“خواطر القلب السبعة: خالد”كريم الشواتي/المغرب

كان في كل رحلة صيد سمك؛ بعد مناوبة شاقة ومليئة بالأوامر والنواهي.. يلمم أغراضه بسرعة فائقة : القصبة، الخيوط، أنواع الصنانير: الصغيرة والكبيرة والمتوسطة، الثلاثية والرياعية والخماسية، الطعوم البلاستيكية…
كأنه ذاهب إلى معركة أخرى على غرار المعارك التي يخوضها كل يوم في الجيش مع الحراكة أثناء حراسة حدود مدينته المسلوبة …
كان يعشق الصيد كثيراً إلى درجة أنه كان يقضي أكثر من نصف أوقات فراغه بين الصخور يصطاد الأخطبوط وأسماك الببغاء وسرطانات البحر والصلور وغيرها من الأسماك التي يحفظ أسماءها عن ظهر قلب، وأماكن توافرها وكذلك عاداتها…
كان خالد … هذا الجندي القروي العشريني الحديث التخرج من فرقة مشاة البحرية الملكية مليئاً بالأمل والحيوية والنشاط، يرمي صنارته بعيداً وينتظر حظه من زرقة البحر، بماذا ستجود الأعماق هذه المرة!؟ كانت الدقائق والساعات الطويلة تمر عليه وكأنها ثوان معدودة، من شدة حبه لما يفعل، فالصيد هوايته المفضلة، حتى وإن لم يصطد شيئا، يكفي أن يجسد الوضعية هكذا … لكي يستريح من ضغط العمل .. تراه لوحده بين الصخور كأنه صخرة صماء لا تحركها رياح الأوهام والظنون، يعيش على يقين حبه لله، ثم للمهنة وقيامه بالواجب، وعشقه للساحل وبره لأمه وأخته الوحيدة… يريد أن يصبح شخصاً ذا قيمة في المستقبل، ضابطا كبيرا برتبة عسكرية عالية، ولم لا!؟ عالية جدا كراية ترفرف في السماء، يحرر كل الثغور بنصف كلمة… يغزو العالم أمنا وسلاما وتسامحا، هذا بعد تدخين كل الحشيش الذي بحوزته، وشرب ما تبقى من قنينات البيرة التي توحي له بأفكار شيطانية أقلها أن يغزو الفضاء الخارجي !؟ ومع ذلك كان خالد إنساناً طيباً جداً وابن عائلة كبيرة، شابًا طموحا ذكياً، مع أنه لم يكمل دراسته الثانوية بسبب موت أبيه، فكان لابد له أن يأخذ مكانه، كان بوجهه الطفولي السمح كأنه ملاك من شدة البراءة، وعكس ذلك.. عدوانيا لدرجة لا تصدق، بالطبع لا بالتكلف، مع الذين يستحقون الاحترام والتقدير، أقصد مع الذين يحتاجون بين الفينة والأخرى لسماع سنفونية السباب والشتم، كالذين يجهلون الكلم الطيب، ولا يعرفون إلا هذه النوطات المختارة من أرشيف الخبث… فهو بطبعه عسكري حتى قبل أن يلتحق بصفوف الجيش، والعساكر هكذا يقرر لديهم درس السباب كجزء لا يتجزأ من التدريب، رفقة الإنضباط والتمارين الرياضية …خالد رجل لا يحب الظلم ويكره الذل، جندي شاب لاذع المذاق لايمكن بلعه بسهولة،، لم يكن في صغره من أطفال اللمجة في المحفظة، وقبلة الصباح وحليب المساء، لا، لم يكن من هؤلاء… بل كان من أولئك، يموت على نفس الكيف عندما تجتاحه القطعة أي عندما… لا لا أعرف كيف أفسر لكم هذه الحالة الغريبة التي تجتاحه عندما يفتقد رائحة العدل أو جرعة الحرية …!؟ يظل هكذا يخاطب نفسه لساعات وقصبته منتصبة في السماء، تحركها الرياح يمنة ويسرة ثم تغوص تارة في الأعماق، ويغوص معها تفكيره في هذه الحياة، فيبدأ يطرح الأسئلة الفلسفية دون انتظار إجابات …
يكلم البحر، يتوعد الأسماك يمزح معها ومع نفسه أيضا، حتى يقترب موعد مناوبة جديدة فيجمع أغراضه المتفرقة بسرعة بين الصخور، ويدخن ما تبقى من شقوف الكيف والسجائر المهربة لكي يلعن الشيطان الرجيم مرة أخرى، ثم يعود إلى رشده من جديد…

عن عبد العزيز الطوالي

شاهد أيضاً

مدرسة العمارات

عبد الباسط الصمدي أبو أميمة| اليمن أنا إنسان لا يرى قدرهوغير مكتف بانتظار الوقتأمي اليمن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التخطي إلى شريط الأدوات