“جمالية المتعالي في نص{فوق أرصفة الرحيل}”حميد العنبرالخويلدي ــ العراق

ضمن مواد العدد الورقي الأول لمجلة عبور

النص لسانُ حالٍ ناطقٍ حتماً، يحكي معك ، يوشي لك ، حتى قد يمسي شريكاً لك ، أو رفيق درب يعطيك السرَّ والمخفيَّ المهمَّ، وفي لحظة التلقّي الصادقةِ أنت القرينٌ له ، أو المعادل الاعتباري ولكن على قدر مستوى مؤهلاتك،، فلعله -ونعني النتاج -عبقري فيكون أعمق منك وأخصب رؤىً وهذا تميّز نادر ، أو تكون بمستواه وهنا الأغلب العام .

أو دون الاعتبار المعنوي وهنا تقع تحت طاولة عبء النص ،، وهم بالقياس كثر ،، أما نحن فنبحث عن المتعالي في الفن ، في قدرته وقيمته الجمالية لنوفر على وقتنا من البهاء ما ينفع ويرفع الدرجة ،، والمتعالي هذا وبمثل ما شخّصنا عبقريته أو درجة اعتباره ولو بدرجة اعتبار بنّاء على اقلّ مستوى ،، وهذا مقبول بمبالغةٍ تامةِ الأصل والنسخ ، وهنا حد المفاضلة الوجوب لابد ، و كما أنّ النصَّ أعلى وعياً وأبلغ صورةً واستدامةً من منتجه أو مبدعه، هكذا نرى وحسب منهج أصحابنا الاعتباريين ، نعرضها من باب أنها عقدةٌ تفجيريةٌ أمام الباحثين ، ولأنّها ليست درسنا الآن ، إنما لنا منها ما يسند مادتنا من تضامين فكرية ورفد إشارة ،، فقصيدة (أنشودة المطر عند العظيم السّياب بدر ،، ). ( وقصيدة الصقر عند الكبير أدونيس علي احمد سعيد ،، ) كلتاهما نزلتا بمستوى بلوغ أعلى طبيعةً وتكويناً من مستوى بلوغ شعور وحس المُبْدعَيْن المحدّد أصلا بالكينونة العمرية المحصورة بين لازمتي الميلاد والموت ، بل أكثر سعةً جداً باعتبار النتاج باقياً مادام الوجود ومادامت الحياة،، و متأتٍ من سببين على حدِّ ما نرى،، الأول -إن الوجود بوحدة شهوده ومشهوده ، أدل وأكثر تركيزاً وكثافةً نوعيةً ذات سعة ومداليل في الجمال المحسوب والمقاس بمعيارية أكثر حبكةً وفطنةً كونيتين من هيولى فردية تغلّفها شخصانيةٌ محدودةُ الأحاسيس ترجع للمبدع الآدمي ذاته ، مضافاً هو نفسه على الوجود ذاته لحظة الخلق الإبداعي الخاصة وعمومها .

والثاني- أن صيرورة الذات التكوينية لدى الشاعرين مرت وتمر بأدوار استحالة ونضج تدرُّجية وهنا نلاحظ تسلسل اكتمال درجية الهيكل والطينة عندهما ، اعني السياب وادونيس ، أي قوام وعي الشاعرين ، ومستوى تجربتهما ونضجها واستيعاب مآلاتها التصيرية الفاعلة ،،. فمثلاً أنتج بدر أنشودة المطر وهو في تدرّج غير مكتمل مثلاً لتمام الصورة البلوغية فيه ، أو انه لم يصل لكمال مقامات التجريبية عنده وقتها ،، وكذلك عند علي احمد سعيد رغم انه كان في الصقر قاطعاً أشواطا من البلوغ الفلسفي الشعري مثلاً في صنعة الصيغ المتقدمة في النص ، ومع ذاك فهو يحمل نوعاً من القصور الحتمي أمام عنف الوجود وأبعاد عمقه وسعته اللامتناهية وأَجْرامه ونظامه التكويني المحض ،، وما ذِكْرُنا لهما إلا حبّاً وتقديراً فهما القمّتان العاليتان في أدب الأمة لحد الآن ،،رحم اللهُ مَن رحل إلى نعيم الرب وحفظ مَنْ بقى ،، ولربّما سأل سائل أو شكْكَ ، كيف أن نتاج الشاعر اكبر منه وأعمق ،،،،؟ نقول إن البطل الفلاني ولدتْه امُّهُ فلانة الاعتيادية البسيطة ، كبر وتدرج وأصبح بطلاً ،فيا ترى من أجدر في الحياة ، سيما وهو نتاجُ أُمِّه التي ولدتْه ، فهل يكون البطل ،أم والدته ،، البستان الوارف بنخله وأشجاره ، أنتجته أرضه التي انغرس فيها ،،فأيهما أجدر ،، البستان أم أرضه ،، والغيمة والمطر الهاطل منها ،، هي تبددت وهو المتحوّل إلى معان من الحياة أخرى ،، كل هذا والامتثال تطول وتعرض كدليل على نتاج المبدع ابلغ منه ،، أديسون رجل اكتشف الكهرباء ،، اينشتاين ونيوتن ،،أملي هذا للتذكرة والإثبات،، ابن رشد والفارابي ،،نتاجاتهم ابلغ منهما ،، وعلى اقل تقدير ، إنها باقية إلى الآن معنا تتفاعل ولازالت وتبقى ، وهذا يخص الموجود الكلي ،، المعمارية زها حديد رحمها الله توقفت عند حدٍّ من الوقت بينما نتاجاتها لم تتوقف لازالت وتستمر ،، المرحوم طه حسين حيٌّ بنصوصه ،، ولكنه مات وانصرم وقته ،،والرئيس المرحوم جمال عبد الناصر ، وكلُّ المبدعين الأحرار في سِفْر الأمة وتاريخها المجيد ،، كلُّ هذا المنظور ، أدلى به نتاج /فوق أرصفة الرحيل / للشاعر عصام سامي ناجي حين قاربْنا مستوى بلوغ البنية النصْية ، عندما تلقيناها اطلاعاً ومكاشفةً ، وكأنّه أوحى للنقد فينا بمعرفة منه ، بأنّه ابلغ وأمكن في الإمكان من مبدعه ، لذا أخذنا الحال بالفكرة والنظرة أن نتابع ذلك ، ومن خلال إملاءات تناصّيّة فيها جيوب عمق مملوءة ومتوافرة بالنضج علينا ،، إذ تحمل خصائص الرؤيا التي نشير ،، ولو أشرنا فهي تركيز اختيارية المبدع على عَرْضِ موضوع النص عـرْضاً استطرادياً جدلياً ، اختصر به وركّز على عامل قضية تاريخية مرَّ بها وطن احتلَّ عنوةً ، وبيان مستوى تأثير المُلِمّات على مناحي مقدْراته الحضارية ، وتخريب صلاح المعادلة الكونية فيه ، ومدى تأسيه أي المبدع على هذا التجني والجريمة المقصودة ،خاصةً على بلدنا دون سواه ، وتخريبه رغما من قبل الكيانات العالمية الامبريالية ، رغماً وغيلةً ،، مما اثّر على سيرة التوجّه التاريخي والحضاري والثقافي فيه ،،وكسر شوكة الجيل بهذا التشتت والتردي المقيت ، ،،، ( يا سادتي قد سلّموا تيجان عزتنا ،،لكلِّ سفّاح دخيل ، قد سلّموه صهيل دجلة ، لم يعد في النهر ، لا ماء ولا صبح ولا قدح وأصداء الصهيل ،، لكنّهم قد زوروا التاريخ واغتالوا النخيل ،،) هذه مأساة شعب وقضية قائمة ومناضلَة لم تنته عند حد وحصر ،، إنما يتراءى لنا أن خبثاً من الاستبداد مدَّ يدَهُ ليهيمن بالكامل على كل مناحي المكان ووحدات الزمان المرتبطة به ،،هنا الشاعر ناقش أمرأ مهماً بحجم منوال الجهاد والتشخيص الحق ،، فصّل في أبياته من خلال الصور التي رسمها على بوابات ومداخل تاريخ يعيه بمثل ما يفقهه ، هذا بُعْدٌ جدليٌّ ممتد مع الموجود الواقعي مادمنا ودام الحدث ، اشتمل عليه النتاج كعامل من عوامل كثافته ، والجاعلة له انه أكثر مستوى بلوغ من دورة حياة فنان ، أنتج هذا النص ، وهذا جزء من إرادة وقوة النص ،، ومثل ما في النص هنا يتطابق مع المنظور الفكري الذي طرحنا ،، ونعني به النص اقوي وابلغ من منتجه الفنان ،، هذي عملية جدلية موجودة منذ بزوغ فجر الأمم ولم تنته إلى الآن ولا ينقطع لها اثر ،،صراع وحروب وغزو ، وكما عوّدتْنا الملاحم والتوثيقات حول هذا ،، وقد يستخف فرد ما ويقول ما علاقة النص بهذا ،، لا إنما نقول له علاقة جوهرية فاعلة ،، الأمة أي امةٍ بمبدعيها بنتاجاتهم وما تركوا من موروث ،، هم في الفناء الآن مَن سبق منهم ونصوصهم في البقاء فاعلة ،وبتراكم نوعي وكثافة فعل حركية ،،بعضها يشدُّ بعضا ويترابط معه ،، حتى ولو كان النتاج من المستوى البنّاء أو دونه ،،ناهيك عن النص المتعالي الاعتبار ،، وهذي تقسيمات منهجنا ،، نص متعالي الاعتبار حد الذروة ،، نص متعالي في اعتباره ،، نص بنّاء ،ونص دونه، وحتى نصوص الرثاية ،،قد تدخل في قوة وحدة الحال الموجود ،، فالمبدعون هم معادل أممهم، او هم المعيارية التي توزن بها الأمة ،،يا سادتي،، صرنا سبايا ،، ( لقمة الخبز التي ،لا لم تعد وقت المجاعة قائمة ،، لم يبق طير في المدينة كي يغرد والحقيقة مؤلمة ،،) هذا التناغم الاستعراضي لنشر قضية شعب جوعان ومستهلك ، تصوّرها الشاعر عصام سامي ، وصوّرها إلى بُنى ومركبات فكر لا ينتهي ،،أبدا مهما تهافت الزمن هي تحيي الأثر عند مراس تعبئتها في ظرف ثانٍ مثلا ،، لو صح وانتهى بها الآمر للمعالجة وصلاح شأن ،، إنما هي باقية كقوة تستنفر متى أراد جيل تحريكها ،،وحسب عقد تفجيرها وطاقة نشوبها ،، وهذا حبل من مسد ممتد نعتبره قائماً مهما طال وقت وتحرك دهر ،،،وكما هي قوة نتاج مستدامة ، نبرهن بها تفسيرياً عن روح النص /فوق أرصفة الرحيل/ ( يا سادتي،، لم يبق في الأفق الكئيب سوى الكتاب،،وبعض طلقاتٍ وكلِّ البندقية ،،) وكمثل هذا يستدرك الفنان به علينا ،،إذ لابد من منفرج ، وان لابد لليل أن ينجلي ،، وللظلمة من زوال والمفتاح دائماً بأيدي أهل الأرض والنضال ،،وكما نرى اليوم كيف المعادلة تجري بأبعادها الفكرية وبالذات عندنا ،، نقول لهم انتم واهمون ، فهي لنا ولابد من مغادرة لكم مهما تأخرتم ،، فنحن ذوو نظرة وفكرة ونعرف إلى أي مستوى تُؤشّر المقاييس ،، النص أكاديميا ذو حرفة وصنعة متقدمة ، بألفاظه وأسلوبياته ، تصويره وتعبيره ،، استعاراته ومجازاته تراكباته وتوالد مضامينه ،،هو أقرب إلى روح تجربة شعر السبعينيات ، منظم رصين ، غنائيته عالية ،، غايته الفكرية بليغة ،،يعتبر الشاعر عصام من شعراء مدرسة الالتزام والمنهجية الثورية.

عن أحمد الشيخاوي

شاهد أيضاً

قيم ” التسامح ” و” التعايش ” في الشعر العربي

د.حسن بوعجب| المغرب             لقد اضطلع الشعر منذ القدم بدور تهذيب النفوس وتنمية القيم الإيجابية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات