آفاتار … 2008/(AVATAR) : “فانتازيا” مستقبلية خلابه ذات بعد انساني استبصاري!
فيلم خيال علمي مدهش حافل بالمؤثرات البصرية المذهلة (الثلاثية الابعاد) وألأكشن والرومانس والمعارك الضارية مابين الخيروالشر!
*أخيرا خرج العبقري كاميرون (الذي لا أدري لماذا ذكرني فيلمه بستانلي كوبريك ورائعته الشهيرة “البرتقالة الآلية”)وبعد انتظار دام لأكثر من عقد ونصف,خرج بعمل سينمائي مذهل وغير مسبوق يعتمد أساسا على تقنية ألأبعاد الثلاثية وعلى أساليب تصوير واخراج غير تقليدية,طامحا تحقيق ايرادات ضخمة (ربما تتجاوز نسبيا أرباح ألتيتانك في حينه),وتسبق ايرادات حرب النجوم وسيد الخواتم وألرجل العنكبوت.وقد تمكن ربما بالفعل من انتاج واخراج عمل سينمائي خالد جامعا شاملا لخليط من ألخيال العلمي في مزيج مدهش لمكونات كل هذه الأفلام في رؤيا سينمائية تختلط فيها الدراما الانسانيه بمكونات الحركة والخيال العلمي الآخاذ والمشاهد البالغة الغرابة والناطقة بالحياة والجمال والنقاء كما الوحشية الفطرية والميكانيكية بحيث لا يستطيع المشاهد العادي أو الناقد السينمائي الا ان يندهش لمرات ومرات من روعة المشاهد ونقاءها وغرابتها طوال فترة الفيلم التي تزيد عن الساعتين.
*الفيلم يستند لفكرة امكانية تقمص ألعقل ألبشري أوتجسده في كائنات فضائية (مصنوعة مخبريا) لمضاهاة ظروف الحياة ألخاصة في كوكب يدعى “بانادورا” يحتوي على معدن نادر يعتبر مصدراجديدا للطاقة,وهكذا يتجسد عقل ضابط ألبحرية المقعد(مكان أخوه الكفؤ والمدرب والذي قتل في اعتداء عارض!) في جسد كائن فضائي (مخلق مخبريا)بقصد “دسه” بين سكان الكوكب للعمل كجاسوس واكتشاف أسرارهم (سكان الكوكب يدعون بالنافي( Navi ),واختراق عقولهم وتوصيل المعلومات اللازمة لتسهيل غزو كوكبهم ومن ثم استغلال المعدن النادر تجاريا . ألسيناريوهنا يتحدث عن القرن الثاني والعشرين وهو لا يستند لأي عمل أدبي روائي أوقصص مرسومة أو مسلسل تلفزيوني وانما لفكرة قديمة-جديدة بقيت تراوح عقل كاميرون وتلح عليه ومنذ أن كان مراهقا! وهو يطلب هنا من المشاهدين والنقاد تقبل هذا السيناريو المدهش بكل ملابساته وتناقضاته ومن ضمنها قصة الحب الغريبة بين فتاة طويلة “خضراء اللون” تشبه القطة نوعا ما مع رجل مزيف (مصنوع مخبريا), ومؤهل جينيا للحياة في كوكب “ألبانادورا”(وهو في الحقيقة أحد أقماركوكب ألفا-سينتاوري !),أما كلمة “أفاتار” فهي هنا تعني “الشبيه الكرتوني”,وهنا تتشابك خيوط القصة وتتعقد مع نمو عواطف الود والحب الرومانسي بين بطلي القصة, وتذكرنا “لااراديا” بقصة الحب الجارفة في فيلم “التيتانك” الشهير وحتى التوزيع الموسيقي لا يخلو من بصمات موسيقى التيتانك!
*الغريب أن البطل المزيف يفوز أخيرا بقلب الجميلة(الممثلة السمراء الجميلة “زوي سالدانا” التي لعبت الدور ببراعة فائقة) ابنة زعيم القبيتة، والتي يتنافس معظم شباب وفرسان القبيله للفوز بحبها.
*بعض مشاهد الفيلم ذكرتني بافلام الهنود الحمر والوسترن, وبمقاومة وبسالة قبائل الهنود الحمر ضد المستوطنين البيض الاوائل, وحتى صراخهم هنا في كوكب البانادورا يتماثل لحد بعيد مع صراخ قبائل الهنود الحمر أثناء المعارك كما نشاهدها بالأفلام, وكذلك الطقوس الدينية التي تقدس الأرض والأشجار, وربما قصد كاميرون من ذلك اعادة صياغة تاريخ ابادة الهنود الحمر, وأعاد صياغة الحدث سينمائيا “كصحوة ضمير”متأخرة” (معنوية) لعمليات الابادة الوحشية التي تعرض لها السكان الاصليين في أمريكا والغرب عموما, ولنفس السبب الذي يعالجه الفيلم وهو وجودهم في مناطق مرغوبة سكانيا واستراتيجيا (وهنا أتذكر بمرارة ما يفعلة الكيان الاسراءيلي الغاصب تحديدا ضد القرى العربية في النقب المحتل والذي يتمثل بهدمها مرارا وتكرارا)! لكن السيناريو يختلف هنا فهم في المحصلة ينتصرون على “غزاة السماء” بالرغم من أسلحتهم ومعداتهم الحربية المتفوقة,بفضل تكاتف كافة قوى وقدرات وكائنات الكوكب ملبين نداء الارض والاشجار المقدسة, وبفضل دعم فريق متميز من أعضاء بعثة الاستكشاف وعلى رأسهم جاك والباحثة الذكية المخلصة وقائدة الطائرة وغيرهم من الشرفاء أصحاب الضمير, حيث يفقد بعضهم حياته في هذه المعركة الشرسة والحازمه.
*تحدث هنا معارك تشبه ضراوة حرب فيتنام ويتحقق الانتصارالمدهش بمساعدة “أفاتار” وزملاءه من فريق الاستكشاف وفي مقدمتهم عالمة البيولوجيا الشهيره والطيارة الباسله, وحيث تفقدان حياتهما ولكن بعد احداث خسائر مياشرة في طائرات العدو المتقدمة, وحيث تحدث معجزات تحقق النصر النهائي, ويتم أسرالغزاة المتبقين والترحيب بهؤلاء اللذين اختاروا العيش بسلام في كوكب البانادورا!
*يحل معدن نادر يسمى “اوتابتانيوم” ( (Utabtanium محل النفط في هذه الحرب الفضائية الجديدة, وهو معدن يكفل تزويد كوكب الارض بمصدر لاينضب للطاقة الدائمة, أما المدهش هنا حقا فهو تقبل السكان الأصليين لفكرة وجود غزاة وأغراب على كوكبهم, بل والتعامل معهم بشكل برجماتي واقعي يستند لمفهوم الأخذ والعطاء وروح السلم والتوافق طالما بقي وجودهم ونمط حياتهم غير مهدد, ولكن بالرغم من كونهم مسالمين الا أنهم يملكون قدرات بدنية فائقة ومهارات على القتل السريع الخاطف باستخدام أسلحة بدائية نظرا لقوتهم البدنية ورشاقتهم وطولهم الفارع (ألذي يزيد عن الثلاثة أمتار!), كذلك لتمكنهم من استخدام السموم الطبيعية في أسلحتهم , وللتمكن من اتقان التعامل مع الديناصورات الطائرة لمواجهة طائرات الغزاة المتقدمة والفتاكة. وعلى أنه بالرغم من كونهم محاربين أشداء الا أن فطرتهم مسالمة وطيبة ويتمتعون بذكاء اجتماعي– تفاعلي وليسوا منغلقين على أنفسهم كما يتوقع المرء.
*في اعتقادي أن أكثر ما يخشاه كاميرون هو صعوبة رواج القصة ربما لعدم استنادها لأي مفهوم سينمائي دارج ونمطي (حتى ضمن مفهوم الخيال العلمي), ما ترتب عليه بذل جهود خارقة لفرض سيناريو غير مسبوق مشحون بمفردات ومؤثرات سينمائية متقدمة ومدمجة بشكل فريد لبناء وعي سينمائي جديد لدى المشاهدين العالميين المتنوعين الكثر، وقد نجح لحد بعيد في خلق مشاهد ابهارية متجددة لأول تسعين دقيقة على الأقل حيث لا ينقطع المرء عن الاندهاش بل والعجز أحيانا عن التقاط الأنفاس والاستمتاع بمشاهد سينمائية تفاعليه غير مسبوقة!
*لقد اضطر كاميرون وبعد انتظار دام لعقد ونصف من عمر الانسان المحدود, اضطر لاستثمار هذه الميزانية الهائلة والقدرات والمواهب, والمهم هناهو استخدامه الفذ لتكنولوجيا رقمية ثلاثية الابعاد وبشكل ربما يفوق استخدامات مخرجين أفذاذ كجاكسون وزيمكس وسبيلبيرغ وغيرهم, متوقعا أن يتجاوز بابداعه السينمائي هذا أفلاما مثل ملك الخواتم وكينغ كونغ وغودزيلا، أو كأفلام “روبرت زيميكس” الرائعة مثل قطار القطب السريع و”بوولوف” وحديثا “كريسماس كارول”, وكلها أعمال تميزت بالتصوير الرقمي والدمج المدهش مع المؤثرات الحاسوبية وتقنيات رسوم الصور المتحركة, فهل نجح كاميرون في تحدياته هذه؟ نعم وربما لحد كبير وخاصة في الغرب والدول المتقدمة (وسنتحقق من ذلك في الاسابيع القليلة القادمة من مبيعات شباك التذاكر!), أما في دول العالم الثالث ومن ضمنها الدول العربية فاني أعتقد (وأرجو أن أكون خاطئا) أن نجاح هذا النمط من الأفلام سيكون ربما محدودا نظرا لضعف اقبال المشاهدين وتقبلهم لأفلام الخيال العلمي لضعف الخيال العلمي ولعدم ارتباط الموضوع بنمط حياتهم الروتيني ولضعف الوعي وقلة القراءة والتراجع النسبي للثقافة ولهبوط الذائقة الفنية والسينمائية ,ولتعودهم على أنماط متواضعة من أفلام الكوميدي والرعب والأكشن التي تدغدغ مشاعرهم ومعاناتهم ونمط حياتهم,والدليل على صحة اعتقادي ضعف تناول النقاد العرب لهذا النمط من الأفلام واكتفاءهم بسطرأو سطرين، وفي المقابل فهم يسهبون في تحليل أفلام حركة و دراما وكوميديا متواضعة بل وهابطه أحيانا, وربما يعزى السبب أيضا لعدم رغبتهم في اتعاب أنفسهم بالبحث والتحليل والمقارنة, وبعضهم اكتفى بوصف هذا الفيلم الاسطوري عل أنه: فيلم خيال علمي ثلاثي الابعاد بمؤثرات مدهشة!
دور افتراضي لشركة “بلاكووتر في كوكب “بانادورا”!
فكرة الفيلم افتراضية ولكنها ربما تستند لرؤيا واقعيه “استبصارية”, فالأرض فد تعاني مستقبلا من نقص خطير في مصادر الطاقة بعد نضوب النفط ومصادر الطاقة الاخرى, كما أنه من الصعب العيش في كوكب ذي أجواء سامه كبانادورا, مما يتطلب منطقيا استنساخ كائنات هجينة(مخلوقه مخبريا وتفكر بالعقل البشري), تجمع مابين خصائص الذكاء البشري (التفكير الخلاق) وخصائص السكان الأصليين كما رأيناها في الفيلم (في الشكل والطول والرشاقه واللون والقوة واللغة), وقد تكون الامور كلها قد أخذت منحى اخرلولا وقوع “جاك سالي” في حب رومانسي جارف مع سالدينا (ابنة زعيم القبيلة), والغريب هنا أن شخصيات كوكب البانادورا والشخصيات المستنسخه مخبريا بدت أكثر واقعية وحياة من النمط الكارتوني-الروبوتي الذي بدت فيه شخصية الكولونيل كوارتش (ستيفان لانغ ) أو حتى شخصية قائد البعثه, الذي لا يهتم الا بنجاح المشروع والذي لا يقيم وزنا لثقافة وقيم السكان ولا للتعامل الانساني معهم, وبدت شخصيته مطابقة لشخصيات المدراء التنفيذيين لشركة “بلاكووتر”(السيئة الصيت) والتي عملت في العراق بعد الاحتلال! ولكن كاميرون بذكائه السينمائي حقق الانتصار بشكل غير متوقع لسكان الكوكب وذلك بهدف اعطاء الفيلم نكهة انسانية درامية جذابة لتحقيق الرواج والتقبل وكسب شباك التذاكر!
لقطات لافته:
*60% من الفيلم مصنوع حاسوبيا كمؤثرات رقمية حاسوبية مدمجة مع الصور المتحركة و40% هي عبارة عن مشاهد تمثيل وأكشن واقعية للشخصيات السينمائيه.
*حاول كاميرون استقطاب الأطفال بجعل السكان يبدون كالقطط الخضراء الطويلة والرشيقة(بعيون صفراء),وبمناظر الطبيعة الخلابه والغابات الملونة الخرافبة.
*تم استخدام معدات مبتكره كالطوافات والطائرات والروبوتات المقاتله، وربما ستلهم هذه الاسلحة والمعدات صانعوا الاسلحة لانتاج أجيال جديدة متطورة من الاسلحة والمعدات.
*ذكر المشاهدين بمشاهد حربي فيتنام والعراق بضراوتها ,وحتى باقتباس بعض التعبيرات من حرب العراق تحديدا مثل:الصدمة والصاعقة(Shock & Awe) وكتعبير “حارب الارهاب بالارهاب”!
*تعتمد فكرة الفيلم على مفهوم” الاستنساخ الذهني” كما ظهرت في فيلم “المستنسخون”, وربما سيعمل العلماء مستقبلا على تطوير هذه الفكره واقعيا.
*قدم الفيلم عددا كبيرا من أصناف الحيوانات والطيور والحشرات والوحوش الخرافية ذات الاشكال الاسطورية, ومنها الأحصنة والكلاب الوحشية والثدييات الضخمة ذات الستة أقدام والديناصورات الطائرة, وبعض الاشكال مستوحى من كائنات منقرضة عاشت على كوكب الارض في ماضي العصور!
*تمارس قبائل كوكب “البانادورا” ديانات سحرية تخاطرية ذات قوة ذهنية ” جمعية” هائله وذلك بشكل طقوس وثنية تعتمد أساسا على تقديس الشجر والارض والطبيعة, وقدم كاميرون صورا أخاذة لكائنات صغيرة طائرة تشبه الفراش والفطر وتتحرك بأمر الشجرة المقدسه.
*لا أدري لماذا ذكرتني مشاهد الاستعدادات الحربية بمناظر المجنزرات والبولدزرات الاسرائيلية وهي تسعى بوحشية لاقتلاع أشجار الزيتون القديمه في أراضي وقرى فلسطين,وكذلك بمقاومة السكان لها وكأنهم هنا ايضا مرتبطين روحيا بالشجر وتراب الوطن!
*الفيلم يتضمن نفسا رومانسيا وبطوليا نادرا, فهويتحدث عن ضابط بحرية مقعد يقرر بارادته أن يترك مجموعته الجشعة الفاسدة, وينضم مقتنعا لشعب كوكب “البانادورا”, شاعرا بأنه ينتمي اليهم بعد أن يكشف شر مجموعته ونقاء السريرة لدى شعب “البانادورا”… بل وبراءة وعظمة انتمائه لارضه ووطنه, وهو يشبه لحد ما طرزان أو حتى “كيفن كوستر” في الفيلم الشهير “الرقص مع الذئاب”. و حيث تصف “نيتيري”جاك بقولها : أنت تملك قلبا قويا ولا تخاف, ولكنك غبي وجاهل كطفل صغير!
*لا تبدو التحية الوطنية التي تصدر عن “النافي” في أخر الفيلم حيث يصرخ فيها “أنا أراك”, لا تبدو عبثية, وخاصة أنها وجهت لشخصية جاك الحقيقية (المقعدة), وربما تعتبر من أقوى المشاهد المشحونه عاطفيا حيث يبدو حينها وكأن الشخصيتين قد توحدتا معا ,فيما أدرك “النافي” (شخصية كوكب البانادورا) تجانسه وتوحده مع جاك الحقيقي (وكانه لاقى نفسه).
*لقد أبدع الممثل الاسترالي الصاعد “سام وورثنتون” في تمثيل مزدوج لشخصيتي البطل الرئيسي, وتفوقت “سيجورني ويفر” على نفسها كعادتها في اداء مقنع ومذهل, وكذتك برعت “ميشيل رودريجيز” بلعب دور بطولي متميز, ولكني أتوقع الاوسكار ل”زوي سالدانا” السمراء التي لعبت دور ابنة زعيم القبيلة (Neytiri) في تقمص مذهل قل نظيره! وللعلم فقد تم تصوير مشاهد الفيلم في ستديوهات لوس أنجلوس وفي كل من نيوزيلندا وجزر الهاواي.
*تطلب الانجاز الفعلي للفيلم عملا استغرق أكثر من ثلاث سنوات,وشارك في انجازه 2000 شخص من كافة التخصصات والمهارات, بتكلفة تزيد عن ال300 مليون دولار. تدور قصة الفيلم تحديدا في العام 2154 ويتطلب السفر اليه ستة سنوات ضوئية! حيث يوجد على سطح الكوكب (الافتراضي) حوالي 500 نوع من النباتات والمخلوقات الغريبه.
*صنف (بل لخص) بعض النقاد الفيلم على أنه فيلم مغامرات جريء حافل بالمكونات الرومانسية, ضد الامبريالية (والاستعمار) وضد الاستخدام (الشرير) للتكنولوجيا, وهو يدعو لاحترام الثقافات والمخلوقات الاخرى الغريبه ولتقديس الطبيعة ومكوناتها!
*وأخيرا فانه لم يكن عبثا استثمار هذا الكم الهائل من الاموال والجهد وأكثرمن عقد ونصف من الانتظار والعمل الدوؤب المتقن لانجاز مثل هذه التحفة الفنية الاخاذة والتي ستضمن بالتأكيد لصانعها (جيمس كاميرون) مقعدا دائما له ضمن قائمة المخرجين العشرة العظام في تاريخ السينما…ونحن أصبحنا متشوقين حقا لمشاهدة باقي أفلام هذه السلسلة المذهلة من سينما الخيال العلمي التي ستصدر ربما تباعا في العقد القادم، والتي سيتبنى فيها المخرج تقنيات سينمائية مذهلة وغير مسبوقة!