من المفارقات العجيبة في هذا الوجود الاجتماعي المعقد ، تلك المرتبطة بالمشاركة في الحياة الاجتماعية أو الانعزال عنها، و في الحالتين معا يحتاج الإنسان، سواء أكان ذاتا (شخصا) أو جماعة أيديولوجية ، إلى تكوين وجهة نظر في ما هو كائن أو في ما ينبغي أن يكون ، لأنه ينبغي على الإنسان أن يحدد موقفا حول أي عالم أو أي أخلاق يريد ، و بين الأولى و الثانية توجد الحياة الاجتماعية التي نتشاركها جميعا أو التي ترغمنا على الانعزال وعدم الاكتراث للأخر أو للمصلحة العامة.
وعلى رأس هرم المعنيين بأمر تخبط المجتمع بين الواقع و الواقع الممكن ، يوجد المثقف كفاعل أساسي في حركية المجتمع و تطوره. و سواء اختار المشاركة أو الانعزال، فإنه بطريقة أو بأخرى منخرط في انحطاط أو ازدهار مجتمعه لأن أحدهما تعبير عن الآخر ، فالمثقف كحامل لتصور حول الحياة الاجتماعية و السياسية، يدرك قيمة أفكاره ضمن جماعة تسمح بذلك، و يشعر برداءة ما يفكر فيه حين تكون هذه الأفكار غير قادرة على الخروج لمجال التواصل العام، و يعود ذلك بالأساس لوضعية المثقف ووضعية المجتمع.
إن العائق الأساسي في وضعية المثقف، ذاتي مرتبط بمعيارية التفكير التي تنطلق من السؤال التفضيلي ، أي ذلك النموذج الأفضل الذي على الجماعة أن تقترب منه والذي يكون واقعا ممكنا في المستقبل، و الذي يروم تقويم و إصلاح السلوك الفردي أو الجماعي الغير سوي ، و هذه العملية في الغالب ما تتعارض مع مصلحة الإرادة السياسية القائمة التي تقوم على مبدأ المحافظة و تلك إشكالية أخرى.
أما العائق الواقعي ، فمرتبط بوضعية المجتمع ، الذي قد يسمح بحركية تغييرية في اتجاه “ممكن المثقف ” أو في اتجاه استعمال المثقف المحافظ على الوضع القائم ، أو في اتجاهات إرغامه على التكيف، و إذا كان المثقف غير قادر على التأقلم و التمويه فإن الإرادة السياسية و الاجتماعية سترغمانه على الانعزال، لكي تتحد العلاقة في الأخير وفق عملية إقصاء الإرادة العامة للإرادة الخاصة التي لا تتلاءم مع مصالحها ، و بالتالي أن يقبع المثقف في أفكاره و أن يعقلن الإحباط الناتج عن هذه العملية، أو أن يجد من المبررات ما يكفي لمواساة نفسه، أو أن ينخرط مع هذه الإرادة من أجل المصلحة الخاصة و تلك وضعية أضعف من أي وضعية سابقة، تجعلنا نتساءل هل في مقاربتنا لإشكالية المثقف ،ينبغي أن نضع تمييزا بين مثقف هذه الرقعة من العالم ، و مثقف المجتمعات التي تسمح بالمشاركة أو التي على الأقل تؤكد على التواصل كبداية لتحسين وضع الإنسان ؟