عمّان –
تلتقط القاصة الأردنية بيان أسعد مصطفى في مجموعتها القصصية الصادرة حديثًا “أنفاس”، تفاصيل دقيقة من الحياة اليومية التي يعيشها أغلب الناس، في جانبيها الشخصي والعام، وتسلط الضوء عليها بتقنيات فنية وجمالية تحوّلها إلى مشاهد سردية محبوكة بمهارة.
تقع المجموعة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 94 صفحة من القطع المتوسط، وتُظهر فيها الكاتبة دقة الوصف، والقدرة على تجسيد التفاصيل النفسية التي قد لا يُلتفت إليها في زحمة الحياة اليومية التي يكابدها أبطال القصص، الذين يعبّرون في حقيقتهم عن شخصيات واقعية يمكن أن يجدها القارئ في أيّ مكان وفي أي زمان.
وتضمّ المجموعة 67 قصة تراوحت بين قصص قصيرة وأخرى قصيرة جدًّا، وامتازت لغة الكاتبة خلالها بالسلاسة، وبتجسيدها الحالات جميعها بمنتهى الوضوح دون أي إضافات لا يحتاجها المعنى أو تفاصيل المشهد. ورغم أن القضايا تنوعت في إطارها الجندري إلا أن الطابع الأنثوي كان أكثر ظهورًا، وأظهرت المعالجات قدرةً على فهم العالم الأنثوي وخلجاته التي قد تخفى على غير الملاحظ الخبير.
وتتسم المجموعة بتنوع الخلفيات المكانية التي تجري فوق مسرحها الأحداث، إذ تتنقل من مشاهد طبيعية ذات فضاءات مفتوحة، إلى مشاهد أخرى في الشارع، أو تحاصرها الجدران في البيت أو المستشفى أو مكان العمل. تقول بطلة إحدى القصص: “من بعيدٍ كنتُ أطالع هذين المشهدين على جبلين متقابلين أمامي، أرسم أحداثهما دون أن أسمع أصوات كل منهم؛ على الجبل الأول ذلك الراعي يتبع عشرة خراف، يُصلح لها طريقًا، يسوّي نفسه على طيبة متجردًا من أيّ غرور يعاكس توجه هذه الأرض وهذه الطبيعة الخضراء، بثيابه القديمة و«حطَّته» المثبتة على كيفية واحدة. دائمًا ما أرى كل الرعاء بقسمات الوجه نفسها، إنهم يشبهون بعضهم بعضًا إلى حد يجعلهم متفردين ومتميزين عن سواهم، وكأنّ الله خلقهم في وقت واحد وحدهم بشكل واحدٍ ثم قسّمهم علينا”.
ويصف مشهد آخر حالة الضيق المكاني والمعنوي التي يعانيها بطل القصة: “في سريره المشرئبّ كأعمدة المشانق يضمُّ ذراعيه بين رجليه ويحني ظهره الذي يزداد تقوسًا كلما مرت سنة. يغطيه لحاف قد اهترأ من أشعة الشمس. شعره المنكوش الذي يعدّه أصدقاؤه صفة جمالية لموسيقي سيشتهر من موهبة ضعيفة لم يصقلها وكان يغفو في حصصها التي حضرها من أجلها. شعره يغطي وسادته كتلك الأوراق الكثيرة المسطّرة بالنوتات التي غطت أرضية غرفته، وكريش ذلك الطائر التي اشتراه في الأمس من صديقه إذ خاف أن يرميه من النافذة بسبب صوته الأجشِّ الأشبه بزجاجٍ يحتك بحائط كما قال”.
وتقول بطلة إحدى القصص في مشهد تصف فيه امرأة أخرى: “هناك شيء ما تفكر فيه المرأة الوحيدة أمامي، شيء يشبه الصمت الذي يسبق أي شيء خطير ووجيز، كالطريقة المناسبة للانتحار أو تحليل خاص بها للأوضاع السياسية الحالية؛ من الطريقة التي تنفث بها الدخان، فيصعد عاليًا جدًّا كدخان القطار، وكثيفًا كأنه أجزاء نفسها العميقة، لولا أن ضحكت أثناء الاتصال الهاتفي، أحدثت ضحكتها صخبًا هزّ المقهى، وعدنا إلى بعضنا بعضًا؛ كلٌّ شاردٌ فيه إلى أبعد حد!”.
جاء على الغلاف الأخير للمجموعة: “هناك شجرة تسكن في ذلك البيت الذي يقابل بيتنا، البيت فارغ تمامًا وليس ثمة شيء غيرها. لفتت نظري صدفة كما تحدث لي الأشياء غالبًا، أردت أن أسدل ستائر الغرفة ثم لمحتها تتحرك في ذلك البيت، كانت نوافذه مفتوحة، والعتمة تسود الغرف، البيت هادئ تحيط به مجموعة من الأشجار، لا أرى أحدًا يدخل أو يخرج من البيت، وثمة غرابان وحيدان يمرّان على سطحه، ينعقان كثيرًا، ثم يقفزان إلى بيوت بعيدة”.
ومن الجدير ذكره أن بيان أسعد مصطفى وُلدت في مدينة الزرقاء الأردنية سنة 1990، وهي حاصلة على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من الجامعة الهاشمية، وتكتب في عدد من المجلات والمواقع الأدبية. والمجموعة القصصية “أنفاس” هي الإصدار الأول لها.