليفة التي تمرح في الأرجاء الفسيحة…فيعتقد ويشتبه بكونهن ربما يستغلون المالك العجوز المريض “جورج سبان”، فيصر على التحقق من رؤية سبان صاحيا داخل غرفة نومه على الرغم من الاعتراض العنيد للصهباء المنزعجة “سكوبكي”، لكنه يكتشف سبان نائما ومرهقا وربما مخدرا مما يبدد مخاوف بوث وشكوكه…لكن ذلك يثير نقم وحقد الصهباء المتغولة “سكوبكي”!
*فقرة دالة:
الاستلهام من نجمة صغيرة والسفر لاوروبا والويسترن والزواج من ايطالية!
يحاول دالتون اتقان دور الشرير في الحلقة التجرسيية من سلسلة لانسر الجديدة، ثم يبدا بالصدفة محادثة عابرة مع نجمة صغيرة ذكية اسمها “ترودي فريزر” بعمر الثماني سنوات، وخلال مشهد واحد يفقد فيه تركيزه بفعل ادمان الكحول، فيحاول مجتهدا مراجعة الحوار بعد تأنيبه لذاته وانهياره نفسيا، ثم يعود للجمهور ثانية بحماس وشغف ويقدم اداء قويا مرتجلا يثير اعجاب المخرج “سام واناماكر” ونفس الفتاة الصغيرة، التي يقذفها بشدة على الأرض، مما يعزز ثقته ثانية بنفسه وبراعته التمثيلية…ثم يعود بعد مشاهدة الجميع بحلقة جديدة في مسلسل “أف بي آي” الشهير حينها، والذي كتبه “شوارز” ليؤدي دور البطولة المطلقة في الفيلم الويسترن “السيرجيو كوربوتشي” لنبراسكا جيم ويتحمس للسفر فيأخذ معه صديقه الحميم بوت لقضاء ستة أشهر في اوروبا، ظهر خلالها بفيلمين ويسترن اضافيين وكوميديا” جاسوسية-اوروبية” خفيفة وطريفة، ثم يقدم على الزواج من النجمة الايطالية المعروفة “فرانشيسكا كاوبشي”…
*مشاهد ما قبل النهاية:
شلة الهيبيين القتلة تستهدف دالتون بدلا من الشقراء “تيت”!
في لوس انجلوس يبلغ دالتون صديقه بوت بانه لم يعد بامكانه تحمل نفقاته بعد زواجه من الايطالية واستقراره بفيلا فخمة، فيخرجون جميعا لتناول المشروبات والعودة لمنزل دالتون، حيث تغط كابوتشي فورا بالنوم نظرا لفارق الوقت…ونرى بوت مسترخيا وهو يدخن سيجارة باحماض مخدرة ثم يأخذ كلبته براندي للنزهة، وفي الوقت ذاته نرى شلة القتلة المكونة من “واتسون والصهباء سوزان أتكينز وليندا كاسابيان” بالخارج وقد قدموا بسيارتهم استعدادا فيما يبدو للاقدام على قتل الجميع في منزل الممثلة الشقراء “تيت” (كما حدث بواقع القصة الأصلي حينها)…فيبادر دالتون لتعنيفهم لتسببهم بالازعاج ويأمرهم بغضب للمغادرة فورا…عندئذ تقرر المجموعة قتل دالتون بدلا من تيت (تحوير ذكي لمجرى القصة الحقيقية)، بعد أن أشارت “أتككينز” بتبجح بأن هوليوود هي من علمتهم القتل!
*النهاية الدموية الشيقة والغير متوقعة (البديلة لما حدث بالواقع)!
تقتحم مجموعة جامحة مكونة من “تكس واتسون” الغاضب الشرس وفتاتين ناقمتين وقد تسلحوا بمسدس وبندقية وسكاكين حادة طويلة، يقتحمون منزل دالتون ويهجمون على كابوتشي النائمة وبوت بغرض الانتقام، فيتعرف عليهم بوت من تذكره لما حدث بمزرعة سبان (سبان رانش)، فيأمر بوت فجاة كلبته الشرسة بالفتك بهم، فيقتلون وتنجو فقط الفتاة الصهباء المتحمسة أتيكينز متسلحة ببندقيتها، فتذهب مسرعة للفتك بدالتون في الفيلا المجاورة، حيث كان هذا الأخير يستمع للموسيقى بسماعات الرأس، غافل تماما عن الفوضى الحادثة ، فيتذكر قاذفته اللهبية المحفوظة في المخزن، فيهرع ليستخدمها حارقا أتكينز بضراوة داخل البركة، وذلك بعد ان يتعرض بوت لاصابة في فخذه ثم تعود الايطالية كابوتشي للنوم وكأن شيئا لم يحدث، وتدعو تيت التي تقطن في الفيلا المجاورة جارها دالتون لتناول المشروبات للاحتفال به كصديق، وهكذا ينتهي هذا الفيلم بمشاهد عراك وقتل ضارية ولافتة وشيقة مع نهاية احتفالية ودودة ذات مغزى!