“تجربة الموت ” الحسين أيت بها / المغرب


رواية ” أموات على قيد الحياة”، للمبدع الشاب مصطفى الهاموس، سردية يصعب الامساك بمتنها السردي، لأن صاحبها يكتب بطريقة السرد الممتنع، فهو ينتقل من حكاية إلى أخرى بشكل يضيع على القارئ فرصة الامساك بخيوط القصة،لذا فالروايات تحتاج إلى أكثر من قراءة لتكوين فكرة عامة عن مضمونها، كما أنها موجهة بالأساس للقارئ الناقد ليستبطن أبعادها النفسية والاجتماعية ويكشف عن دلالاتها.


يعيش البطل حالة من الضياع أشبه بالموت وهو ينتقل من مكان إلى آخر، الطريق، الملهى، المستشفى، جثة بلا روح كما سمى نفسه، ويظهر ذلك جليا في نزوعه نحو محاولة نسيان واقعه المؤلم وهو يلف سيجارة، أو بحثه عن صديقيه المفضلين سعيد واسكوبار في الملهى الليلي. ليستمر الكاتب في إضفاء الإثارة والتشويق على روايته بالحديث عن قصة وهو يقرأ كتاب سيدة كانت تجلس بجانبه على متن الحافلة، تنتهي القصة لنعرف أنها قصة العم رؤوف العائد من سفر بعيد محاولا مفاجأة زوجته، لكن الأحداث تتطور ليقتل البطل وتكون الرواية رثاءا لفقده ونهايته الحزينة.

الكاتب الحسين أيت بها


تطالعك حكايات الرواية بتعدد مواضيعها وانتقال صاحبها من  تيمة إلى أخرى، فيتداخل الانتقام أحيانا مع العجز والموت مع الحياة، والعبودية مع العدالة الاجتماعية، والحب مع الكراهية،  لتشكل لوحة سردية تحاكي عالم السارد وهو يربط بين الواقع والخيال، وبين الحلم والحقيقة، فيرتاد مدينة الموتى، ليكشف لنا عن عالمه الخاص وتجربته مع الموت التي نقلته إلى تلك المدينة الخيالية. يسافر في رحلة يجسد فيها موته والناس يحتفلون بهذا الحدث العظيم، مبرزا التناقض بين حياته السابقة وموته الفعلي وهو يراقب جنازته، فيقول:
” جسدي هناك وأنا هنا، أنا أراني وأنا لست على قيد الحياة”. ص: 22 ” صحون الكسكس مصفوفة تنتظر الموكب الذي سيتبع جثتي بعد قليل إلى المقبرة حيث يرقد الموتى” ص: 25

تحضر تيمة الموت بقوة في الرواية لتنبئ عن موقف السارد منها ومن الحياة، كأنه يطرح أسئلة وجودية، عن مصيرنا، لماذا سنموت؟ ثم ما جدوى بقائنا على قيد الحياة؟ إن كنا سنموت حتما، هذا النسيان والإهمال الذي عاناه السارد وعاشته شخصياته جعلته يفكر في عدم الإنجاب، كأنه يرغب في وضع حد لحياته ونسله، ليصبح هذا التساؤل مجرد عبث تقود لاستسلام السارد وهو يتخذ السرد مطية للتعبير عن ذلك، يمارس الموت البطيء وهو يقتحم عالم الكتابة، فتغدو تعبيرا عن نفسيته القلقة والمتوثبة وهي تحمل هموم واقع مأساوي ووطن متأزم يموت فيه مواطنوه، فيتلاشى الفرق بين الموتى والاحياء، يقول:
” تسألينني عن الفرق بيننا وبين الذين دفنوا؟ لا فرق،  هم تحت الارض ونحن فوقها؟” ص: 11

لذلك فنفسية السارد قلقة ومتوثبة يطغى عليها السرد الاسترجاعي والاستباقي، الذي بفضله يعيد فيه السارد تذكر أحداث كانت بداية لما يريد البوح به، لذلك يتداخل في عباراته ماهو نفسي وجداني اجتماعي، يعبر عن انسلاخ الشخصية- الكاتب من مجتمعها، لتخلق ذات اخرى تتخذ موقفا من العالم، تلوك الأشياء في صمت وتتمثلها فتظهرها للعالم في قالب سردي فريد من نوعه.

“أموات على قيد الحياة”، رواية، مصطفى الهاموس، منشورات جامعة المبدعين المغاربة،2019.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات