“يوميات” يونس الشرقاوي/ المغرب

عند نهاية المساء ستجده محشورا في احدى زوايا حانة شعبية ليست بالرديئة ولا بالجيدة، وبعد يوم شاق أخذ فيه التعب ما أخذ من جسده الهزيل، حاول انتهام آخر سجارة. ومع احتراق لهب الشوق وامتصاص دخان  الحياة، وعبر تموجات دخانها في الهواء كخيوط منسجة بدخان منهك كأنفاسه المهشمة، بعد اجتهاد جسدي ونفسي طوال اليوم، لكن ما هو إلا عذاب إلى درجة القهر و اجترار لماض طرح على رصيف الزمن  بحلم مغترب وخيال متعب ..وكل ما دفع ثمن لضريبة عيش الحياة بشقاء ونقاء…!

  • كان يهلوس… بلغة أدبية تشبه اللغة الشكرية، ربما همس لا تسمعه الأذان، بقدر ما تسمعه تلك القلوب الدافئة التي ارتوت عقولها بالخمر والدخان  في ذاك الركن من الحانة. كانت هناك نظرات مسروقة توحي بخبث تلك الإبتسامة المستفزة التى تباغت الشعور وتجمد أي محاولة للمقاومة أو ردة فعل..

-أنهى ما تبقى من  السجارة ومع نفث دخانها مرغ رأسها وبقاياها في المطفئة محترم دورها في حياته..إذ أن الوجهة حددت سالفا، وتم اقتناء  متطلبات إسترسال الهمس. لا يعلم كيف تدفعه  قدماه لسهرة  -في حضرة المقدس وتعويذة البخور-

من مقدمة السلالم تملئ كل أنفاسه رائحة بخور يحترق ويوحي بأنه حضر على يد داركة لمعنى رائحة هذا الدخان..طرقات خفيفة على الباب، يسمع حركة خفيفة قادمة من الداخل توحي على  أن هنالك من يستعد لرؤية من الطارق…فتح الباب على مسافة محدودة، كأنه هو المنتظر ولا أحد غيره. وعند أول وهلة وثاني خطوة داخل الغرفة تصفع رائحة البخور كل ما تبقى من أنامله المقاومة في البداية لقوة تعويذة ذلك الدخان، فعلا لم يخطأ من قال: أن البخور يبعث الطمأنينة والراحة في النفس، حتى حسب أن قريحته هي التي تحترق على مهل فوق الجمر.

 إذ هنا لا راحة…! كل الأشياء داخل هذا الفضاء الواسع تحاصرك بتعويذة تتمتم بها شيطانة روحه التي كانت بإنتظاره على أمل ألا يتخلف عن الموعد الذي حدد بينهما في آخر لقاء جمعهما.

-كلما حدق بها رأها منهمكة في ترتيل لغة تشبه الهمس إلى حد الهلوسة.. شيء هنا يطبخ على مهل، ضوء خافت وشموع تحرق نفسها بلهفة مستفزة، وقد وضعت بمبالغة زائدة وبدقة يد تفهم في طقوس الرسم على معالم الروح. وكل شمعة ترقص بإتفاق ضمني مع الموسيقى التي تنبعثُ من أحد الزوايا..نوطَاتُ عودِ “الإخوة جبران” تتداخل مع تفاصيل المكان..

-بعد هدوء صارخ، تبدأ شعائر تتلى كمن يستعد لطقوس ديانة جديدة، وهو كمن يكتشف معالم مكان موحش..انفكت عنه الكلمات وتجمدت في الحلق، لا يعرف سبيلا لكيفية النطق ولو بأصغر كلمة. فردد بهمس غير مسموع كل ما قيل بلسان تلك الشيطانة التي تراود ما تبقى من روحه العنيدة التي ينتفض فيها طيفها… ها هي أمامه تهلوس بكلمات غير مفهومة وهو منغمس في عالم روحاني يصارع عقله لفك طلاسيم  معقودة بتعويذة لا يفهمها إلا من أنطق الجسد تقديسا في حضرة البخور…
 -أنفاسه متقاطعة محمومة ومكتظة بتفاصيل المكان وهو بين حالة الحضور والغياب، شفتاه تهلوس بكلمات غير مفهومة، ضجيج يقسم دماغه لنصفين وصدى صوت يتردد ويقول في نفسه: هذا طيف إمراة عابرة، لم تكن سوى ظل مر من هنا وترك بقاياه خلفه، ليلج قائمة الذكريات بمقدسه وبخوره…!!!

مضيفا، عموما أنا لست شيئا أنا مجرد وهم يلتحف خيالا، أنا مجرد كذبة صدقتها إمرأة عابرة…!!!  

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

الهوية والتحول في رواية “قناع بلون السماء”

حسن لمين| المغرب     ولد باسم محمد صالح أديب خندقجي، في الثاني والعشرين من كانون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات