للقطار جاذبية خاصة ، وطقوس متميزة ومثيرة لا نجدها في أية وسيلة نقل أخرى ، جعلتني أعيش مغامراتها الفريدة طيلة المرحلة التي كنت فيها طالبا جامعيا بإحدى كليات العاصمة .. كان يستهويني كثيرا السفر على مثن القطار ، وكنت أفضلها على غيرها من الوسائل لأتنقل إلى مدينتي التي تبعد عن العاصمة بحوالي ثلاث مائة كلمتر . فكنا نقضي حوالي خمس ساعات من الزمن نعيش فيها أحداثا ومغامرات ومفاجٱت لا نراها إلا في القطار .. تبتديء هذه الطقوس بحالات الإكتظاظ التي تعرفها المحطة والرصيف والقطار أيضا ، والصخب الذي يرافقه أحيانا ، والجلبة التي يحدثها المسافرون داخل المحطة وفي عربات القطار ، ومتاهة البحث فيها عن مقاعد شاغرة ، للإستراحة والخلود إلى النوم .. أو تلك المتمثلة في الفسحات التي يمنحها مناخ السفر للركاب لتتيح لهم فرص التعارف فيما بينهم بتلقائية ، والتواصل مع بعضهم البعض بسهولة .. فيطيب الحديث حول مختلف القضايا .. بدءا من ظروف السفر وسلوكات وتصرفات المسافرين ، وما يعرفه القطار من ازدحام واكتظاظ وتأخر عن مواعيده أحيانا ، وضعف وتلاشي تجهيزات العربات وعدم الاعتناء بها والمحافظة عليها .. إلى أمور أكبر تهم شؤون البلاد .. كالإنتخابات والسياسة والغلاء وكل ما يؤثر على حياة المواطن .. ثم تنتهي هذه الأجواء بالسرعة التي بدأت بها بمجرد بلوغ المسافرين محطاتهم .. لتتجدد العملية بصعود مسافرين جدد .. فيتوالى مع الزمن عبق وسحر دورة السفر بواسطة القطار وتستمر بنفس الأجواء والصخب ..
أثناء إحدى الرحلات ، وكانت أجواء فصل الربيع بادية على الطيبيعة وعلى الناس .. والتي تتوافق مع عطلتنا الدراسية .. عادة ما كنا نقضيها بين أهلنا ، مستمتعين بالدفء العائلي وبما تجود به علينا بلدتنا من مباهج فصل الربيع الجمة والمتنوعة ..
دلفت إلى الرصيف قبل موعد القطار بدقائق ..
لم يكن ينتظره مسافرون كثر .. إنما كان هناك القدر الكافي لتمتليء بهم جل العربات .. ألقيت بجسدي على كرسي خشبي فارغ لأستريح قليلا وأنا أتأمل حركة الركاب وخطواتهم على الرصيف .. فإذا بالقطار يحل بالمحطة في وقته المعتاد .. أسرعت بالصعود إلى العربة المتوقفة أمامي . لتنطلق رحلة البحث في عربات القطار عن مقعد أستريح فيه .. ومن حسن حظي ألفيت مقعدا شاغرا بمجرد تخطي أولى مقصورات المسافرين .. وضعت حقيبتي في الرف المخصص للأمتعة ، وجلست محاولا إسناد كتفي وساعدي على مسند المقعد الوثير .. أغلقنا باب المقصورة .. كنا أربعة ركاب ، سيدة وطفلها الرضيع النائم في حضنها ، وهي بدورها تغالب النوم الذي إكتسحها .. ورجل يبدو من ملامحة وهيأته خمسيني في المقاعد المقابلة لي ، منتصبا في جلسته يتأمل عبر زجاج النوافد حركة المسافرين النازلين من القطار أو الصاعدين إليه ..
بعد مغادرتنا لمحطة القنيطرة بدقائق ، والهدوء يخيم على مقصورتنا ، إذا بي أسمع أصوات خطوات الأحدية الثقيلة ، وحديث بصوت مرتفع في الممر لأكثر من شخصين ، ليدخل علينا ثلاث جنود بزيهم العسكري ، وهم يجرون تلك الحقائب الثقيلة ، التي يحملونها على ظهورهم ، تبدوا من شكلها وحجمها أنها مملوءة بأغراضهم الكثيرة .. وضعوها في أماكنها ، وقعدوا وهم مستمرون في حديثهم بنفس النبرة التي أتوا بها والضجيج الذي يحدثونه أثناء تحركهم .. لم تمر لحظات على جلوسهم حتى أخرج أحدهم علبة سجائر من جيبه ، ومدها نحوهم بعدما أظهر رؤوس السجائر بمستوى النصف من العلبة ثم مكن زملاءه منها ، وأخذ لنفسه واحدة ، بعدها تناوبوا على ولاعة أحدهم يشعلون منها سجائرهم وينفثون الدخان إلى الأعلى نحو سقف المقصورة بمرح وانشراح ..
سارعت بكل أدب إلى تنبيههم بأن المقصورة مغلقة ، وقد يؤذينا دخان السجائر .. وأنا أنوب عن باقي الركاب في الاقتراح الذي قدمته لهم .
- لو تفضلتم إلى الممر لتدخنوا على راحتكم هناك وتجنبونا آثار الدخان .. فربما يكون من بيننا من لا يتحمل إستنشاقه خاصة وأن معنا طفل رضيع ..
وكنت أعني بالملاحظة حالتي أولا ، فأنفاسي تختنق حينما يتسرب دخان السجائر أو أي نوع آخر من الأدخنة ، أوغبار أوروائح قوية ، إلى خياشيمي .. فأعاني بعدها من مضاعفات سوء التنفس ..
نظر إلي صاحب علبة السجائر نظرة قوية بعينينن صغيرتين مدورتين يشع منهما الغضب ، كمن يريد أن ينهرني عن الكلام أو أن يتبع نظرته بتعليمات صارمة .. ثم ضرب بيده على المرمدة المثبتة بجانب مقعده وهو يردد بقلق بين .. - علاش دارو هادي هنا ؟..
كررها مرتين ، وهو منزعج من ملاحظتي ..!
لم أرد على كلامه ولم أبالي بانفعاله ، بل أخذت حقيبتي وانسحبت من المقصورة بهدوء أبحث عن مكان آخر عساني أجد فيه غير المدخنين ..
لم يطل بحثي كثيرا ، فقد كانت ضالتي في المقصورة الثالثة بعد تلك التي غادرت .. - السلام عليكم .. هل هذه المقاعد شاغرة من فضلكم ؟
رد علي رجل بالإيجاب ، يجلس بجانب سيدة وهو يبتسم ، ربما تكون السيدة زوجته أو حبيبته ، فهما يشابكان أصابع يديهما في هيأة المتحابين .. قدرت سنهم في منتصف الأربعينات أو أكثر بقليل ، فملامحهما النضرة تؤكد على ما ذهبت إليه في تخميني ..
وضعت حقيبتي في رف الأمتعة ، ثم جلست أمام الزوجين .. جلت بناظري في المقصورة ، لاحظت أنها شبه ممتلئة . فهناك سيدتان في مقتبل العمر وطفلة لا تتجاوز الست سنوات حسب تقديري السريع تجلس بينهما ، ورجل يبدو كأنه ملفوف في جلبابه الأسود الواسع أمامهن في المقاعد المجاورة لنا جهة اليمين ..
طلبت من الركاب إن كانوا يحبذون إغلاق باب المقصورة ، حتي لا يتسرب إلينا دخان سجارة أحد الواقفين في الممر .. فأجمعوا على إغلاقها ..
لما استلقيت في مقعدي بعد إحكام إغلاق باب المقصورة واستويت في جلستي ، لاحظت أن الرجل ذو الملامح المبتسمة ، الجالس أمامي بجانب زوجته ينظر إلي دون توقف . فقلت في نفسي ربما يود التحدث معي ، أو يريد أن يسألني عن أمر ما .. وأنا منشغل بالإجابة عن سر نظراته إلي ، بيني وبين نفسي .. إذا به ينطق بأول سؤال .. - سمحلي .. طلعتي من القنيطرة ؟
قالها بلكنة فضحت أصله الفاسي وهو ينطق القاف والراء ..! - لا .. من الرباط سيدي .. فقط أزعجني بعض الركاب بسجائرهم ، فغادرت مقصورتهم وانسحبت أبحث عن مكان آخر علني أعثر فيه على ركاب مثلي لا يدخنون فأجاورهم ..
- لقد تحققت رغبتك ..
يجيب مبتسما . - الحمد لله ..
ثم إستمر في التحدث إلي ، وهو يطرح أسئلة أخرى .. لاحظت أن زوجته تنهره بحركة من كتفها ليتوقف عن السؤال .. - أتركه يستريح .. فيك الهضرة بزاف .. !
فتأكدت من أصلها الفاسي هي الأخرى . - لا عليه ، أجيبها .. الحديث ينسينا التفكير في المسافة التي علينا قطعها ، وما نعانيه من ضجر طيلة زمن السفر ..
فكان كلامي بداية لأسئلة أخرى .. - حتى لين بالسلامة ؟ لفاس ؟
- لا . لتازة إن شاء الله ..
- مزيان .. كتعمل فالرباط ؟
- ويلي سكت على الراجل مسكين ..!
- سكتي نتي ..
يرد على زوجته وهو يمزج كلامه بضحك خفيف .. ويضيف : - يبدو أنني وجدت من سيؤنسني ..
- لا عليه سيدتي ..
ثم أجبته عن سؤاله .. وأنا واثق من أنه ينتظر الجواب لا محالة .. - أنا طالب ، أدرس بكلية الآداب ..
- مزيان تبارك الله .. إبنتي تدرس بكلية الطب ، وزارتنا أمس وأمس الأمس ، عندما كنا ضيوفا عند أحد أفراد عائلتي يقطن في مدينة الرباط .. واطمأنا على حالها ..
- إنها في السنة الثانية ..
- ماشاء الله .. متمنياتي لها بالنجاح ..
- وينجحك ربي حتى أنت إن شاء الله ..
تضيف السيدة مبتسمة …
ثم وشوش في أذن زوجته وهو ينظر إلي بملامحه المبتسمة دائما .. - تبغي تشرب شي حاجة أنا غادي للكافيتيريا ، بغيتك تونسني ..
- المعروضة من الخير .. بسملت .. وقلت له هيا بنا .
فرافقته إلى مقصف القطار الذي يوجد في العربة الموالية لعربتنا .
ما أن قطعنا الممر الذي يفصل بين العربتين حتى وجدت نفسي أمام فضاء مقهى فعلي ، أو حانة أو ربما مطعم .. أو هو كل هذه الأشياء الثلاث .. فضاء مهيأ بشكل عصري ، بالنظر إلى كل تفاصيل تجهيزاته وديكوراته .. مضاء بالتمام والكمال .. تكاد ترى قشة متناهية في الصغر على أرضيته الملساء البنية .. تشطر الفضاء إلى شطرين غير متساويين ، منضدة طولية معقوفة الجوانب قليلا ، تشرف على صف من الكراسي المثبتة على أرضية المقصف بقائم واحد . يدور جزءها العلوي لتعوض ربما بهذه الحركة وضعها الثابت ..
بمحاداة نوافذ العربة قبالة المنضدة الطولية ، ثبتت كراسي وطاولات أقل علوا من تلك المجاورة للمنضدة .. يحتلها عدد من الزبائن أنيقي الهندام وتلوح من محياهم آثار النعمة .. يتحدثون ويضحكون بهدوء وهم يحتسون شرابهم .. ومنهم من يدخن .. إنما لا يزعجنا الدخان هنا .. فالحانة مجهزة بآليات إمتصاص الأدخنة والروائح المنبعثة من مطبخها ، أثناء تهييء القهوة أو وجبات الزبائن …
لم يمهل رفيقي نفسه حتى يطمئن في جلسته على الكرسي .. بل حركه بعقبه يمنة ويسرة بشكل خفيف ربما ليجد الصيغة المريحة للجلوس .. ثم بادر النادل بطلبه .. - جعتان من فضلك .
يتحرك نادلان خلف المنضدة الطولية لتلبية طلبات ورغبات وحاجيات الزبائن بخفة ونشاط .. بلباس أنيق يستمد لونه من الألوان الأساسية لديكور القطار وتجهيزاتها .. مزين برمز المكتب الوطني للسكك الحديدية (م.و.س.ح) .. كما هو الشأن بالنسبة لكل ديكورات وتجهيزات العربات والحانة …
أسدلت الستائر على نوافذ عربة الحانة ربما لحجب نشاطها ، أو نظرا لسيادة العتمة في كل الأماكن خارج القطار ، فنحن نسافر ليلا ، والنظر عبر النوافذ في هذا الوقت ، يبقى ضربا من العبث .
وضع النادل قنينتين من الجعة على المنضدة أمام رفيقي الذي أدار وجهه نحوي يستفسرني عماذا أشرب .. ؟ - رغبت في قهوة سوداء ، مهيأة بشكل جيد لأواجه السمر ، وأبعد عن جفوني شيطان النوم الذي قد يحظر في أية لحظة ..
- لا تشرب ..؟ أم لأنك لا تود الدخول إلى المنزل وأنت ناشط (ثمل) ؟
وأتبع كلامه بضحكة جميلة .. - لا هذا ولا ذاك .. أنا لا أشرب ولا أدخن .. هذا كل ما في الأمر ..!
- حسنا فعلت !
ثم يشيح بوجهه نحو النادل وهو يؤكد عليه بأن يهيئ لي قهوتي بما أوتي من حرفية .. - تهلا ليا في صديقي الشاب .. الطالب الودود ..
يقولها بغبطة وسرور ..
جلب النادل قهوتي مع طبقين صغيرين بهما تلك الأطعمة التي تصاحب عادة قنينات الجعة وكؤوس النبيذ .. - نقب .. نقب ربما راك جيعان ..!
يأمرني رفيقي أن آكل .. بنبرة تعبيره الفاسية التي تترك عند سماعها زنة خاصة في الأذن ..
أرشف من فنجاني رشفات قهوة زكية وساخنة ، وأنقب من الأطباق .. قطع الطعام .. ورفيقي يحكي لي عن أمور كثيرة ..
في الحقيقة كنت أسمع دائما أنه في الحانات ، يحلو الحديث بين الندماء ، فيفرغ الرفاق أمام بعضهم البعض كل ما عندهم من أخبار سارة أو سيئة .. فالفضاء يوحي بالحديث والدردشة والتحرر من ثقل حمل المشاكل ..
تزين هذه الأجواء الدافئة أنغاما موسيقية هادئة كلاسيكية عربية وغربية ، تبث بتناوب وبمزيج ينم عن ذوق رفيع لمن يسهر على بثها .. تزيد من إبتهاج الفضاء وجاذبيته ..
حدثني رفيقي عن إبنه الذي يدرس في فرنسا في إحدى المدارس الكبرى .. وعن زيارته له كلما توفرت إمكانية الزيارة .. وعن بنت ثالثة لازالت تدرس بالثانوي ..
لم يكن لدي ما أحكيه لرفيقي إلا ما يعانيه الطلبة إبان سنوات الدراسة ، وما ينتظرنا ، بعد الحصول على الإجازة ، من صعوبات الإندماج في سوق الشغل ..
رجع رفيقي للحديث عن مقاولته وكيف ناضل واجتهد وضحى بالغالي والنفيس لتقف على رجليها ، كما يقول بين الفينة والأخرى .. ويضيف : - فعالم الأعمال الحرة مليء بالصعوبات والمطبات .. وعلى الإنسان أن يكون ذكيا وصبورا ، وناجعا في تدخلاته ، وحذقا في إغتنامه للفرص لكي يحقق مبتغاه .. ويتمكن من إجتراح مساره بين باقي المقاولين ..
- بالمناسبة هاك .. هذه بطاقة الزيارة ، عليها كل المعلومات عن شركتي والهاتف والعنوان .. تهلا فيها (إحفظها ) ، ومرحبا بك إلى مدينة فاس في أي وقت .. أنا أدعوك لزيارتنا على الرحب والسعة . أياك أن تهمل البطاقة .. !
شكرته على دعوته الأخوية لي ، وثقته في شخصي المتواضع .. وأنا أدس البطاقة في محفظة النقود الصغيرة الفارغة ، وأرجعها إلى الجيب الداخلي لمعطفي .. بادرني بالقول .. - إنما أريدك في مهمة خاصة .. وعليك أن تعمل ما في وسعك لمساندتي ، وتزكية موقفي ..
- هات ما عندك .. قد أكون مفتاحا لحل مشكلتك .. ؟
- القصة يا أخي هي أنه منذ أن تحرك بنا القطار مغادرا محطة الرباط ، خطرت ببال زوجتي فكرة النزول بمحطة مدينة مكناس لزيارة أختها هناك ، والتي تسكن في وسط المدينة ، غير بعيد عن المحطة .. فلم أوافقها الرأي لأنني لا أريد أن أزعج الناس ليلا وهم مرتاحون في مضاجعهم .. وأنا ناشط (ثمل) كما ترى .. بغيت نزيد لداري .. باش نرتاح ..! بينما بقيت هي متمسكة باقتراحها ومصممة على تنفيذه ..
- لا عليك سأحاول أن أقنعها بالعدول عن فكرة الزيارة هذه ، وأتمنى أن تقبل الحل الذي يروج في ذهني ..
- أقبل كل شيء يعفيني من التوقف في محطة مكناس ..!
- بسيطة .. سترى .. مايكون غير الخير .
أنهينا ما كنا نشرب ، ثم فجأة بدأ الصوت النسوي المنبعث من مكبرات الصوت المثبتة في سقف الحانة يذكر المسافرين باقترابنا من محطة مكناس . فغادرنا المقصف نحو مقصورتنا .. - ألفيناها نصف فارغة فقد غادرها راكبان .. وزوجة رفيقي مضجعة على المقعدين للحفاظ على مكان زوجها ، وهي تحاول مداراة النعاس الذي بدأ يغازل جفونها تدريجيا ..
بمجرد وصولنا ، عدلت من جلستها واستوت وهي تضع يدها على فمها لإخفاء شدة التثاؤب التي إنتابتها ..
جلس زوجها بجانبها ، وأفضى إليها بأمر النزول في محطة مكناس .. وهو يخبرها بدور الحكم الذي سأقوم به .. - إن رفيقي له حل لقضية النزول في محطة مكناس ، سيعجبك لا محالة ..
نظرت إلى مبتسمة .. وقالت : - دوخك ، دكسي علاس داك معاه .. أسنو هو هاد الحل ؟
(أهل فاس ينطقون الشين سينا .. والقاف .. أ. ) - لا ، مسكين شرب غير الأهوة (القهوة) .. !
يجيبها نيابة عني .. - الحل سيدتي أن زوجك المحترم يتبرم قليلا من مثل هذه الزيارات المفاجئة للأهل .. خاصة وأن الوقت ليلا .. ربما سينزعج أهلك وسيضطرب نومهم ..
- أقترح أن تكملا السفر إلى مدينتكما ، ثم في نهاية الأسبوع المقبل أو الذي يليه ، لك الحق في زيارة أختك ، ويمكن أن تقضيا معها نهاية الأسبوع كاملة ، وتستمتعا بلقائكما ، خاصة وأن المدينتين لا تفصلهما إلا مسافة قصيرة .. ستون كلمتر …!
ودون أن يدعني أكمل سرد إقتراحي ، أبدى إعجابه بتحكيمي وهو يعبر عن فرحه وابتهاجه بالحل ، بمفردات نطقها بصوت مرتفع قليلا . - واك واك الحأ (الحق ) سير الله يرضي عليك ..
- شوفي صافي حكم رفيقي بيننا ، وفكرته ممتازة وأتفق معه على طول ..
يتحدث معها وهو يتلفظ كلماته بسرعة ، ويمسك بيديها كما لو أنه يمنعها من القيام بفعل ما .. ثم يقبل رأسها بعد ذلك وهو يهتز قليلا من فرحه بالحل ، وبنشوته وهو ينهي فكرة زوجته بالنزول في محطة مكناس .. والإبتسامة الجميلة مرسومة على شفتيه لا تغادرهما .. - واخا أسيدي ما علينا .. بقيتي على خاطرك ..؟
ثم تكشف عن ضحكة هادئة زادت ملامحها ارتياحا وحسنا ..
يردف الزوج .. ليخبرها بشأن الدعوة .. بعدما تأكد من قبولها بالحل الذي اقترحت عليهما واستسلامها لتحكيمي .. - راه عرضت عليه يجي يزورنا في فاس .. أعطيته بطاقة الزيارة للشركة ..
- مرحبا بك في أي وقت .. إعتبرنا أهلك ..
تدعم دعوة زوجها وتسانده .. - شكرا جزيلا سيدتي على حسن كرمكم ونبل أخلاقكم ..
تابعنا دردشتنا في أمور مختلفة بعدما انهينا قضية زيارة أختها وارتياح الزوج من تبعاتها .. ليعلمنا بعد ذلك الصوت النسوي عبر مكبرات الصوت داخل عربات القطار باقتراب هذا الأخير من محطة فاس ..
رافقت أصدقائي الفاسيين إلى باب العربة وودعتهم .. وأنا أراقبهم من موقعي ، وهما يتجهان إلى خارج المحطة .. ثم بعد بضع خطوات خطياها على الرصيف إستدار صديقي نحوي ، وجدد الترحاب بي ودعوتي لزيارتهم قريبا .. - راك واعدتيني ، مرحبا بك .. إياك أن تفقد البطاقة …