“ّ ملامح التجديد في الرواية العربية ” الحسين أيت بها / المغرب

بدأ الروائيون العرب والمغاربة ينتقلون من كتابة الرواية السهلة ذات المنحى الكلاسيكي والتقليدي، لتجريب تقنيات جديدة، وصلتنا عن طريق الترجمة وألقى بها المترجمون إلينا من عوالم ما وراء البحار، فجاءتنا غريبة ك غرابة أصحابها، فكان أن اتسم هذا التحول بتدشين الرواية الطويلة التي تتجاوز خمسمائة صفحة، مع بلوغ التعقيد في الحبكة، والوصول بها للمتاهات، محاكاة للروائع العالمية،

والأعمال الخالدة، مثل أعمال شكسبير و الأوديسا و الإلياذة لهوميروس وأعمال الروس. إن هذا التطور الذي عرفته الرواية يدل على النضج الذي وصل إليه هؤلاء، وهم يعلنون ثورة جديدة في هذا الجنس الأدبي الشاسع والخصب. وهم يدعون القارئ لاستخدام عقله وإعماله، بغية فهم مضامين العمل الأدبي، أي أن يمتلك القارئ ثقافة عالية تؤهله للسباحة في هذا الميدان، وإلا فما تفسير تلك الشذرات والافتتاحيات التي تصدم القارئ منذ أول صفحة، وتدعوه رغما عنه لأن يرتمي في زمرة الذين كتب عليهم شقاء الحرف، أو الذين يجعلون من أنفسهم دودة يلتهمون الروايات في نهم شديد. إن الرواية العربية والمغربية قطعت أشواطا إضافية ستجعل من الناقد مستقبلا يتحفظ على قراءته لأي عمل، إلا بعد اطلاعه على المصادر و المراجع الغربية، التي تؤهله لقراءة العمل الأدبي. ومدارسته دراسة تليق به. ليضعه في حجمه الحقيقي، أو يميزه عن غيره ويظهر جماليته. كما أن الرواية العربية والمغربية تحاول تجاوز المأزق الذي وقع فيه مترجمو الأعمال الأدبية، وهم مأخوذون بغمرة تجاربهم في الترجمة، فيصيبون القارئ بالدوار، للاختلاف الواضح بين النسخ، وقد يصل الأمر إلى التباين في العناوين. عن طريق تكوين جنس أدبي أصيل، بتقنيات حداثية وأفكار معاصرة، تنتصر لمبدأ الجدة و العصرنة وتتلاءم مع خصوصيات جنس الرواية. أنها وصلت أقصى مراحل التجريب، فساعدها تغيير جلدها وتمردها على تكوين خصوصية ستثري هذا الجنس وتجعله في مصاف الأجناس الأدبية القابل للتجديد كما كان، بل هو عصي عن تكوين رؤية واحدة خاصة كما وقع للشعر العربي الحديث الذي ساهم في تقويضه أهله، وهم يشددون على خصائصه، فوقع أسيرا لقيود أصحابه، وعجز عن تكوين رؤى جديدة قابلة للتغير والتكيف مع قضايا العصر، بل أصبح مثيرا للشفقة ومحصورا في أربعة زنازين مظلمة هي : شعر المدينة والغربة والمقاومة والرفض أو اليأس. ….. إن الرواية العربية المعاصرة تكشف لنا جانبا من واقع الانسان المعاصر، واقع التشضي والألم والاحساس العميق بمعاني الحزن ،،وهو واقع مأزوم لا مهرب منه، فمصطلحات القتل والعجز واليأس والحزن التي امتلأت بها صفحات الروايات الأخيرة، دليل على معاناة العربي في مجتمعه، نظرا للتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المجتمع العربي بعد ثورات الربيع والتطبيع، أفرزت حالة من الضياع يعيشها الانسان المعاصر ، وهي مرحلة عابرة ونتيجة حتمية لما يقع، إن هذه المرحلة تقود الروائي للكتابة،وممارسة جلد الذات أو تانيب الضمير ومساءلة الواقع المؤلم لتجاوز فترة الفراغ، حيث يرى فيها الروائي متنفسا للتعبير ومهربا من خيباته وانهزاماته وانكساراته، بحيث تصبح الرواية مختبرا لإعادة عجن وتشكيل الواقع. هوامش: لاشك أن القارئ للرواية العربية المعاصرة يلاحظ أنها تتماهى مع تاريخها، وهو تاريخ ألم ومعاناة، وفي الفترة ما بعد سنة 2011 بدأت الرواية تجنح للتعبير عن الواقع وحقيقته، فتمعن في وصف مظاهر البذخ والفساد ومظاهر الفقر القابع، والتعبير عن واقع العجز الكلي عن مواجهة الفساد أو إحداث التغيير المنشود. خطاب القتل والدمار صورة مأخوذة من واقع التحقيقات الصحفية ، ولعل ابرز الروايات، كانت : فرانكشتاين في بغداد و القاتل الأشقر. حيث بدأت معالم الدمار والقتل والحروب. لوحات ومشاهد سوريالية تؤثث نصوص الروايات، _ صورة الانسان العربي بعد التطبيع خلال سنة 67 بعد النكسة كان تعبيرا عن حالة الضياع الذي عاشه الانسان في تلك المرحلة، فظهرت مصطلحات جديدة من قبل التخوين والفشل والعجز الكلي، وساد الظلم بدرجات متفاوتة. وهي رحلة طويلة للعربي المغىترب للبحث عن ذاته وهويته الضائعة التي مزقتها الحروب. نفس الأمر سيتكرر بعد التطبيع الحالي، حالة التمزق وعدم الاستفاقة من الصدمة. صدمة ما بعد التطبيع.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات