في حوار أجرته مجلة عبور (صدى اوطاط الحاج سابقا) مع شاعرنا الألمعي الدكتور أحمد مفدي بتاريخ 28 مارس 2021، وتعد المجلة قراءها الكرام بنشر الحوار كاملا لاحقا.
نسّق الحوار: ذ. عبد العزيز الطوالي
وحاورت الضيف الدكتورة الفاضلة فتيحة اليحياوي
بداية، أستاذنا الكريم شكرا جزيلا لكم على قبول دعوة المجلة، وشكرا جزيلا على استضافتكم الكريمة لنا بمنزلكم. دكتورنا وشاعرنا سيدي أحمد مفدي الغني عن التعريف بسمعته واهتماماته وحضوره وإنسانيته أيضا. يأتي هذا اللقاء في إطار استعداد هيئة التحرير بمجلة صدى اوطاط الحاج، لإصدار عددها الثالث، وقد تم تكليف ذ. عبد العزيز الطوالي باختيار شخصية العدد وإنجاز ملف حولها، ووقع اختياره- طبعا وبترحيب كبير من كل أعضاء المجلة – على شخصكم دكتورنا وأستاذنا الكبير الشاعر سيدي أحمد مفدي. سيدي أحمد مفدي الذي قال فيه الشاعر عبد الكريم الوزاني:
فدتك القوافي واجتبتك المنابر / / على أنها بالشاعر الفحل تفخر
لأنــــــك ذلــك الألمــــــعــــــي مـــــهابــــــة / / وأنك عن صبح المزية تسفر
ألـــفتــــك سباقــــــا لكـــــل مــــــزيــــــــة / / كما أنت عن كل المكارم تشكر
تباهى بشذو الضاد في كل محفل / / وأنت به أسنى وأجلى وأشعر
أرى الشعر نشوان بروضك راقصا / / كان به روحا بالحلاوة تقطر
لكن تبقى الكلمة لفضيلة شاعرنا مولاي أحمد مفدي لتقريب قرائه الأعزاء من نفسه، ومن عطاءاته بطريقته الخاصة، فلكم الكلمة دكتورنا الكريم لتقديم نفسكم رغم أن القراء يعرفون الكثير عنكم.
شكرا الدكتورة الكريمة فتيحة اليحياوي على هذه الاستضافة، وأنا سعيد جدا باستغلالها واستقبال الأستاذ عبد العزيز الطوالي في هذا الحوار الشيق إن شاء الله. ولكن طرحت علي سؤالا صعبا جدا، وهو أن يقدم الأنسان نفسه، ما أصعب أن يتحدث الإنسان عن نفسه! إنه ككرسي الإعدام كما قال أحد العلماء الأمريكان كان هنا في المغرب، وكان سفيرا، وكان من علماء العربية الأفذاذ، قال: إن كرسي المحاضر أو المتحدث عن نفسه ككرسي الإعدام، هي من الكراسي التي يكرهها الإنسان، ويكره الاقتراب منها لأنه صعب جدا أن يتحدث عن نفسه، من الأحسن أن يقول كلمة ويرحل، ويترك الآخرين يقيمون الشاعر أو الكاتب أو الناقد أو المحقق، ولكن لابد مما ليس منه بد أن أقول بأن أحمد مفدي عاش شاعر في حياته منذ صباه، كنت صبيا وكنت أحاول أن أقرض الشعر وكنت أفعل شعرا موزونا، وأحيانا أضعه على الموازين السهلة التي كانت مطية كل شاعر في البداية مثل: المتدارك والرجز والرمل والمتقارب إلخ. ولما نجحت في البكالوريا ودخلت الجامعة فبدأت المواهب تظهر كتابة نثرا وشعرا، كنت أنشر في جريدة “أصوات” وهي المنبر الوحيد آنذاك في المغرب الذي كان ينشر فيه الكتاب والشعراء والنقاد المغاربة في الستينات، حيث لم يكن هناك منبر آخر سواه، وكان من نشرت له قصيدة أو مقال أو قصة في “أصوات” يشار إليه بالبنان، وفي سنة 1969 أسس الأستاذ الأديب النقي الصفي المرحوم عبد الجبار السحيمي، أسس الملحق الثقافي لجريدة العلم، فكانت لي قصيدة بعنوان ” ومضات” نشرت في العدد الثاني من هذا الملحق الثقافي، ومنذ ذلك وأنا أنشر في الملحق الثقافي كباقي الكتاب والشعراء المغاربة، ونشرت في مجلات وفي صحف أخرى داخل الوطن وخارجه، في مصر وفي قطر وفي العراق، وخلال سنة 1972 أصدرت أول ديوان لي ” في انتظار موسم الرياح”، ولهذا الديوان قصة طويلة يمكن أن تكون في المذكرات، لأنه كان سيخرج من المطبعة يوم 20 يوليوز 1972، والمحاولة التي دبرها أوفقير في المغرب – كما أتصور وأظن – كانت يوم 12 يوليوز، فذهبنا أنا وصديقي عبد الله النفيسي عند صاحب المطبعة في الثانية عشر ليلا، وأخرجناه من داره، ودخلنا للمطبعة وأغلقنا الباب، فبدأنا نزيل نصوصا من الديوان أو بعضا منها، لأنها كانت تحمل نبوءة، وسيظهر الأمر وكأننا كنا على علم بذلك، وهي نبوءة الشاعر على أي حال. وقبل هذا الديوان كان لنا ديوان سنة 1969 عنوانه ” من قفر السماء” دفعناه للطبع في الرباط، ولكن للأسف لم نتوصل به إلى حد الساعة. ماذا حل بهذا الديوان؟ الله ورسوله أعلم وأهل الأمر، فلا علم لي به حتى وجدت نسخة عند أحد الأدباء الكبار المصريين بعين الشمس د. السيد حامد النساج الذي أشار إليه في موسوعته حول الشعر العربي في المغرب الأقصى، وقد أحال على هذا الديوان، وقدم دراسة جيدة حوله. وبعد ذلك انطلقت المسيرة نثرا وشعرا، وكان تخصص في الأدب الجاهلي، ولكن لما تقاعد أحد كبار العلماء في العالم العربي في الشعر الجاهلي وهو د. محمد نجيب البهبيتي رحمه الله، اضطررت إلى أن أحول الموضوع إلى الأدب المغربي المعاصر، ثم بعد ذلك ألقي بي في المجهول، وارتميت في الصحراء، وكانت إسبانيا ما تزال تسيطر على الصحراء المغربية، وكانت الحدود مقطوعة، وكان التسلل صعبا إلى مناطق الشعراء وكبار المثقفين الذين ينحدرون من المناطق الجنوبية سواء سوس الأدنى، أو كلميم أو تزنيت أو غيرها من المدن في الحدود، كان صعب جدا أن تعثر على قصيدة أو تعريف أو أي عمل، ولكن بذلت جهدا كبيرا حتى حصلت على بعض ما أحتاج إليه، وهو الكتاب الذي حققته لنيل دبلوم الدراسات العليا ويقع في أربعة أجزاء (ألف ومئة صفحة) “تحقيق ودراسة ديوان الأبحر المعِينية في بعض الأمداح المعَيْنية” للشيخ الأديب النَّعمة ماء العينين. ويضم 270 شاعرا، وهو كتاب ضخم وبه خلاصة ما انتهى إليه العلم والمعرفة في الصحراء المغربية، والصحراء بصفة عامة لأن الأدب ليس له جغرافيا، وقد اخترت القرن 12 أي قبل أن يضع الاستعمار الفرنسي والاسباني الحدود للملكة المغربية التي كانت ممتدة إلى تمبوكتو. وكان هذه العمل بموازاة عملي الأدبي والشعري، وعملي بالجامعة كأستاذ، ثم بعد ذلك نوقشت هذه الأطروحة فقال أحد الأساتذة الكرام في المناقشة: الحمد لله جامعة سيدي محمد بنعبد الله كلية الآداب ظهر المهراز تساهم بهذه الرسالة في المسيرة الخضراء.
حياتي صعبة جدا – لولا المساندة من البيت- ما كان لي أن أوازن بين هذه الأمور، كنت أعمل السياسة، كنت نائبا برلمانيا ثلث قرن، وكنت رئيس المجموعة الحضرية بفاس، وقبلها كنت نائبا لرئيس المجلس البلدي لمدينة فاس، فكانت كل قراءاتي وكتابتي ليلا باستمرار، ففي النهار مشغول مع الناس، وكذلك في العطل الصيفية أستغل كل دقائقها للقراءة والكتابة، واستمرت الأعمال الإنتاجية، فلما كنت رئيسا للمجموعة الحضرية أسست اللجنة العلمية التي تشرف على ربيع فاس الأدبي، وكان له شأن عظيم وكان يحضره الشعراء من كل البلدان العربية من سوريا وفلسطين ومصر والأردن…، حيث كان شيئا مشهودا، فأصدرت بعد ذلك ديوان “الوقوف في مرتفعات الصحو” ثم “صهيل العشق” ثم بعد ذلك توالت الدواوين ( 22 ديوان) والآن عندي حوالي أربعة دواوين أريد طبعها خلال هذه الأيام، وأشياء أخرى تحتاج فقط الإخراج والتصحيح. هذا أحمد مفدي باختصار يوازي بين الالتزام السياسي الإداري، ثم الالتزام العائلي، والالتزام مع الذات فيما يخص الإبداع لأن المبدع إذا لم يبدع من ذاته ولذاته فليس مبدعا .