” بدايات ” للجزائرية آمال فرشة
من خلال هذه المسودة المزمع إصدارها قريبا، تحاول الشاعرة الجزائرية الواعدة فرشة آمال،إثارة العديد من الأسئلة الوجودية ، ضمن سياقات تجريبية تحتفي بالعربي وقضياه،إلتزاما بلغة مبتكرة تتسامى عن مأزق الرمادية والغموض ، لتدغدغ بسلاستها المزركشة بمعاني النرجسية في توسلّها الكثافة البصرية ،حدّا ينقل النص من خطابه التقريري الإنشائي ، إلى مستويات عميقة بدوال الرمزي والفواصل الاستعارية التي هي مكمن شعرية الاستحداث وروحها.
فهذه الكتابة الانقلابية أو الغضبة الموقع بصوت أنوثي،لا يحمل من ملمح ونفحات الهشّ والرغوي، سوى النزر الذي يذكّرنا بكون مصدره شاعرة حالمة ومفخخة الكينونة بحرقة الانتماء في مفهومه العروبي الواسع، لا كما لقنه للأجيال تاريخ شوهته الانكسارات والأخطاء.
شاعرة تلوذ بالحلم المشورع ، كي تقدّم مواقف جريئة يفرزها التجريبي، بما هي هواجس جيّاشة تستجدي ماضوية الأمجاد،على نحو محرّض على نبذ واقع الخمول والهوان والذل العربي، بل وتجاوزه إلى مقاربات مبتكرة وجديدة تطال أقدس القضايا وأعتدها ،صوب خلق أفق أكثر إقناعا في التعاطي مع كتلكم قضايا، لم تجن العرب من قشيب الرؤى التي دأبت على تغليفها بها ،سوى المزيد من غطرسة الآخر وجوره وجنونه.
من تمّ ،نلفي الكتابة ، تبعا لهذه ” البدايات” أشبه بمقامرة لتلبّس فضاء الحكاية ، وباعتماد صياغات هذيانية تطوّع الرموز الإنسانية ،وتسخّر الموروث، للقلقلة وخلخلة السائد ، باتجاه ثقافة التمرد الكافي للقطع مع الحلول الترقيعية والخيارات الاستسلامية التي أرهقت طويلا، تاريخانية القضايا العربية في المجمل.
تقول:
[يا نخلةَ صحراءِ العربإن تظهرْ
كلّ البهائجِ لكَ تنحني
وسأجعل نور البدر
أمام روحِكَ ينطفئ
من شهِد مواقفكَ جاءني
وقد رحل الفزع عنه
من إسرائيل وأمّها الحنون أمريكا
ولتعلم أنّكَ بالقلبِ ساكن
وسيبقى العراقُ
قِبلة الثّوار](1).
إذا كانت الصحراء صورة للذاكرة العربية ، فإن ورودها ك تيمة يُتم ، وانقطاع عن الجذر ، في هذا المنجز، في ضوء انفلات ذهني ،يحتلّ المابينية بما يتيح تخليق الموازنة بين العقل والقلب،بدل تقديس جانب واحد ،كضرب من إقصاء ،يغذي لا محالة ،الزندقة السياسية المشوشة على مناخ المقاربات الجديدة في تأويل قضايا العروبة الأولى والأكثر إضرارا بمكاسب الأمة وتمزيقا لصفوفها وهويتها.
كما نقرأ لها أيضا:
[كــلّ العُشَّــاقِ أحبّـوا القمــرَوأنا كَرِهتهُ
نعم كرهتُهُ
فنورُهُ سريع الاندثارِ
وإن تجدّد فلزوالٍ سَائرٍ
نَادرٌ هذا الذي أَحبَّ القمرَ من أجلِهِ
مكروهٌ، ممنوعٌ، مستحيلٌ…
هذا الذي مَجّدَ القمرَ لأجلهِ
لكن بقـدرٍ أنـتَ كذلـكَ
بقدرِ ما أنتَ مصدر ألم
مثلكَ مثل الموسيقى، نسمعُها
فنأنَس
ونتذكرُ ما يُنسى
وبعدها تَنتصر
تنتصر فنُحبّكَ، ولنحبَّكَ
وبعدها تزول
لتجدّد غدًا وغدَا ](2).
إنه احتفاء بالوسطية في كل شيء، حسب شاعرتنا، أو رعاية لمفهوم البدايات ، وهو بناء لغوي يفيد التكثير، الذي من منطلقه الإبداعي، يرفل بأكثر من دلالة، وانطباع يحيل على قاعدة ” الكم يولّد الكيف” وينطبق هذا على كافة المجالات ،تقريبا.
بذلك ، تُكتسب الهوية الوجودية داخل الزمن الحقيقي، لا كما تُمليه وتفرضه المرايا والمراوغة والأقنعة الإيديولوجية .
نتابع لها مثل هذه الصرخة، مبدية الذات في فوقية قد لا تجود بها سوى حيوا ت الانجذاب للحلم مغريا بمشروعيته المزدانة بتقنيات التجريب مع كل قنوات الدنيا، إبداعيا ومهنيا و واقعيا بل وفي جميع وضعيات الكائن الوجودية.
[أيّتُها الفتاةُ!!!أنتِ من تفكّرينَ طويلاً
أنتِ من تحلُمينَ أبدا
من حقّكِ التّجربة
الغوصُ في اللاّمعقول
من حقّكِ الغطرسة، الانقلاب
للوصولِ إلى المعلومِ
كسرُ القيودِ، مَحوُ الحدود
لكشفِ ستارٍ المجهول
جعلِ الممنوعِ مباحًا
لا تخافي
لمَ كلّ هذه الهَيبة؟
لمَ كلّ هذه الرَّهبة؟
فالعالَم محدود
محدودٌ بانغلاقِ البعض
أحسدُ تلكَ التي قامتْ بشيء
وقضتْ على كلّ هذا، ولا زال](3).
هي الذات الكارهة للحدود والممنوع، المتقلّبة في أذواقها ،وتنوّع ألسنها الخطابية ،نزوعا صوب نجاح حقيقي،بعد نضال شاق ضدّ العادي والمنمّط والمألوف، قسطا تتذيل معه المقامرة الإبداعية وضمنيا الأبعاد الوجودية للذات، ببرزخية تذوّق هذه النجاحات والإفلاح في ذلك.
برزخية مباهية بنصانية الاتكاء على الحمولة الحِكمية وتكريسها، بعدّ تلكم فلتة ، ليس يقترحها سوى خيار الانفتاح ورهاناته،تركيزا على هواجس القضايا العربية الحساسة جدا.
[وحتّى لا أعيشَ في قَلبِهحتَّى الزَّمن اعتذَرَ لي
اعتَذَرَ لي يوم عيد ميلادي
اعتَذَرَ بأنَّه لا زال ضِدِّي
والدُّونْكيشوت الَّذي أنتَظِر
رحلَتُهُ لا زالت طويلة ولمْ يَصِل
نعم.. الدُّونْكيشوت لمْ يصل
صدِّقني يا زمن أنَّني أعلم
أعلمُ لأنّ رِحلتي أيضا لمْ تنتهِ](4).
بهذه الشعرية المأخوذة بانثيالات صور ورؤى الانقلاب على القشيب في خبث مساوماته، بشأن مناح عدّة في طور افتتاحي إبداعي يذعن لروح التجريب، كي ينقض بكينونة الأنثوي الممسوس بصوت القوة في أقصى درجات نعومتها، بالطبع،ويغدق بخطاب القضية على سائر إيقاعات المنجز بشقّيه العروضي والنثري ،استطاعت المبدعة الجزائرية فرشة آمال إلى حدّ ما ، استفزاز المُنوَّم أو المعطّل في تاريخ قضايا العروبة الأكثر مصيرية ومساسا بالهوية والذاكرة.
هامش:
(1)نص ” كل العشاق” صفحة28.
(2) نص ” تهدم الأمم باسم الرّجال”صفحة 34
(3)نص”الحلم “صفحة43. (4)نص” لقاء مبتور” صفحة56.