أقبل عيدنا، هيا بنا يا أصدقائي كي نذهب للملاهي، قالت مريم لهم.
كانوا من حي واحد، أصدقاء يبتغون البهجة، خرجوا بثياب جديدة نظيفة كنفوسهم، إنطلقوا نحو الملاهي بالميدان القريب، ركضت مريم في مرح بيدها مصطفى، تهتز ضفائرها يمينا وشمالا، وصلوا للملاهي ووقفوا أمام أرجوحة كبيرة، قالت: نبدأ بهذه.
في براءة قال مصطفى: لنقف في طابور معا ننتظر دورنا للركوب، كان الفراغ يحمل صوت انفجار بعيد، ودَوي الرصاص المألوف كاحتفالات العيد لم يخوفهم، بكت إحدى الصديقات، همت مريم في حنو ومالت بجذعها نحو الفتاة،سألتها عن سبب البكاء؟، قالت: ذكرتني أصوات الطلقات بوالدي،كنت أحتاج له لكي يصطحبني لهنا ككل مرة، الآن جئت وحدي.، قالت مريم: نحن جميعا نشبهك،لا أب، أو لا أم، بل مصطفى صاحبنا لا بيت له في الحي الذي نسكنه، كلنا اعتدنا على هذا، لقد ألفنا الفقد يا صديقة، كثيرون هم الموتى بتلك المدينة! ، قومي انهضي ليكون لك دور في طابور المرح، دعينا نستمتع بالعيد قبل انتهائه ككل شيء ينتهي سريعا.
جاء دور المجموعة معا، ثمة عدة طوابير تحوي مجموعات الأصدقاء، يركبون معا، وسيعودون لبيوتهم معا، لكن لم يعرفوا أنهم أيضا سيموتون معا، قد علت أصوات الصياح مع الرصاص، ثم تحول مشهد الحياة لمشهد موت، إنقلب عيد الأطفال لحفلة موت تشبه حفلة شواء يستمتع بها بعض العرب البدو في صحرائهم، صاروخ غاشم غطى سماءهم، من عند عشاق الحياة لأنفسهم وكارهيها لغيرهم، ثمة انتفاضة حدثت واشتباكات في مكان ما، لكن لماذا استهدفوا ملاهي الأطفال؟، تساءلوا وراء الشاشات، تناثرت الجثث في كل اتجاه، مريم تعاني ألما قاتلا، تمزق جذعها، الحرق على مناطق في جلدها كما أصحابها، وقف مصطفى ببعض إصابته الطفيفة في ذهول يصيح ويئن، وصحافي بالقرب جاء يلتقط التصاوير، وصوت من بين الموتى يقول:
كلنا في طابور الموت معا، لماذا تخلف البعض؟
مد مصطفى يده لإنقاذ أحدهم بينما ينازع الموت، أخذ ينظر للأرجوحة المحطمة، مسكين لم يأت دوره.
: لماذا تنشغل ياهذا بالتصوير وتتركنا؟!، سأل أحدهم.
قال: نحن هنا لتوثيق الموت، أصابتنا بلادة بعدما صار الموت مشهدا من مشاهد الحياة، لا بأس، كلنا هنا مهددون بالموت.
إلتفت أحد المصابين وقال في براءة:
نحن دفعنا الثمن كاملا، لكننا لم نركب الأرجوحة.!
الموت يزحف في المكان ليحصد أرواح من أصيب، ليقول لهم: قد دفعتم ثمن الموت، وظننتم أنكم هنا للهو والحياة،
الكل هنا ينتظر دوره ليساق إلى عالم بديل.
مريم‘ مريم!! ، ينادي مصطفى ببكاء عليها متحسرا.
يقاطعه صوت أحدهم: دعها كي تتنهد تنهيدة الموت الرحيم.
فيقول وسط بكائه وهو بأيدي المسعفين باتجاههم نحو العربة: لا بيت لي هنا، لا أصدقاء، لا مريم، لماذا لم ألحق بهم كي أكون معهم؟
أجابه طبيب: نحن جميعا ننتظر أدوارنا كي نذهب لمن فقدناهم، لكن لابد أولا أن نرسل أعداءنا للجحيم ليذهبوا لمن فقدوهم بدورهم، كن من يرسلهم أيها الشبل الصغير. .!
فجأة يقطع همهماتهم صوت صاروخ يوحد انتباههم، صياح وصراخ من جديد، ينظرون لأعلى، كانت آخر نظرة لوميض من ضوء لهم في الحياة هو وميض انفجار صاروخ يحمل الموت إليهم، تناثرت أشلاؤهم، بينما في أحياء أخرى أطفال آخرين يتأهبون للذهاب إلى الملاهي قبل أن ينقضي العيد، ولا زالت أصوات الطلقات والانفجارات في سماء المدينة، تقتل الحربُ الإنسان، لكنها لم تقتل في نفوس أولئك الأطفال حب الحياة.